آخر ما كتبه ماريو بارغاس يوسا
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

في ما يشبه الوصية الأدبية، يكتب الروائي البيروفي الحائز  نوبل، ماريو بارغاس يوسا، مقدمة لرواية "لغز ستراديفاريوس الأخير" للكاتب الأرجنتيني أليخاندرو غييرمو رويميرس، نُشرت مؤخراً في صحيفة إل باييس الإسبانية. غير أنّ ما كتبه لا يمكن اعتباره مجرد تقديم لرواية زميل، بل هو تأمّل حميمي في معنى الأدب، والكتابة، والخيال، وفي المصير الشخصي لكاتب أفنى عمره في خدمة الرواية، فضلاً عن كونه آخر ما خطّه الكاتب البيروفي قبل رحيله عن عالمنا.

منذ سطورها الأولى، تبدو المقدمة أقرب إلى وصية أدبية مكتوبة بنبرة الهدوء الذي يسبق الانطفاء، وتكشف أن من يكتب لم يعد جزءاً من الحياة الأدبية فحسب، بل يقف عند حافتها، مستشرفاً نهاياتها. يقول يوسا في مستهل تأمله إن الرواية، خلافاً للشعر، ليست فناً يسعى إلى الكمال، بل هي فن يحتمل النقص، ويغتني به. إنّها "شكل أدبي واسع يحتضن الحياة بما فيها من تناقضات، وتفاصيل، ومصادفات، وما من شيء إنساني يمكن اعتباره غريباً عن الرواية. هي الفضاء الذي نمارس فيه حقنا في الفوضى، والضعف، والتعقيد".

تدور أحداث الرواية التي يقدّمها يوسا في زمنين: حبكة بوليسية معاصرة تجري وقائعها في باراغواي، وسرد زمني آخر يدور حول مصير كمان من نوع ستراديفاريوس، الذي ينتقل من يد إلى أخرى عبر قرون، ويحمل معه صدى الأزمنة والشخصيات التي مرّ بها. يشير يوسا إلى أنَّ الكمان في الرواية لا يؤدي دوراً تقنياً في الحبكة فحسب، بل يتحوّل إلى "رمز حيّ للذاكرة"، كما يصفه، وإلى استعارة للمصير الإنساني الذي لا يتوقف عن التنقل بين الحروب والحب، بين الصوت والصمت، بين الحياة والموت.

لا يُخفي صاحب "حفلة التيس" إعجابه بطريقة رويميرس في المزج بين الواقعي والميتافيزيقي، بين التاريخي والوجداني، إذ يرى أن الرواية لا تكتفي بنقل القارئ إلى أماكن بعيدة، بل تعيد خلق العالم وفق إيقاعٍ آخر، أقل عنفاً، وأكثر انسجاماً. يكتب في أحد المقاطع: "الرواية الجيدة لا تصف الواقع، بل تقترح إمكانية لوجوده بشكل آخر".

أهمية أن نستمر في سرد الحكايات حتى ونحن نقترب من نهاياتنا

يذهب التأمل في الأدب في هذه المقدمة إلى حدود الذات. فماريو بارغاس يوسا، الذي أمضى عقوداً في الكتابة عن الانقلابات والأزمات السياسية في أميركا اللاتينية، يعود اليوم ليذكّر بأن الأدب ليس وسيلة لفهم الآخرين فقط، بل طريقة لمعرفة الذات. يتأمل في مرور الزمن، في قدرة الخيال على مقاومة النسيان، وفي أهمية أن نستمر في سرد الحكايات حتى ونحن نقترب من نهاياتنا. فالكتابة، في رأيه، ليست مجرد مهنة، بل شكل من أشكال المقاومة. في جزء بارز من المقدمة، يكتب: "الرواية تدريب على الحرية. إنها تضعنا في مواجهة المصائر التي لم نعشها، والقرارات التي لم نتخذها، لكنها تظل جزءاً منّا".

ليست المقدمة نصاً نقدياً تقليدياً، بل قطعة أدبية بحد ذاتها، تعلن تقاعده عن الكتابة، أو على الأقل، صمته النهائي. هي تذكير مؤلم بأن عصراً أدبياً طويلاً شارف على نهايته، وأنّ الذين شيّدوا جسور الخيال بين القارئ والعالم، باتوا يغادرون الواحد تلو الآخر. لكنها أيضاً تذكير بما يجعل الرواية باقية: أنها لا ترتبط بأسماء الكتّاب، بل بقدرة الإنسان على الحلم.

 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية