اللصوص والعصابات... سلاح الاحتلال لمفاقمة مأساة سكّان غزة
عربي
منذ 7 ساعات
مشاركة

لم تعد الحرب على قطاع غزة مجرد طائرات تقصف أو منازل تنهار، ولا تجويعاً متعمداً، بل حالة دائمة من الانهيار في كل شيء، أبرزها غياب الأمن، وهو ما تسبّب بخلق حالة ممنهجة ومقصودة من الفوضى والفلتان الأمني الذي أفقد الفلسطينيين أي شعور بالأمان. ومع دخول الحرب شهرها الثاني والعشرين، لم يقتصر الاستهداف الإسرائيلي على المدنيين والمباني، بل طاول منظومة الأمن، ما تسبّب في خلق فراغ أمني كارثي، زاد من معاناة الناس، وأطلق العنان للفوضى والتخريب.

ومنذ الأيام الأولى للحرب، كان واضحاً أن الاحتلال يسعى لتفكيك أي قدرة داخلية على التنظيم أو الحماية، ما دفعه إلى استهداف عناصر الشرطة أو أي مجموعات لضبط الأمن أو لتأمين المساعدات وحماية المواطنين من بطش اللصوص وقطاع الطرق، ما أدى إلى زعزعة شعور المواطنين بالأمن وترك الأحياء والأسواق بلا أي مظلة حماية.

لم تعد المساعدات الشحيحة تصل لمن يستحقها، بل تُنهب في الطريق أو تُباع في السوق السوداء بأسعار باهظة

وإلى جانب الشرطة، برزت مجموعات شبابية ومجتمعية كانت تسعى لتأمين قوافل المساعدات أو تنظيم توزيع الخبز والمياه، إلا أن كثيراً من هذه المبادرات استُهدِفَت هي الأخرى، وقد سُجلت اعتداءات مباشرة على نقاط توزيع الطعام، وسُرقت سيارات تقل مساعدات غذائية في أثناء مرورها من مناطق نائية بلا حماية، ما تسبّب في تراجع وصول الغذاء والدواء للناس، وزاد من مشاهد الفوضى والجوع.

تفاقم الجرائم في غزة

وفتح غياب الأمن الباب واسعاً أمام ظواهر خطيرة، أبرزها السرقة والسطو، وقد سُجلت حوادث اقتحام لمخازن إغاثية، وسرقات طعام من شاحنات قبل تفريغ حمولتها. حتى منازل وخيام النازحين لم تسلم، إذ أفاد كثيرون بتعرض ممتلكاتهم للنهب في أثناء غيابهم أو نزوحهم إلى مناطق "أكثر أمناً".

وتسبّب الانهيار الأمني، إلى جانب الإغلاق المتواصل للمعابر ومنع دخول المواد الغذائية والإمدادات الأساسية، في تعميق مأساة المجاعة التي باتت تفتك بالغزيين، وبات الخوف لا يقتصر على القصف فقط، بل امتد إلى الخوف من الجار المجهول، والمارّ في الليل. ولم تعد المساعدات الشحيحة تصل إلى من يستحقها، بل تُنهب في الطريق أو تُباع في السوق السوداء بأسعار باهظة، في الوقت الذي لا تجرؤ فيه الكثير من العائلات على الذهاب إلى نقاط التوزيع في غزة التي يطلق عليها الفلسطينيون "مصائد الموت"، خشية التعرض للخطر من الجانب الإسرائيلي أو السرقة من اللصوص والمشبوهين.

يقول الفلسطيني خالد البرنية (59 عاماً)، من حيّ الزيتون جنوبي مدينة غزة، إن الخوف لم يعد يقتصر على القصف والطائرات الحربية التي تحوم طوال الوقت في سماء غزة، بل انتقل إلى الخوف من اللصوص وقطاع الطرق. ويوضح البرنية لـ"العربي الجديد" أن انتشار ظاهرة سرقة شاحنات المساعدات، واستيلاء قطاع الطرق على الممتلكات الشخصية والطعام الخاص بالمواطنين، باتا يزيدان من حدة الكارثية التي يعاني منها أهالي قطاع غزة جراء العدوان المتواصل وتأثيراته المأساوية. ووفق البرنية، حالة الفوضى والارتباك التي يعيشها الناس هي من هندسة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يدرك جيداً خطورة زعزعة شعور الناس بالأمان خلال الحرب، مضيفاً: "يجب علينا جميعاً رفض أي مشهد خارج عن قيمنا وأصالتنا، ونبذ اللصوص الذين يخدمون أجندات الاحتلال".

من جهته، يشير المتطوع في فريق إغاثي محلي، يوسف أبو زيد (27 عاماً) إلى أنه لم يعد يشعر بالأمان خلال سيره في الشارع، أو خلال توزيع بعض المساعدات البسيطة على الأسر الفقيرة في مخيمات النزوح، بفعل الزيادة الملحوظة في نسبة السرقة والسطو نتيجة غياب الأمن. ويبيّن أبو زيد لـ"العربي الجديد" أن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لمجموعات التأمين الخاصة بحماية الشاحنات من العبث والسرقة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى على مدار الوقت لبث الفوضى في عموم القطاع، في الوقت الذي يستهدف فيه مباشرةً عناصر الشرطة أو أي مبادرات للحماية والتنظيم.

ويلفت أبو زيد إلى أن تلك الممارسات تتسبّب في زيادة حدة الجوع، نظراً لعدم وصول الإمدادات الأساسية إلى المجوّعين في غزة، الأمر الذي يعمّق الأزمة، المتزامنة مع نفاد المواد الغذائية والأساسية، وارتفاع أسعار الكميات الشحيحة في السوق السوداء إلى مستويات غير مسبوقة لا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع.

هالة السالمي: الاحتلال استهدف مجموعات التأمين التي تحاول حماية قوت الأهالي من اللصوص

وفي الإطار، تقول النازحة من حيّ الشجاعية هالة السالمي (37 عاماً) إنها تشعر بالخوف على أسرتها وأطفالها خلال الوقوف في طابور التكية، وعلى زوجها خلال محاولته توفير قوت أسرته، بسبب سماعها الكثير من قصص السلب والنهب والسطو. وتبيّن السالمي لـ"العربي الجديد" أن هذه الظواهر غريبة عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث عززها الاحتلال من خلال استهداف مجموعات التأمين التي تحاول حماية قوت الأهالي من اللصوص. وتقول: "الكثير من هؤلاء اللصوص كانوا داخل السجن، إلا أن الحرب واستهداف مراكز الشرطة ساهما في فرارهم". وتضيف: "أعيش مع أسرتي داخل مدرسة نزوح فيها أكثر من 300 شخص، وكل ليلة نسمع عن سرقة أو مشكلة بسبب غياب الأمن، إلى جانب سرقة المساعدات والشاحنات وقطع الطريق عليها، وهو ما تسبّب بتدهور أوضاعنا المعيشية، فنحن لا يصل إلينا أي شيء من المساعدات التي نسمع عنها".

انعدام الشعور بالأمان

وفي هذا الجو المشحون، ينعدم الشعور بالأمان تماماً، فلا مكان آمن، سواء بفعل القصف أو السرقة، ولا شارع خالٍ من التهديد، ولا منظومة أمنية قادرة على حماية الناس في الليل أو النهار بفعل الاستهداف الإسرائيلي المتواصل، وهو ما بات يصيب المواطنين بحالة متواصلة من الخوف وعدم الاستقرار.

رائد نجم: أبرز البدائل المطروحة عند الاحتلال، سيناريو الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار التي تفقد أي جهة القدرة على إدارة الأمور

ويبيّن الكاتب والمحلل السياسي رائد نجم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال بحث في كثير من البدائل في التعامل مع غزة، منها إلحاق الهزيمة العسكرية بالقطاع، التي لم تتحقق حتى الآن بالمعنى المطلق عبر تحقيق أهداف الحرب المعلنة، ما دفعه إلى إيجاد البدائل، وأحد أبرز هذه البدائل المطروحة، سيناريو الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار التي تفقد أي جهة السيطرة على إدارة الأمور. ويوضح نجم أن الاحتلال عمد إلى مجموعة من السياسات، ومنها سحب توزيع المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية، وإيداعها لدى شركة أميركية أُنشئت خصيصاً لتوزيع المساعدات، لكنها ليست مساعدات عادية، بل أداة لإشاعة الفوضى والإمعان في تعميق المجاعة، حيث تحوّلت مراكز التوزيع إلى مصائد للموت والقتل.

ويشير نجم إلى أن الاحتلال يتذرع بمحاولة نزع المساعدات من حركة حماس عبر تشكيل مجموعات تابعة له وتحت حمايته، على غرار جيش أنطوان لحد في جنوب لبنان، بهدف حرمان غزة العودة إلى الحالة الوطنية والحقوق السياسية، وتحويل قطاع غزة إلى مسألة إدارة أمنية واقتصادية دون أي حقوق سياسية، مع مجموعة من المليشيات التي تأتمر بأمره. ويضيف أن الاحتلال يمعن في خلق حالة الفوضى، إذ يتعمّد اختيار مسار شاحنات المساعدات التي سمح بإدخالها أخيراً تحت الضغط الدولي، ونشر هذه المسارات، وتمكين اللصوص من السيطرة عليها وسرقتها، وهو ما عرقل وصولها إلى المحتاجين والمستحقين، وخلق مجموعة من المستفيدين تجارياً من هذا الوضع العشوائي، الذي ساهم في تعزيز حالة الفوضى.

ويشدد على أن السياسات الإسرائيلية الرامية إلى نشر الفوضى وتعميق حالة التجويع، تعيد السكان الفلسطينيين إلى الغريزة البدائية الأولى، وهي غريزة البقاء، التي تفقدهم التجانس والتضامن وحالة الوحدة التي اعتادها الشعب الفلسطيني طوال مشواره النضالي من أجل نيل حقوقه.

 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية