
في حلقة جديدة من حلقات التطبيع الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل، تعود هذا الشهر فعالية "أسبوع السايبر 2025" إلى جامعة تل أبيب بوصفها إحدى أبرز التظاهرات الدولية في مجال الأمن السيبراني، وسط مشاركة واسعة من جهات وشركات إماراتية، ما يسلّط الضوء على جدوى هذا التطبيع للدولة الخليجية من الناحية الاقتصادية.
وتكشف التفاصيل المنشورة على موقع الملحقية التجارية الإسرائيلية في الإمارات عن ملامح هذا التعاون المتنامي، إذ تُفيد بأن الفعالية، التي نُظّمت في الفترة من 23 إلى 26 حزيران/يونيو الماضي، شهدت حضور آلاف الخبراء من عشرات الدول، إلى جانب مبادرات ومشاريع سيبرانية مشتركة بين أبوظبي وتل أبيب، مثل منصة "كريستال بول" التي طُرحت لأول مرة خلال نسخة سابقة من الحدث.
وكانت المصادقة على اتفاق اقتصادي استراتيجي بين إسرائيل والإمارات (CEPA)، الذي دخل حيز التنفيذ في 15 إبريل/نيسان الجاري، قد قدمت برهانًا عمليًا على تحول جوهري في العلاقات بين البلدين وفق محللين، وسلّطت الضوء على جدواها بالنسبة إلى الدول العربية التي تسعى إلى الانخراط في المسار نفسه بعد توقيعها اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال.
وتستثني الاتفاقية، التي تُعدّ الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية، 96% من السلع من الرسوم الجمركية فورًا أو تدريجيًا، ما اعتبرته تحليلات غربية مؤشرًا على مصالح اقتصادية حقيقية ستجنيها الإمارات، ومنها تقدير أورده موقع "غلف بيزنس" والموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد الإماراتية. فالاتفاقية تهدف إلى رفع حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى 10 مليارات دولار سنويًا خلال خمس سنوات، مع توقّعات بأن تضيف 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بحلول عام 2030، وهي تقديرات تستند إلى إزالة الحواجز الجمركية وتعزيز تدفق الاستثمارات. وبحسب التقدير نفسه، فإن الاتفاقية تمثل "نموذجًا جديدًا" للتعاون الاقتصادي قد يشجّع دولًا أخرى على تبنّي نهج الشراكات الاقتصادية مع إسرائيل بدلًا من الاقتصار على العلاقات السياسية أو الأمنية.
ويزعم تقدير نشره معهد واشنطن أن مثل هذه الاتفاقيات تعزّز من مرونة اقتصادات الخليج وتنوّعها بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتدعم بناء اقتصادات أكثر استدامة وانفتاحًا على الابتكار والتكنولوجيا. وفي السياق الجيوسياسي، يشير التقدير نفسه إلى أن الاتفاق الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل لا يقتصر على المصالح الثنائية، بل يحمل أبعادًا استراتيجية أوسع، إذ يعكس رغبة في بناء منظومة إقليمية أكثر ترابطًا اقتصاديًا، ما قد يسهم في تعزيز الاستقرار وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويمنح المنطقة قدرة أكبر على مواجهة التحديات العالمية مثل الأمن الغذائي والتحول الرقمي.
لكن تقديرًا آخر يسلط الضوء على انعكاسات حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة وتأثيرها على العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ودول المنطقة، فقد شهدت هذه العلاقات تراجعًا ملحوظًا، وانخفضت السياحة الإسرائيلية إلى الإمارات بشكل كبير، كما جرى تأجيل صفقات استراتيجية، مثل استحواذ شركة "أدنوك" الإماراتية وشركة "بي بي" البريطانية على حصة في شركة "نيو ميد" الإسرائيلية للغاز، بسبب التوترات الإقليمية.
وفي ضوء هذه المعطيات، يرى بعض المحللين أن اتفاقية CEPA قد لا تحقق الفوائد الاقتصادية المرجوة للإمارات، بل قد تُعرضها لمخاطر سياسية وأمنية، وتُضعف من مكانتها الإقليمية، خاصة إذا استمرت إسرائيل في سياساتها الحالية تجاه الفلسطينيين ومواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد غزة.
امتيازات خاصة
وفي هذا الإطار، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس الفرنسية آلان صفا، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعطيات الخاصة بالاتفاق الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل تؤشر إلى تعزيز للاتفاق الأول الذي تم توقيعه بينهما في عام 2023، والذي ركز بشكل أساسي على الخدمات وليس السلع، موضحًا أن اقتصادي الدولتين يشتركان في التخصص بمجالات مشابهة، مثل السياحة والخدمات المالية.
ومع ذلك، يلفت صفا إلى أن الاتفاق الذي جرى توقيعه في عام 2023 لم يقدم امتيازات خاصة للإمارات مقارنة بالدول الأخرى التي أبرمت اتفاقيات مع إسرائيل. أما الاتفاق الجديد، فيمنح الإمارات بعض الامتيازات، مثل الحصول على رسوم جمركية منخفضة عند تصدير الخدمات. لكن صفا يلفت إلى أن التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل، الذي يُقدّر بقيمة 2.5 مليار دولار، لا يزال منخفضًا إذا ما قورن بإمكانات الدولتين الاقتصادية، رغم أنه يعكس زيادة كبيرة مقارنة بما كان عليه الحال قبل الاتفاق، حيث كانت التجارة بينهما لا تتعدى 150 مليون دولار.
ويوضح صفا أن هذا النمو "يعزز من حجم التبادل التجاري بين الدولتين، لكنه يبقى بعيدًا عن تحقيق إمكاناته الكاملة"، معتبرًا أن "زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض أثرت على العلاقة بين الإمارات والسعودية، ما دفع الإمارات إلى البحث عن شراكات جديدة لتعزيز موقعها الإقليمي. وفي هذا السياق، يأتي التقارب الإماراتي الإسرائيلي، ليس فقط خطوةً اقتصاديةً، بل أيضًا وسيلةً لتحقيق مصالح استراتيجية من المنظور الإماراتي"، حسب تقدير صفا الذي يخلص إلى أن "الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل له جانب اقتصادي، لكن الأبعاد الاستراتيجية له تبدو أكثر وضوحًا وأهمية من الفوائد الاقتصادية المباشرة".
بنوك من دون فوائد
وفي السياق، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي مدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف أن الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية "لم تحقق أي فوائد اقتصادية حقيقية لتلك الدول"، موضحًا أن "المسيرة التي بدأت بمصر والأردن واستمرت باتفاقيات "إبراهام" مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لم يستفد منها سوى قلة من رجال الأعمال المتنفذين المرتبطين بالحكومات الموقعة".
و"على الرغم من الادعاءات بأن هذه الاتفاقيات ستُسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي، إلا أنها في الواقع لم تقدم أي قيمة مضافة لشعوب المنطقة"، حسب ما يرى يوسف، مشيرًا إلى أن اتفاقيات مثل "الكويز"، التي تضمنت مكونًا إسرائيليًا في صناعات المنسوجات المصرية، كانت مجرد أدوات لتحسين صورة الاحتلال الإسرائيلي دوليًا، و"جرى استخدامها لمحاولة تطبيع العلاقات مع شعوب المنطقة عبر بوابة الاقتصاد، رغم الأطماع التوسعية والاستيطانية الإسرائيلية في المنطقة".
ويؤكد يوسف أن "هذا التعاون الاقتصادي لا يعدو كونه وسيلة لشرعنة وجود الاحتلال وتبريره أمام شعوب المنطقة"، لافتًا إلى أن "الإمارات تُستخدم أداةً اقتصاديةً من دون الحصول على أي مزايا حقيقية، إذ إن إسرائيل لن تنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الإمارات أو أي دولة عربية أخرى، حتى لو كانت حليفة استراتيجية، وهو ما تدعمه اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة التي تشدد على منع نقل الأسلحة المتطورة إلى دول المنطقة، بما فيها الإمارات:.
وبحسب المتحدث نفسه، فإن "العلاقة الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل امتداد لنموذج استغلال الإمكانات المالية للدول الغنية في المنطقة، حيث يجرى استخدامها بوصفها "بنوكاً من دون فوائد" لصالح إسرائيل، التي تستفيد من هذه الشراكات لتوسيع حصتها السوقية ورفع تصنيفها الائتماني، بينما لا تقدم أي تقنيات أو معرفة علمية ذات قيمة". ويشدد يوسف على أن "فكرة نقل التكنولوجيا من إسرائيل أو إنشاء مصانع لها في الإمارات لتعليم العمالة المحلية هي فكرة مستحيلة تمامًا"، مؤكدًا أن "إسرائيل لن تتخلى عن سيطرتها على التكنولوجيا تحت أي ظرف".
وفي سياق متصل، يلفت يوسف إلى ارتفاع زخم حملات المقاطعة ضد إسرائيل، ليس فقط من الدول المسلمة والعربية، بل أيضًا من المجتمعات المتعاطفة مع حقوق الإنسان حول العالم، مشيرًا إلى أن "الإمارات، بتبنيها مشروع التطبيع مع الاحتلال، أصبحت جزءًا من القائمة التي تواجه مقاطعة اقتصادية وأكاديمية. فالجامعات الأميركية، على سبيل المثال، تحظر التعامل مع الشركات المرتبطة بإسرائيل، وتفرض حملات مثل BDS (حركة مقاطعة إسرائيل) عقوبات على البضائع والأنشطة التجارية المرتبطة بالكيان الصهيوني، ما يعني أن الإمارات ستواجه حملات كهذه وما يصاحبها من انعكاسات اقتصادية"، بحسب يوسف.
ورغم أن الإمارات تروّج هذه الاتفاقيات عباعتبارها "تعاونًا اقتصاديًّا مثمرًا"، إلا أن يوسف يؤكد أن "الواقع يكشف عن تماهٍ كامل مع المشروع الإسرائيلي الذي يعتمد على تطبيع العلاقات مع أنظمة ذات سمعة سيئة في مجال حقوق الإنسان، ما يجعل الولايات المتحدة تتخلى عن مبادئ الحرية والديمقراطية التي تدّعي الدفاع عنها".
ويخلص يوسف إلى أن "الإمارات تخسر هويتها الإقليمية من خلال الانخراط في اتفاقيات مثل هذه، تضعها في مواجهة مع محيطها العربي والإسلامي، ويتوقع أن تتزايد العزلة السياسية والاقتصادية نتيجة لهذا التطبيع الذي يفتقر إلى أي مبرر حقيقي"، مشيرًا إلى أن "هذه السياسات لن تجلب سوى الضرر طويل الأمد للإمارات على مستويات عدّة، في القلب منها المستوى الاقتصادي".
