هولندا تجرّم مساعدة المهاجرين السريّين
عربي
منذ أسبوع
مشاركة

اختارت هولندا، دولة القنوات المائية وطواحين الهواء، أن تكون أكثر قسوة مع المهاجرين السريين، إلى درجة تجريم من يقدم لهم المساعدة.

في جلسةٍ صودف أنها ضمّت عرباً من جنسيات لبنانية وأردنية وليبية وموريتانية وأخرى أوروبية، توجّه رجل هولندي إلى لبنانية أُرجئت رحلتها إلى هولندا خمس مرات بسبب إلغاء العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى لبنان على خلفية الحرب الإسرائيلية الإيرانية، بالقول إنّنا نواجه تحدياتٍ مشتركة.

هذا الكلام "البريء" أخرج إلى السطح الكثير من الصدمات النفسية لدى لبنانية خرجت قبل فترة قصيرة من عدوان إسرائيلي لا يزال مستمراً بصيغة مختلفة، عدا عن لائحة أزمات يطول ذكرها. وسارع الرجل إلى الحديث عن أمرين، الأول عدم قدرة الشباب في هولندا على امتلاك منازل، وتجريم كل من يساعد مهاجر سري.

وقضيّة التجريم هذه بدا كأنّها وضعته في مواجهة مع إنسانيته التي تهدّدها قوانين بلاده، ففي مدينة مثل هارلم الواقعة في مقاطعة شمال هولندا، حيث يعيش نحو 162 ألفاً، يمكن أن تُصادف عرباً وأفارقة باستمرار.

في الثالث من يوليو/ تموز الجاري، أقرّ البرلمان الهولندي مشروع قانون مثير للجدل، يهدف إلى تشديد القيود على طالبي اللجوء. وينصّ التشريع على تقليص مدة تصاريح الإقامة المؤقتة لطالبي اللجوء من خمس سنوات إلى ثلاث، ووقف إصدار تصاريح اللجوء الجديدة لأجل غير مسمى، وفرض قيود جديدة على لمّ شمل الأسر بالنسبة للاجئين المعترف بهم، علماً أن مشروع القانون قد يرفض في مجلس الشيوخ بعد انتهاء عطلة الصيف. ليُعاد طرحه على مجلس النواب لإجراء تعديلات.

وكان العمل على كبح الهجرة أولوية في سياسة الائتلاف الحكومي المكون من أربعة أحزاب بقيادة حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، علماً أن الائتلاف انهار الشهر الماضي بعد 11 شهراً فقط من توليه السلطة، ومن المتوقع أن تكون الهجرة قضية رئيسية قبل الانتخابات المبكرة في 29 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

انسحب فيلدرز من الائتلاف قائلاً إن اتخاذ إجراءات لكبح الهجرة يستغرق وقتاً طويلاً، فيما رفض شركاؤه في الائتلاف هذه الانتقادات. في المقابل، سحب الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض دعمه التشريع الذي طُرح للتصويت احتجاجاً على تعديل متأخر يُجرّم الأشخاص المقيمين في هولندا من دون تأشيرة سارية أو قرار لجوء، كما يُجرّم الأشخاص والمنظمات التي تساعد هؤلاء المهاجرين.

في هذا الإطار، قال العديد من المشرّعين الهولنديين والخبراء القانونيين والمنظمات الإنسانية إن تجريم تقديم المساعدة للمهاجرين قد يُجرّم حتى أبسط أعمال الرحمة، مثل تقديم الطعام أو المأوى أو المشورة القانونية. وينبع القلق من صياغة القانون الغامضة والفضفاضة، التي لا تُعرّف بوضوح ما تشمله عبارة "مساعدة". وفي حال إقرار التشريع، قد يُواجه أي شخص يُقدّم المساعدة لمهاجر عقوبة السجن، وبالتالي قد تُشن حملات قمع على ملاجئ المشردين ومطابخ الطعام الخيرية.

وأدانت المنظمات العاملة مع المهاجرين التشريع. وقالت منظمة "فلوشتيلينجن فيرك"، التي تساعد اللاجئين المقيمين في هولندا، في بيان، إن مشروع القانون "يضر بالمجتمع ككل"، ودعت مجلس الشيوخ إلى رفضه.

وحذّرت الشرطة الهولندية بدورها من أنه سيُقوّض السلامة العامة، ويدفع الأفراد غير النظاميين إلى الاختفاء، أو يردعهم عن الإبلاغ عن الجرائم أو طلب الحماية.
وتقدّر منظمة الصليب الأحمر الهولندية أن ما بين 23 ألفاً و58 ألف شخص يعيشون حالياً في هولندا في وضع غير قانوني.

ويفيد المعهد الهولندي للبحوث الاجتماعية (SCP)، بأن العديد من الهولنديين ينظرون إلى طالبي اللجوء والعمال الأجانب نظرة أكثر شمولية بالمقارنة مع النقاش السياسي. ويرى ثلث الهولنديين أن على بلادهم إغلاق حدودها أمام طالبي اللجوء، فيما يقول واحد من كل عشرة إن على البلاد استقبال المزيد منهم.

في غضون ذلك، يرى 58% أن على هولندا التزاماً أخلاقياً بقبول "اللاجئين الحقيقيين" الفارين من الحرب أو العنف. وفي ما يتعلق بالعمالة المهاجرة، يُدرك معظم الناس أن هولندا لا تستطيع الاستغناء عن القوى العاملة الأجنبية، والتي غالباً ما تتولى وظائف لا يرغب السكان المحليون في القيام بها.

ما تفعله هولندا هو جزء من اتجاه أوروبي أوسع نطاقاً نحو تشديد قوانين الهجرة، وإن كانت قد ذهبت أبعد من خلال تجريم المساعدات للمهاجرين غير المسجلين.

يعيش أحمد (اسم مستعار)، في العاصمة الهولندية أمستردام، وهو لاجئ سوري قدم إلى هولندا مؤخراً عبر البحر، بعدما أمضى أكثر من عشر سنوات في تركيا من دون الحصول على بطاقة الحماية "كيملك" ما أجبره على المغادرة. ربما ليس معنياً بالتشريع الجديد كون أوراقه قانونية، لكنه جزء من تركيبة مجتمعية تواجه ضغوطاً، إلى حين حصولها على الجنسية الهولندية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية