
غيّرت معركة السويداء اتجاه الأحداث في سورية، وبات على صاحب القرار أن يأخذ دروسها ونتائجها بعين الاعتبار، وينسحب الأمر ذاته على الأطراق الإقليمية والدولية، التي تراقب عن كثب التحوّل الجديد في هذا البلد، وموقف إسرائيل، وأطماعها ومشاريعها، والأدوات التي تملكها من أجل فرض شروط وقوانين اللعبة، فالعامل الإسرائيلي أساس في الوضع السوري قبل سقوط نظام بشّار الأسد، لكنّه أخذ اتجاهاً جديداً منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وكي لا تعطي الدولة السورية إسرائيل الذرائع للتدخّل في الشأن الداخلي، عليها أن تعمل على توحيد الصفّ في وجه المشروع الإسرائيلي، الذي بات واضحاً، وهو تحويل الجنوب منطقةً عازلةً، ما يوجب على دمشق أن تُسقط من حسابها الرهان على المفاوضات المباشرة والتطبيع.
ترفض الأغلبية السورية ما قام به حكمت الهجري، الذي استدرج التدخّل الإسرائيلي، ولكنّ الحلّ ليس بإعلان الحرب على محافظة السويداء. هذا خطأ تتحمّل مسؤوليته الدولة التي يجب أن تقيس مواقفها وردّات فعلها، ليس إلى ممارسات أمراء الحرب وشيوخ الطوائف، بل بما يجنّب البلد الهزّات الكبيرة، خصوصاً أنه يعاني من هشاشة، ولديه قدر كبير من المشكلات خلّفها النظام السابق، يحتاج علاجها إلى توحيد المجتمع السوري، وليس تقسيمه بين مكوّنات.
اللافت أن الحكومة السورية لم تكن تملك تقديراً جيّداً للموقف في السويداء، حينما قرّرت التدخّل لفض النزاع بين العشائر، وفصائل المدينة يوم 13 يوليو/ تموز الجاري. لو كانت لديها خلية تفكير مهنية، لكانت حسبت المخاطر المترتبة على إرسال آلاف من قوات الأمن الداخلي والجنود من دون غطاء جوي، إلى منطقة حسّاسة، تمنع إسرائيل على سورية الحركة فيها، ما عرض هؤلاء إلى النيران الإسرائيلية التي حصدت العشرات. حيال هذا الواقع، كان مطلوباً التفكير جيّداً بحظوظ نجاح عملية عسكرية داخل مدينة مدجّجة بالسلاح. هناك خطأ سياسي لجهة التوقيت، لكن الخطأ العسكري أكثر فداحةً، وحتى يهدأ بال الأهالي من المحافظات السورية كافّة، الذين فقدوا ذويهم في تلك الحرب العبثية، لا بدّ من محاسبة المسؤولين عن تلك المغامرة، وإقصائهم نهائياً، وفي ذلك ردُّ اعتبار للأمن والجيش، وترميم لعلاقته بالمواطن السوري، بعيداً عن محافظة السويداء.
زجّ العشائر في حربٍ ضدّ أهل السويداء ليس سلوك دولة مسؤولة عن شعب، بل هو تصرّف يصدُر عن عقل فصائلي، لا يحسب أخطار اندلاع حرب أهلية، وتبعات دفع 50 ألف مقاتل من محافظات أخرى على السلم الأهلي. وأبسط نتيجة سلبية شيطنة العشائر، وإظهارها بصورة لا تراعي تاريخ هذا البلد، الذي قام على التلاحم والتضامن بين أبنائه، وهذا ما جعل السويداء تحظى بتقدير كبير من جهة تاريخها الناصع، ولموقفها الرافض إرسال أبنائها لقتال بقية السوريين ضمن جيش النظام السابق.
المطلوب أن تدرك الدولة دورها وتنهض بوظيفتها، فهي ليست دولة هيئة تحرير الشام، التي تتصرّف جماعةً دينيةً مغلقةً، تطمح إلى بناء نظام حكمها الخاصّ الذي يقصي الآخرين، ما يؤدّي إلى إسقاط مفهوم المواطنة أساساً من أسس بناء الدولة الحديثة. وهذا أمر ليس بالجديد، فتجربة سورية منذ تأسيس الكيان السوري عام 1918 تجاوزت الهُّويّات الضيّقة، وعلى وجه الخصوص الطائفية منها. لا سبيل إلى ذلك سوى بإعلاء الهُّويَّة السورية الوطنية الجامعة، الوفيّة لسورية بلداً لكل أبنائه الموحّدين في وجه مخطّط التقسيم والفرز الطائفي الذي ترعاه (وتموّله) إسرائيل. وما حصل من تهجير للعشائر من أهل السويداء إن هو إلا بداية المخطّط الذي يهدف إلى تحويل جنوبي سورية منطقةً مرتبطةً أمنياً واقتصادياً مع إسرائيل.

أخبار ذات صلة.
