من الراعي إلى الضحية: صالح كما ترويه “العربية”
أهلي
منذ 9 ساعات
مشاركة

 

بثّت قناة “العربية” مساء السبت، فيلما وثائقيا بعنوان “علي عبدالله صالح: المعركة الأخيرة”، بدت فيه رواية مقتل الرئيس السابق جزءا من سردية أكبر، تتجاوز التوثيق إلى إعادة كتابة التاريخ من زاوية جديدة.

قدّم الفيلم صالح بصفته الراعي الأول لجماعة الحوثي، وليس خصمهم العنيد كما تظهره أدبيات حزب المؤتمر، ولم يكتفِ بإدانة التحالف المتأخر الذي أبرمه صالح مع الحوثيين عام 2014، بل يذهب إلى مسؤولية تحمّيله مسؤولية نشأت الجماعة في طورها الأول في ثمانينيات القرن الماضي.

 

من الراعي إلى الضحية

 

اعتمد الفيلم بنية خطية تقليدية في عرض الأحداث، من تأسيس جماعة الحوثي إلى مقتله في ديسمبر 2017، لكنه لم يكن محايدا، حيث قدّم صالح بوصفه المهندس الخفي لنشأة الحوثيين، مدفوعا برغبته في إضعاف خصومه السياسيين، وتحديدا حزب الإصلاح.

تبدو الرسالة إشارة إلى “الخطيئة الأولى” لصالح، وهي تحويل جماعة مذهبية صغيرة إلى كيان مسلح فاعل، لمجرد تصفية الحسابات وكأن الوثائقي يقول: “لقد صنع وحشا، ثم افترسه الوحش”.

وضع الفيلم ما أسماها الآثار الخطيرة لحرب صالح مع الحوثيين في صعدة في سياق الأساس الذي انعكس سلبا على حكمه بما في ذلك ثورة فبراير 2011، وحينها بدا صالح كمن خسر كل أوراقه دفعة واحدة، إذ تنازل عن السلطة، واحتفظ بشبكة نفوذ ومؤسسات لا تزال موالية له.

 

تجاهل المبادرة الخليجية

 

رغم أن الفيلم اعتمد على الترتيب الزمني للأحداث، إلا أنه، عند الوصول إلى 2011، قفز بسرعة إلى مشهد “المظاهرات التي طالبت بتنحي صالح”، دون أن يأتي على ذكر المبادرة الخليجية التي رعتها دول الخليج (باستثناء قطر التي انسحبت منها لاحقا) والتي كانت الأساس في انتقال السلطة ومنح الحصانة لصالح التي يرى البعض أن هذه الحصانة هي ما شجّعته على التحالف مع الحوثيين، لأنه شعر بالأمان من أي ملاحقة قانونية أو سياسية.

 

على ما يبدو أراد الفيلم توجيه المسؤولية عن الانهيار اليمني بعيدا عن اللاعبين الإقليميين الذين صاغوا تلك المرحلة، نحو صالح نفسه، الذي اختار التحالف مع الحوثيين، فقاد البلاد إلى الانفجار.

 

الضرورة أم الانتقام؟

وثّق الفيلم بوضوح كيف تطوّر التحالف بين صالح والحوثيين، تدريجيا حيث منحهم غطاءً سياسيا، ومهّد لهم الطريق إلى صنعاء عبر شبكة مشايخ وضباط من الحرس الجمهوري الموالي له لتصفية الحساب مع خصومه الذين ثاروا ضده: علي محسن الأحمر، والإصلاح، وأبناء الشيخ الأحمر.

في هذا السياق، يخرج مدين صالح لأول مرة في مقابلة مصورة، ليقدم مرافعة دفاع عن والده:”التحالف مع الحوثيين كان أمرًا واقعًا بعد سيطرتهم، وكان لابد من التكيف مع الوضع، لا سيما بعد أن دمّر هادي الجيش، وسرّح الآلاف من أفراد الحرس الجمهوري”.

هكذا حاول مدين نقل المسؤولية من كاهل والده إلى خصمه السياسي عبدربه منصور هادي، متهما إياه بفتح الطريق أمام الحوثيين.

 

حين ينقلب الابن على الرواية

 

أكثر اللحظات صدمة في الفيلم جاءت في القسم الأخير، حيث كشف مدين صالح عن سردية مغايرة كليا لمقتل والده.

فبعكس الرواية المتداولة طوال سبع سنوات، والتي تفيد بأن صالح قُتل داخل منزله في الثنية بعد قتال بطولي، يقول مدين إن والده غادر المنزل باتجاه مسقط رأسه سنحان، وهناك وقع في كمين حوثي في قرية بيت الجحشي.

هذه الرواية تُضعف السردية البطولية التقليدية، لكنها لا تنفي عن صالح شجاعته، بل تُظهره كمن حاول النجاة لا الفرار، في ظل انعدام التكافؤ في القوة وغياب أي أمل بالنجاة في موقعه داخل صنعاء. لكن الخطير فيها أنها تتناقض كليا مع ما صرّح به سابقًا طارق صالح، ابن شقيق الرئيس، الذي قال إنه كان معه حتى اللحظة الأخيرة في المنزل. مدين، في المقابل، لم يذكر طارق من قريب أو بعيد، مما يفتح بابا عريضا للتساؤلات: هل كان طارق في مكان آخر؟ هل غادر مبكرا؟ هذا الغموض يطرح أسئلة حساسة حول حقيقة ما جرى، ويعيد إنتاج الشكوك حول صدقية بعض روايات من ناصروا صالح بعد مقتله. وقد تكون رسالة سياسية لطارق مدفوعة بغضب إقليمي في ظل تنافس الحليفين المؤثرين في اليمن.

رواية مدين لم تكتف بإعادة طرح تساؤلات حول لحظة اغتيال والده، بل أثارت الشكوك أيضا حول مصير عارف الزوكا، الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام.

فبينما تقول الرواية المتداولة إن الزوكا أُسر داخل منزل صالح، وأُعدم في المستشفى، يؤكد مدين أنه كان مع والده في الرحلة إلى سنحان، مما يفتح الباب مجددا أمام ملف أُغلق لسنوات، ويُعيد الشكوك بشأن صحة الرواية الرسمية.

هل أراد الفيلم إسقاط أسطورة صالح كـ”رئيس مقاتل حتى اللحظة الأخيرة”؟ ربما.

لكن الأكيد أن وثائقي “المعركة الأخيرة” لم يكن مجرد عرض لتفاصيل النهاية، بل إعادة تشكيل لصورة الرجل بأكملها، من ولادته السياسية إلى سقوطه المدوّي.

ولعلّ أخطر ما في الفيلم ليس ما قاله، بل من قاله؛ أن تأتي رواية جديدة من نجل الرئيس نفسه، فتلك ليست مجرد شهادة، بل سردية بديلة تملك شرعية الدم، وتطرح سؤالا بديهيا: من يملك الحقيقة؟ وهل نشهد بداية تفكيك أسطورة صالح من داخل عائلته؟

The post من الراعي إلى الضحية: صالح كما ترويه “العربية” appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية