أزمة الماء.. والمخلوقات المسالمة - عبدالمؤمن ميسري
حزبي
منذ ساعتين
مشاركة

تتعالى صرخات الناس هنا وهناك في عدد من المحافظات اليمنية. تشكو قلة الماء وجفاف الآبار وغياب السياسات الحكومية في جانب الأمن المائي غيابا كليا. وكأن القائمين على أمور الناس وجدوا في الجفاف وشحة المياه شاغلا يصرف أنظارهم عن الفساد الضارب في كل مفاصل الدولة. ويلهيهم ـ ولو لفترةـ عن نوبات الغلاء المتتالية المتسارعة بشكل يجعل الحليم حيرانا.

أصوات عطشى مبحوحة. أنهكها العطش وأوهنها السعي الحثيث بحثا عن مصادر المياه النظيفة. وسط صمت رسمي مريب. ووسط تراجع صادم لدور مؤسسات الدولة تجاه هذه الضائقة القوية المستفحلة.

ففي محافظة تعز على سبيل المثال ليس ثمة مديرية هناك إلا وهذه الجائحة تمد أطنابها فيها. مما جعل السكان يلجئون إلى مياه الغيول والوديان البعيده ليجلبوا حاجتهم من الماء على ظهور الدواب التي تنتظم في قوافل طويلة تكاد لا تتوقف أثناء النهار وزلفا من الليل. والمؤسف في الأمر أن مياه هذه الغيول والوديان تفتقد إلى كثير من شروط الماء الصالح للشرب.. لكن قلة الحيلة جعلت منها الخيار الأوحد هروبا من الموت  عطشا في بلاد عرفت في أسفار التاريخ بـ(اليمن السعيد).

والحقيقة المرة أن في هذه الأرياف من المتاعب والمآسي في البحث عن الماء أضعاف أضعاف ما هو حاصل في مدينة تعز رغم ضائقتها المائية الشديدة. فثمة صبايا في عمر الزهور في القرى والأرياف انتهت حياتهن في بطون الآبار والغيول وهن يبحثن عن الماء. وثمة أمراض ساحقة ماحقة انتشرت فيها انتشار النار في الهشيم ألطفها الكوليرا وأمراض الكلى المختلفة. ولها كل يوم ضحاياها في صفوف الناس أطفالا وشبانا وشيوخا. غير أن وجود الإعلام في مدينة تعز ومتابعته لهذه النازلة الشنيعة هناك أعطى انطباعا خاطئا في أن الأرياف تعيش سابحة في الماء العميم والخير العظيم.

والمضحك في الأمر ـ وشر البلية ما يضحك ـ أن أسعار الحمير ارتفعت وعلا شأنها حتى أصبحت ركنا أساسيا في تخفيف هذه الضائقة. يحمد لها الناس جهدها المصابر ومساهماتها الحثيثة. وينظرون إليها باحترام فائق. لأنهم وجدوا لديها حلا معقولا ـ وإنْ كان مضنيا.

وإنه لمن المؤسف والمحيّر في آن أن ينصرف  من يُفترضُ فيهم الرحمة والشعور بالمسئولية إلى جمع الإيرادات ولهطها. وإيكال مهمة التخفيف من هذه المأساة المزلزلة لتلك المخلوقات اللطيفة المسالمة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية