وزير العدل السوري يوقف تنفيذ أحكام مستندة إلى قوانين التهريب وسط جدل
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

أثار قرار أصدره وزير العدل السوري مظهر الويس في 21 يوليو/ تموز الجاري، يقضي بـ"تجميد تنفيذ الإجراءات التنفيذية" المرتبطة بأحكام قضائية قطعية، موجة من الجدل في الأوساط القانونية والحقوقية، نظراً إلى ما ينطوي عليه من مساس بمبدأ الفصل بين السلطات، وتهديد مباشر لحجية الأحكام القضائية النهائية. ويشمل القرار، الذي اطّلع "العربي الجديد" على نسخة منه، الأحكام المستندة إلى المرسومين التشريعيين رقم 5 و6 لعام 2024، المتعلقين بمنع التعامل بغير الليرة السورية، والمرسوم رقم 13 لعام 1974 الخاص بمكافحة التهريب إضافة إلى قانون حماية المستهلك رقم 8 لعام 2021. وتشمل بعض القضايا المشمولة بالقرار ملفات شديدة الحساسية، من بينها قضايا تهريب المخدرات.

مساس بحجية القضاء؟

القرار، الذي جاء بصيغة إدارية من وزارة العدل، يعلّق عملياً تنفيذ الأحكام القضائية القطعية، ما يعني، وفقاً لعدد من المحامين، تعطيل سلطة القضاء لمصلحة السلطة التنفيذية. ويعتبر قانونيون أن هذا التجميد يتناقض مع أحد المبادئ الدستورية الراسخة، وهو استقلال السلطة القضائية وعدم جواز التدخل في أحكامها.

ويقول المحامي منذر الجدعان، عضو نقابة محامي دمشق، لـ"العربي الجديد"، إنّ القرار "يمثل سابقة خطيرة، لأنه يجمد أحكاماً قضائية قطعية صادرة عن المحاكم، وهو ما لا يجوز لأي جهة تنفيذية القيام به، حتى لو كانت وزارة العدل. فالأحكام القطعية يجب أن تُنفذ، لا أن تُعلّق أو تُجمّد". ويضيف: "التذرّع بطبيعة المخالفات المرتبطة بالتعامل بغير الليرة أو قضايا التهريب لا يبرر خرق مبدأ قانوني ثابت، وهو حجية الأحكام القضائية، بغض النظر عن طبيعة الجرم أو الاتهام".

تساؤلات دستورية

يطرح القرار أيضاً تساؤلات أعمق حول مبدأ الفصل بين السلطات في النظام القانوني السوري، ومدى احترام السلطة التنفيذية استقلالَ القضاء. فبحسب عدد من المراقبين، فإن تدخل وزارة العدل في منع تنفيذ أحكام صادرة عن محاكم مختصة، حتى وإن كانت تلك الأحكام محل جدل اجتماعي أو سياسي، يفتح الباب أمام السلطة السياسية للتلاعب بمخرجات السلطة القضائية. ويرى أحد الباحثين القانونيين أن هذا القرار يعكس أزمة أعمق تتعلق بمكانة القضاء داخل بنية السلطة في سورية، فبدلاً من تعزيز استقلاله، يجرى التعامل معه باعتباره أداةً ضمن سياسات الحكومة، لا سلطةً مستقلةً تفصل في النزاعات وتحمي الحقوق.

تجميد الأحكام في قضايا التهريب

من بين القوانين التي شملها قرار التجميد، المرسوم التشريعي رقم 13 لعام 1974، وهو أحد الأعمدة القانونية الأساسية في مكافحة التهريب في سورية. يمنح هذا المرسوم صلاحيات واسعة للسلطات القضائية والأمنية في تتبّع وضبط المهربين، ويفرض عقوبات مشددة تصل إلى السجن والغرامات المالية الضخمة، ومصادرة المواد المهربة والوسائل المستخدمة في الجريمة. وبحسب قانونيين، فإن هذا المرسوم كان يُستخدم بشكل مكثّف في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل انتشار شبكات تهريب المواد المدعومة (مثل المحروقات والطحين)، وكذلك تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود.

ويحذّر القاضي المتقاعد علاء الراشد، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن تجميد تنفيذ الأحكام القطعية الصادرة بموجب هذا المرسوم يوجّه إشارة سلبية مزدوجة: أولاً إلى القضاء الذي باتت قراراته عرضة للإلغاء الإداري، وثانياً إلى شبكات التهريب التي قد تستشعر ضعفاً في الردع القانوني، ما قد يؤدي إلى تصاعد نشاطها. ويضيف أنّ التهريب، وخاصة المرتبط بالمخدرات والمواد المدعومة، "يشكل خطراً مباشراً على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي، فإن تعطيل تنفيذ الأحكام في هذا النوع من الجرائم يمكن أن يُفهم بوصفه نوعاً من التراخي، أو حتى حماية غير مباشرة لبعض الشبكات النافذة".

قضايا التهريب ومخالفات حماية المستهلك

رغم غياب أرقام رسمية دقيقة حول عدد القضايا المحكومة بناءً على مرسوم مكافحة التهريب، فإن تقارير إعلامية تفيد بتزايد واضح في نشاط التهريب خلال السنوات الماضية، وتورّط جهات نافذة أحياناً في شبكات تهريب تشمل المحروقات والمخدرات والسلع المدعومة. أما في ما يتعلق بمخالفات حماية المستهلك، فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً لافتاً في عدد الضبوط التموينية والعقوبات المرتبطة بها.

ففي عام 2023، سُجّل أكثر من 66 ألفاً و200 ضبط تمويني بقيمة غرامات تجاوزت 358 مليار ليرة سورية. وخلال الربع الأول من عام 2024 فقط، نُظّمت 15 ألفاً و283 ضبطاً، مع غرامات قاربت 63.6  مليار ليرة، إضافة إلى 1,207 حالات إغلاق لمحال تجارية، وتحويل 134 مخالفاً إلى القضاء.

وتوزعت المخالفات بين عدم الإعلان عن الأسعار، والاتجار بالمواد المدعومة، والغش التجاري، وبيع مواد مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية. ويخشى مراقبون أن يؤدي قرار تجميد تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بهذه المخالفات إلى تآكل الردع القانوني، وعودة الفوضى إلى السوق، وارتفاع منسوب استغلال المستهلك في ظل غياب رقابة فعّالة.

ضبابية قانونية قد تربك الأسواق

من الناحية الاقتصادية، يرى خبراء أن القرار يحمل رسائل سلبية لبيئة الأعمال، وقد ينعكس بشكل مباشر على الثقة بالمناخ الاستثماري، وعلى استقرار الأسواق المحلية. ويقول الخبير الاقتصادي وأمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تعليق تنفيذ أحكام تتعلق بمخالفات مالية وتجارية، وخاصة تلك المرتبطة بالتعامل بغير الليرة أو التهريب، "يخلق حالة من الضبابية القانونية، ويدفع بعض الفاعلين الاقتصاديين لاعتبار أن القوانين ليست نهائية أو ملزمة، ما يضر بثقة السوق".

ويضيف: "عندما يشعر التجار أو المستثمرون بأن العقوبات القانونية يمكن تجميدها بقرار إداري، فإن ذلك يفتح الباب أمام مزيد من الفوضى في السوق، وقد يدفع البعض لاستغلال الثغرات، خاصة في ظل الانهيار المتسارع في قيمة الليرة". كما يرى أن القرار قد يؤثر سلباً على الوضع المعيشي للمواطنين قائلاً: "إذا جرى تخفيف أو تجميد العقوبات المرتبطة بالتلاعب بالأسعار أو احتكار السلع، كما في بعض قضايا حماية المستهلك، فإن ذلك يعني ترك المستهلك من دون حماية فعلية، ويفاقم معاناته في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة".

وفي ظل غياب معايير واضحة لتحديد الأحكام المشمولة بالتجميد، تتزايد المخاوف من استنسابية تطبيق القرار، وفتح الباب أمام التدخلات الأمنية والسياسية في عمل القضاء، وهو ما يعزز، بحسب محامين، مناخ انعدام الثقة بالعدالة، ويدفع المواطنين للابتعاد عن اللجوء إلى القضاء مقابل البحث عن حلول غير قانونية لمشكلاتهم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية