لا انهيارَ في مصر ولا تعافي... حين تروّج السلطة انتعاشاً وهميّاً
عربي
منذ أسبوع
مشاركة

تكثف حكومة مصر دعايتها السياسية لإبراز مؤشرات اقتصادية وجوانب محددة لا تعكس بالضرورة أي تحسّن في معيشة المواطنين أو مالية الدولة العامة، ومن ذلك التفاؤل الذي يبديه تكراراً رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي. إلا أن الخبراء والمحللين لديهم رأي آخر. ومنهم الخبير الاقتصادي السياسي غريغوري أفتاندليان الذي تناول في تقرير صادر عن مركز العرب في واشنطن قبل أيام، حول دبلوماسية النظام في إخفاء الأزمة الاقتصادية في مصر، أنّ كثيراً من الناس لا يرغبون في استعادة مشهد الاضطرابات التي شهدتها البلاد بين عامَي 2011 و2013، محذراً من أن الضغط الاجتماعي والاقتصادي قد يولد انفجاراً في أي لحظة، خاصة إذا استمرت السلطة في تجاهل أصوات عامة الشعب.

ويعتقد خبير الاقتصاد السياسي في التقرير الصادر بالإنكليزية أن "سعي القيادة المصرية لاستخدام السياسة الخارجية كأداة للهروب من المشاكل الداخلية، لن يُجدي نفعاً طويلاً"، مشدداً على أن الأزمة الاقتصادية باقية، وتداعياتها تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية للمصريين، بينما تستمر النخبة الحاكمة في إنكار الواقع، أو على الأقل، تؤجل مواجهته. كما يبين التقرير الاقتصادي، أنه رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي ظهرت في الاقتصاد المصري خلال الأشهر الماضية، من زيادة في الاحتياطي النقدي وتحسن الودائع الأجنبية في البنوك، ما زالت جذور الأزمة الاقتصادية العميقة قائمة وتزداد تعقيداً.

وفي هذا الصدد، يقول خبير الاستثمار أحمد خزيم أنّ عدم تصدي الحكومة لأزمة تراكم الديون والتخطيط لمزيد من الاقتراض وبيع الأصول الاستثمارية العامة والحكومية للأجانب، للحصول على السيولة بالنقد الأجنبي، لن ينهي الأزمات التي تعانيها الدولة والمجتمع، لأن حلها لا يتوقف عند الحلول المالية التي تتبعها، بل تحتاج إلى تغيير شامل، ووضع سياسات جديدة تضمن إعادة هيكلة الاقتصاد، ليكون باعثاً للتنمية، وليس مجرد ضبط للأرقام التي تظهر بيانات جيدة عن أوضاع المصريين، غير مطابقة لأرض الواقع. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، يؤكد خزيم أن استمرار الأزمات الاقتصادية يعرض الطبقة الوسطى لضغوط هائلة بسبب تآكل الأجور وتراجع القوة الشرائية بفعل تدهور الجنيه، الذي بلغ 49 جنيهاً للدولار مقارنة بـ16 جنيهاً في 2022، مع تزايد معدلات التضخم الناتج عن غلاء السلع والخدمات محلياً، بالتوازي مع الارتفاعات الهائلة التي تحدث بسبب التطورات الجيوسياسية بالمنطقة وأنحاء العالم.

وتناول تقرير المركز أزمة المحروقات والكهرباء، مشيراً إلى أنه بعد أن كانت مصر تأمل بتحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز الطبيعي وتصديره، تراجعت الأحلام بفعل انخفاض إنتاج حقل "ظهر" وارتفاع الاستهلاك المحلي، وزاد الأمر سوءاً بعد توقف الإمدادات الإسرائيلية من حقل "ليفياثان" في يونيو/حزيران 2025، خلال المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، ما أجبر مصر على اللجوء إلى الديزل لتوليد الكهرباء، وفرض تقنين على الاستهلاك، ما انعكس سلباً على المصانع والمنازل.

ووفقاً للخبير المصري علي متولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإن الحل المؤقت باللجوء إلى الغاز المسال المستورد مكلف للغاية، ويجب على مصر أن تستثمر في إنتاجها المحلي لتفادي أزمة كهرباء جديدة. وحول ارتفاع تكلفة واردات القمح بين أنه، مع اقتراب عدد السكان من 110 ملايين نسمة، لا تزال مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، حيث يُتوقع أن تستورد 13 مليون طن خلال العام المالي 2025 /2026، بما يعادل المستوى نفسه للعام السابق، وبرغم محاولات رفع الإنتاج المحلي لا تتجاوز الزيادة المتوقعة في التوريد المحلي المستمر حتى نهاية أغسطس/آب المقبل، 1%، بما يجعل الاعتماد على الاستيراد أمراً حتمياً، ويشكل استنزافاً مستمراً للعملة الصعبة، خصوصاً في ظل استمرار دعم الخبز لنحو 70% من السكان، وعدم تقليصه في محاولة من النظام لتفادي أي اضطرابات اجتماعية، وإن أدى ذلك إلى التصدي للضغوط المتواصلة من صندوق النقد لتقليص الدعم.

تعددت الحكومات والنهج واحد

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس أن سير الحكومة على النهج نفسه في إدارة الاقتصاد، سيأتي بالنتائج نفسها التي تظهر في شكل موجات تضخمية وضغوط على العملة المحلية التي تدفع دوماً إلى تعويم الجنيه، لخفض قيمته في مقابل العملات الأجنبية، والحصول على قروض أجنبية لسد العجز بين الصادرات والواردات، لندور في الفلك نفسه الذي بدأ تنفيذه منذ عام 2016، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن الخروج من تلك الحالة تستدعي التوجه نحو إحداث تنمية حقيقية، تركز على التصنيع الزراعي والصناعي وتحسين مخرجات التعليم، بما يمكن الدولة من الاعتماد على الذات صناعياً وامتلاك الوسائل التكنولوجية التي تغنيها عن استيراد المنتجات تامة الصنع والاستدانة من أجل تدبير الواردات.

يعتبر التقرير تركيز النظام المصري في حديثه عن الأزمات السياسية المحيطة بالمنطقة، هي محاولة لصرف الأنظار عن الوضع الاقتصادي، حيث كثّف النظام تحركاته في ملف غزة، محاولاً تقديم نفسه وسيطاً إنسانياً يدعم القضية الفلسطينية، وتبنّى خطاباً منتقداً للولايات المتحدة، خاصة بعد اقتراح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإعادة توطين فلسطينيي غزة في دول مجاورة، من بينها مصر، لإدراكه أن اللعب على وتر الوطنية ورفض التوطين قد يعزز من شعبيته المتآكلة داخلياً، مشدداً على أن هذه الاستراتيجية لها حدود واضحة، فإذا انتهت حرب غزة من دون تهجير للفلسطينيين، وبدأت أموال الخليج بإعادة إعمار القطاع، فإن الأنظار ستعود مجدداً إلى مشكلات الداخل، ومعها تتجدد التساؤلات حول جدوى استمرار النظام الحالي.

يُرجع الخبير الاقتصادي ومحرر التقرير غريغوري أفتاندليان تردد النظام في بيع أصول الجيش إلى دوافع سياسية تتعلق بالحفاظ على دعم المؤسسة العسكرية، التي تُعد الضامن الأول لبقائه وأن الرئيس القادم من خلفية عسكرية يُدرك جيداً أن إضعاف نفوذ الجيش الاقتصادي قد يؤدي إلى تصدع الولاء داخل المؤسسة، وهو ما يسعى لتجنبه بأي ثمن.

وبينما يسعى النظام إلى لفت أنظار الرأي العام نحو السياسة الخارجية وقضايا الأمن القومي، بوصفه وسيلةً لصرف الأنظار عن الإخفاقات الداخلية، تبقى تكلفة المعيشة المرتفعة، وتضخم الدين العام، وتدهور موارد النقد الأجنبي، عناوين بارزة لأزمة اقتصادية مزمنة. يظهر التقرير تراجع معدل التضخم السنوي إلى 14.9%، في يونيو/حزيران 2025، بعد أن بلغ ذروته عند 38% في سبتمبر/أيلول 2023، فيما اعتبره البعض انفراجاً مؤقتاً للأسر المصرية التي تعاني أزمة غلاء خانقة، كما سجلت أسعار المستهلكين الحضرية انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.1% في يونيو مقارنة بارتفاع 1.9% في مايو/أيار، وقد ساعد استقرار سعر صرف الجنيه، إلى جانب توقعات بنمو اقتصادي بنسبة 4.2% للعام المالي 2025، في إعطاء انطباع بتحسن نسبي، رغم أن الجنيه فقد أكثر من ثلثي قيمته مقابل الدولار منذ التعويم الثاني للجنيه الذي جرى في مارس 2022.

اقتصاد مصر والتمويل الخارجي

بين التقرير أنه من ناحية التمويل الخارجي، قد حصلت مصر على قرض جديد بقيمة ثمانية مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في مارس 2024، إلى جانب استثمارات خليجية ضخمة، أبرزها التدفقات من دولة الإمارات العربية، بقيمة 35 مليار دولار، معظمها لمشروع سياحي في رأس الحكمة على الساحل الشمالي، كما شهدت السياحة وتحويلات العاملين في الخارج تحسناً نسبياً، مما ساهم في تخفيف الضغوط على سيولة البنوك التجارية وإعادة تنشيط الإقراض، خصوصاً للقطاع الصناعي والخدمي.

كذلك أشار التقرير إلى ثلاث أزمات هيكلية رئيسية متفاقمة، تعصف بالاقتصاد، تعلق بانهيار إيرادات قناة السويس وأزمة الغاز الطبيعي والكهرباء زيادة تكلفة وارادات القمح. ينبّه التقرير إلى أنه منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، تحولت قناة السويس من مصدر موثوق للعملة الصعبة إلى نقطة ضعف اقتصادية، فالهجمات التي شنّها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر، ولا سيما تلك المرتبطة بإسرائيل، أدت إلى تغيير مسارات التجارة العالمية بعيداً عن القناة، بما سبَّب انخفاضَ إيراداتها بنسبة 60%، بحسب تصريحات الرئيس السيسي عام 2024، الذي ذكر أن القناة التي كانت تحقق 9.4 مليارات دولار سنوياً، لم يعد بالإمكان الاعتماد عليها مصدراً أساسياً للعملة الصعبة، رغم محاولات تعويض الخسائر عبر توسيع خدمات إصلاح السفن. في هذا الصدد كشف البنك المركزي في بيان رسمي الخميس الماضي، عن تراجع إيرادات القناة بنحو 54.1% على أساس سنوي إلى 2.6 مليار دولار، في أول تسعة أشهر من العام المالي المنتهي في يونيو الماضي 2024-2025.

ويقدر التقرير ديون مصر الخارجية بنحو 153 مليار دولار منتصف عام 2024، بما يعادل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، التي تُكلف الدولة نحو 65% من إجمالي نفقاتها السنوية لسداد فوائدها وأقساطها، ملمحاً إلى مواصلة النظام التوسع في الإنفاق على مشاريع كبرى ذات طابع استعراضي، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التي تُقدّر كلفتها بـ 58 مليار دولار، في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وبدلاً من إعادة توجيه الموارد إلى الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، يعتمد النظام على مزيد من الديون والاستدانة والتقشف بالاستثمارات الإنتاجية.

المحظور في الخصخصة وتعزيز دور الجيش

يشير تقرير المركز العربي في واشنطن إلى خطورة المعادلة المحظور التحدث بشأنها بين دور الجيش في إدارة الاقتصاد ومنح القطاع الخاص دوراً أوسع في إدارة الاقتصاد، مذكراً بامتناع صندوق النقد في مراجعته الأخيرة للاقتصاد المصري، الصادرة في يوليو 2025، وتوجيه الصندوق انتقاداً غير مباشر لتضخم دور الجيش في الاقتصاد، وتأكيده أن المؤسسة العسكرية تمتلك 97 شركة، منها 73 في القطاع الصناعي، وتستحوذ على نسب كبيرة من أسواق الرخام والإسمنت والصلب، وأنه رغم تعهدات الحكومة بخصخصة هذه الشركات، إلا أن أياً منها لم يُعرض للبيع، وهو ما اعتبره الصندوق عائقاً أمام جذب الاستثمارات الخاصة، بسبب الامتيازات الواسعة التي تتمتع بها هذه الكيانات.

ويذكر التقرير أنه فيما جرت خصخصة عدد من الشركات المدنية خلال عام 2023، تعثر مشروع الطروحات الحكومية في 2024، خصوصاً في ما يخص الهيئة العامة للبترول، التي تعاني عجزاً يراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار، ولا تزال تعتمد على دعم حكومي للبقاء في ممارسة نشاطها دون الديون من البنوك المحلية والدولية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية