
تعيش كرة القدم التونسية حالة من التخبّط قبل بداية الموسم الجديد لبطولة الدوري التونسي لموسم 2025-2026، المقررة في التاسع من شهر أغسطس/ آب القادم، وهي وضعية تعوّد عليها الشارع الرياضي في البلاد قبل انطلاق المنافسات، بسبب الصعوبات المادية والتنظيمية التي تعانيها الكرة المحلية طيلة السنوات الأخيرة.
وإن كان يبدو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي لكرة القدم، الذي وصل إلى مهامه مطلع العام الحالي 2025، مستعداً للقطيعة مع كل مظاهر الفوضى التي رافقت انطلاقة الدوري في أغلب نسخه الماضية، فإنه عجز حتى الآن عن حلّ بعض المشكلات التي تتجاوز صلاحياته، والمتعلقة أساساً بواقع الكرة المحلية، ومنها الأمور التنظيمية واللوجستية، وهو ما خلّف انتقادات كبيرة في صفوف الجماهير، على مرّ السنوات الماضية.
وبعودة بطولة الدوري التونسي في شهر أغسطس، أُجبر الاتحاد التونسي لكرة القدم على برمجة المباريات في ساعات العصر، حينها ستكون درجات الحرارة مرتفعة جداً، تزامناً مع موجات الحرّ القوية التي تعرفها البلاد هذا الصيف. ويعود سبب الاختيار إلى عدم وجود الإنارة في العديد من الملاعب، وهو ما يجعل برمجة المنافسات في ساعات المساء والليل غير ممكنة. بالإضافة إلى ذلك، تمنع السلطات الأمنية التونسية خوض أغلب مباريات الدوري ليلاً لأسباب تنظيمية، وللدوافع نفسها، لا يمكن للفرق الضيوف أن تكون مصحوبة بمشجعيها، وهو ما يحتّم إقامة المباريات بالجماهير المحلية فقط، خلال الموسم الجديد، رغم محاولات مسؤولي الاتحاد لحل هذه المشكلة، ممّا يفقد المنافسات شيئاً من الحماس على المدرجات، ويجعل الأجواء هادئة أحياناً في بعض الملاعب.
ويواجه قرار برمجة المباريات في ساعات العصر، انتقادات كبيرة من طرف المدربين وأطباء الأندية، الذين حذّروا مراراً من الخطر الذي يهدد صحّة اللاعبين عند اللعب تحت أشعة الشمس الحارقة، وطالبوا بتأجيل بدء المسابقة إلى شهر سبتمبر/أيلول، لكن لم يكن أمام الاتحاد أي خيار آخر، سوى برمجة المسابقة في شهر أغسطس، من أجل ربح الوقت لإنهاء الموسم في مايو/أيار من سنة 2026.
وستتوقف مسابقة الدوري التونسي هذا العام في العديد من المرات بسبب مشاركة منتخب "نسور قرطاج" في بطولة كأس العرب بقطر من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر/كانون الأول المقبلين، وبطولة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم، التي ستقام في المغرب خلال الفترة الممتدة من 21 ديسمبر حتى 18 يناير/كانون الثاني، بالإضافة إلى الجولات الأربع المتبقية في تصفيات كأس العالم، التي اقترب فيها المنتخب من تحقيق التأهل إلى النهائيات المقررة صيف 2026 في الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك وكندا. وأمام المواعيد العديدة للمنتخب هذا العام، ستكون لجنة المسابقات في الاتحاد التونسي مضطرة إلى جدولة المنافسات بنسق سريع، وبمعدل 3 جولات في أسبوع واحدٍ، في بعض الأحيان، لتطرح المسألة العديد من التساؤلات حول قدرة البنية التحتية في الكرة التونسية على تأمين المنافسات في ظروف جيدة، تزامناً مع الحالة السيئة لبعض الملاعب.
ولا تقتصر أزمات الدوري التونسي على البرمجة والجانب التنظيمي فقط، وإنما تشمل كذلك المشكل المادي الذي يهدد حضور بعض الفرق في المسابقة، بسبب الغرامات التي فرضها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على أغلب الأندية، جراء نزاعات مع لاعبين ومدربين سابقين لها، مما ألقى ديوناً كبيرة على عاتق الفرق المحلية. وأعلن الاتحاد التونسي في بيان رسمي قبل أيام قليلة، أن الاتحاد الدولي "فيفا" والاتحاد الأفريقي "كاف" طلبا من الأندية المحلية تأدية ديونها في أقرب الآجال، حتى تقدر الفرق على المشاركة في المسابقات المحلية وكذلك القارية. ونجحت أغلب الأندية في تسوية وضعيتها، فيما تسابق البقية الزمن من أجل تأدية ديونها قبل انطلاق موعد المسابقة.
وكانت بداية الدوري التونسي في الموسم الماضي 2024-2025، مهدّدة بالتأجيل بسبب مشكلة الديون التي كادت أن تعصف بحضور عدد من الأندية في المسابقة، قبل أن يوافق الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، على إعطائها مهلةً لتسوية نزاعاتها قبل نهاية العام، لكن الوضع اختلف هذه المرة، وسط تحذير رسمي من "فيفا" و"كاف" بضرورة احترام المواعيد، وهو ما أكّده الاتحاد التونسي في بيانه الأخير.
وأثّرت الصعوبات المادية لأغلب الأندية التونسية، على سير الميركاتو الصيفي، الذي لم يعرف حتى الآن صفقات مدوية، حيث لم تستقطب الفرق المحلية لاعبين أجانب من الطراز الرفيع، على عكس باقي الفرق الكبيرة في القارة "السمراء"، خاصة منها أندية شمال أفريقيا، التي تنفق أموالاً طائلة على الصفقات المميزة، وهو الوضع ذاته الذي قلص من حظوظ الفرق التونسية في مسابقات القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، وجعل حضورها باهتاً بسبب ضعف رصيدها البشري، على عكس الترجي الذي يمثّل استثناءً من بين بقية منافسيه، بفضل استقراره الإداري والمادي.
أما على المستوى التحكيمي، فلا يخلو الوضع كذلك من الغموض، حيث تفيد المعطيات التي حصل عليها العربي الجديد، أن لجنة التحكيم التونسية، التي يقودها الجزائري جمال حيمودي، عجزت حتى الآن عن توفير تقنية حكم الفيديو المساعد "الفار"، إذ إن مرحلة الذهاب ستقام من دون وجود هذه التقنية، على أن تُفعَّل في الأسابيع الأخيرة من مرحلة الإياب. ويبحث الاتحاد التونسي لكرة القدم عن توقيع عقد رعاية جديد يوفّر له مداخيل مادية من شأنها أن تساهم في اقتناء تجهيزات "الفار"، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، وهو ما حدث كذلك في الموسم الماضي، وأثار جدلاً واسعاً، سواء في صفوف الأندية أو في الشارع الرياضي، بسبب كثرة الأخطاء التحكيمية، قبل أن يتدارك الاتحاد الوضع في مرحلة الإياب، تزامناً مع وصول المكتب التنفيذي الجديد بقيادة الرئيس معز الناصري.
ورغم كل هذه المشكلات، تسود حالة من التفاؤل المتابعين الذين ينتظرون بفارغ الصبر انطلاق المسابقة، ويتطلعون إلى موسم مشوّق، مثلما حدث في العام الماضي، عندما كان التنافس مشتعلاً على التتويج باللقب، قبل أن يحسم الترجي الأمور، إثر صراع قوي مع العديد من الفرق، أبرزها الاتحاد المنستيري.
