يحاول الرئيس ترامب منذ أسابيع احتواء الضغوط غير المعهودة من قاعدته، التي تطالب بالكشف عن محتوى الملف القضائي لصديقه القديم جيفري أبستين الذي انتحر في السجن قبل سنوات بعد أن حكم صدر ضده بتهم اغتصاب البنات القاصرات والاتجار بهن. الكثيرون من مؤيدي ترامب يعتقدون بوجود مؤامرة للتغطية على تورط العديد من الشخصيات الأميركية البارزة في انتهاكات أبستين.
تبدو الأوساط السياسية الأميركية، وكأنها مسرح تتصارع فوقه مختلف أنواع نظريات المؤامرة التي ينفيها أو يشجعها البيت الأبيض، والتي تتردد أصداؤها في أروقة الكونغرس، ويروج لها العديد من أنصار ترامب في وسائل الاتصال الاجتماعي.
وفي أقل من شهر، وخاصة بعد الكشف عن أن وزيرة العدل بام بوندي أبلغت ترامب أن اسمه ورد أكثر من مرة في ملف أبستين، وبعد الكشف عن أن ترامب بعث ببطاقة معايدة لابستين في عيد ميلاده الخمسين تتضمن تلميحات جنسية، وجد الرئيس الاميركي نفسه في مواجهة أزمة عنيدة وفريدة من نوعها أخفق حتى الآن في اخراجها من دائرة الضوء على الرغم من محاولاته العديدة دحض صحة الأخبار أو استخدام نظريات مؤامرة مضادة لاتهام مسؤولين سابقين من بينهم الرئيس الاسبق باراك أوباما بالتآمر ضده، حيث وصل به الامر اتهام أوباما "بالخيانة".
المفارقة هي أن مصدر هذه النظريات هو المفترس الجنسي الثري جيفري أبستين الذي انتحر في ظروف غامضة قبل ست سنوات. وحتى عندما حطت طائرة الرئيس ترامب في أسكوتلندا، لاحقته الأزمة وفرضت عليه مرة أخرى نفي الخبر المتعلق بوزيرة العدل، (مع أن البيت الأبيض أكده) وكرر تأنيب المراسلين لأنهم لا يركزون على اتهاماته لأوباما وحكومته بتزوير ملف أبستين، وتلفيق خبر قيام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية، وهي اتهامات لا أساس لها من الصحة.
تنتشر نظريات المؤامرة عادة في المجتمعات غير الديموقراطية التي تفتقر إلى المؤسسات المفتوحة مثل الصحافة الحرة، والقضاء المستقل. ولكن الأرضية السياسية الأميركية خصبة بما فيه الكفاية لنمو الكثير من نظريات المؤامرة، حيث لا تزال أكثرية من الأميركيين تعتقد أن اغتيال الرئيس جون أف كينيدي لم يكن عملا فرديا، أو أن هجمات سبتمبر- أيلول الإرهابية كانت بتدبير من الدولة العميقة في أميركا.
ويعتقد الكثيرون من أنصار ترامب أن ملف أبستين يحتوي أسماء شخصيات بارزة، معظمها من الديموقراطيين، وأن الدولة العميقة تحمي هؤلاء وأسرارهم. وكان ترامب وبعض المسؤولين في حكومته قد تعهدوا خلال الحملة الانتخابية بالكشف عن محتوى ملف أبستين، الأمر الذي يرفضه الآن.
ومنذ أن اجتاح دونالد ترامب المسرح السياسي قبل عقد من الزمن وهو يروج للكثير من نظريات المؤامرة ضد خصومه السياسيين من ديموقراطيين وجمهوريين مثل اتهام باراك حسين أوباما، الذي يصر ترامب دائما على ذكر اسم والد أوباما المسلم، بانه من مواليد كينيا وليس الولايات المتحدة. ويدعي ترامب أن الدولة العميقة هي التي زورت الانتخابات الرئاسية في سنة الفين وعشرين، ولا يبالي بتفنيد نظريات المؤامرة التي يؤمن بها بعض أنصاره الذين يدّعون بوجود منظمة سرية من عبدة الشيطان ومن مغتصبي الأطفال تدير البلاد.
ويشعر ترامب بإحباط كبير لأن وسائل الإعلام الأميركية وقاعدته الشعبية وبعض أعضاء حزبه في الكونغرس بدلا من أن يتحدثوا عن إنجازاته بعد مرور ستة أشهر على وجوده في البيت الأبيض يتحدثون عن علاقته بجيفري أبستين.
هذا الإحباط يفسر إهاناته لأنصاره ووصفهم بالغباء والضعف لانهم يرفضون تصديقه.
ترامب الذي وصل إلى البيت الأبيض لأسباب عديدة من بينها استغلاله لنظريات المؤامرة، يجد نفسه الآن يواجه شبح هذه النظريات التي يمكن أن تدمر للمرة الأولى الجسور التي تربطه بقاعدته الشعبية.