البنزين الإيراني... وقود مغشوش أم جودة منخفضة؟
عربي
منذ أسبوعين
مشاركة

تحولت مسألة انخفاض جودة البنزين وخلطه بالماء في إيران منذ سنوات إلى موضوع جدلي نظراً لتداعياتها الخطيرة، خاصة في ما يتعلق بتلوث الهواء في المدن الكبرى مثل طهران. فبينما شككت مؤسسات مثل "منظمة المعايير" و"منظمة حماية البيئة" مراراً في جودة البنزين المنتج، تنفي وزارة النفط ذلك باستمرار، مصرحة بأن هذه التقارير غير دقيقة، وأن جودة البنزين الإيراني توازي المعايير العالمية. وأخيراً، أعادت حادثة بيع بنزين مغشوش لسيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان أثناء زيارته لمدينة تبريز (شمال غربي البلاد)، قضية البنزين وجودته إلى الواجهة مرة أخرى.

هنا، يجدر التمييز بين الوقود المغشوش والوقود منخفض الجودة؛ فالأول يُقصد به البنزين الممزوج بمواد أخرى مثل الماء. وهي ليست ظاهرة شائعة في إيران، بل تُسجّل على نطاق محدود، في بعض المحطات التي تقوم بممارسات مخالفة، بحسب تقارير إعلامية.

في هذا السياق، ذكر المفتش الخاص للرئاسة الإيرانية مصطفى مولوي، وفقاً لوكالة "إيلنا" العمالية، أن الرئيس كان متوجهاً لحضور مراسم "تاسوعاء" و"عاشوراء" في تبريز بثلاث سيارات، وتوقف في محطة وقود بمدينة قزوين (غرب طهران)، لتعبئة البنزين. وأضاف: "توقفت السيارات الثلاث قبل الوصول إلى مدينة تاكستان، وبعد التحقيق، تبين أن المحطة تبيع بنزيناً مغشوشاً ممزوجاً بالماء، وسُجّل بحقها انتهاك مماثل سابقاً".

في المقابل، نفى وزير النفط محسن باكنجاد ذلك، مؤكداً أن "التحقيق الدقيق الذي أجرته شركة توزيع المنتجات النفطية الوطنية لم يجد أي دليل على وجود ماء في البنزين". كما نفى رضا نواز، المتحدث باسم نقابة مالكي محطات الوقود، وقوع الحادثة، موضحاً أن المحطة زوّدت أكثر من ألف سيارة بالوقود في اليوم نفسه دون تسجيل أي شكوى، وأكد أن المحطة لم تُسجل بحقها مخالفات منذ أكثر من عشر سنوات.

أزمة جودة البنزين الإيراني... عوامل مركبة

في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي الإيراني إيرج يوسفي لـ"العربي الجديد"، إن إنكار مثل هذه الحوادث "غير منطقي"، مشيراً إلى أن الغش ممكن في أي سلعة، لكنه يرجّح أن مصدره بعض المحطات، وليس شركات النفط أو المصافي. وأوضح يوسفي أن البنزين منخفض الجودة منتشر في إيران منذ أكثر من عشرين عاماً، وزادت المشكلة سوءاً بسبب السيارات المحلية ذات الكفاءة المنخفضة في استهلاك الوقود، ما أدى إلى تفاقم تلوث الهواء.

وأشار إلى أن أحد أسباب تراجع الجودة يعود إلى السعر المنخفض للبنزين، إذ لم تُسجّل أي زيادة منذ عام 2019، ورغم ذلك، يبقى السعر أدنى بكثير من المتوسط العالمي وحتى من أدنى سعر في منطقة فوب الخليج. ولأن زيادة الأسعار عام 2019 أدّت إلى احتجاجات واسعة، تتجنب الحكومة تكرار ذلك. وبدلاً من رفع السعر، تخفض وزارة النفط، بحسب يوسفي، الجودة لتقليل التكاليف.

ويبلغ سعر ليتر البنزين المدعوم في إيران حالياً 1.7 سنت أميركي، في حين يناهز السعر الحر 3.4 سنتات، وهو بحسب بعض التقارير أرخص سعر عالمي للبنزين. ونتيجة لانخفاض الجودة، تُباع في محطات الوقود الإيرانية أنواع متعددة من مكملات الوقود لتحسين الأداء، لكن معظم أصحاب السيارات لا يعيرونها اهتماماً يُذكر.

ويؤكد يوسفي أن معظم السيارات الأجنبية والمحلية تعاني من مشاكل في نظام الحقن والوقود نتيجة البنزين الرديء، وغالباً ما يظهر ذلك في شكل تحذير على لوحة القيادة، وأوضح أن البنزين يُصنّف عالمياً من يورو 1 حتى يورو 6، وكانت إيران تنتج بنزين بمعيار يورو 2 قبل أن تعلن عن ترقيته إلى يورو 4 لاحقاً.

التصريحات الحكومية حول البنزين.. والرقابة البيئية

بدورها، قالت رئيسة منظمة حماية البيئة شيما أنصاري إن "المنظمة الوطنية للمعايير" تجري مراقبة مستمرة لجودة الوقود، ويتم رصد الوقود المستورد والموزع، ونشر تقارير دورية حول ذلك، وأشارت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن العقوبات الدولية واختلال التوازن في قطاع الطاقة أثرا سلباً على جودة الوقود، مؤكدةً أن القانون يُلزم المنظمة بتكثيف الرقابة بموجب "قانون الهواء النظيف".

من جانبها، صرحت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني بأن "معظم البنزين المنتج في البلاد يوافق معايير يورو 4"، مشيرة إلى أن الأخبار المتداولة زادت قلق المواطنين بشأن جودة الهواء.

استيراد البنزين الممتاز... وقف التنفيذ

وفي محاولة للحد من تلوث الهواء، قررت الحكومة العام الماضي السماح باستيراد البنزين الممتاز (سوبر)، خاصة للسيارات الفاخرة والمناطق ذات الكثافة المرورية، لكن القرار لا يزال يواجه عراقيل بيروقراطية. وأفادت صحيفة "شرق" الإصلاحية بأن وزارة النفط وشركة التكرير تمكنتا من تلبية الطلب المحلي خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، لكن تنفيذ قرار الاستيراد كان من شأنه توفير ما بين مليون ومليوني ليتر يومياً. وأكدت وزارة الاقتصاد أخيراً أن إجراءات الفحص الفني للبنزين الممتاز أُنجزت خلال أسبوعين، وأن شركة التكرير والتوزيع الوطنية تتابع طلبات الاستيراد حالياً.

وقال محمد صادق عظيمي‌ فر، نائب وزير النفط، إن إنتاج البنزين في إيران يبلغ حالياً 120 مليون ليتر يومياً، في حين وصل الاستهلاك إلى 124 مليون ليتر في عام 2024. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن شدة استهلاك الطاقة في إيران تعادل 2.5 ضعف المتوسط العالمي، وأنه من الضروري تحديث أسطول النقل واستخدام بدائل الوقود، كما لفت إلى أن تراجع استخدام الغاز الطبيعي المضغوط من 24 إلى 18-19 مليون متر مكعب يومياً خلال أربع سنوات، أدى إلى زيادة الاعتماد على البنزين. ويبلغ متوسط استهلاك البنزين للفرد في إيران أربعة ليترات يومياً، مقارنةً مع ثلاثة عالمياً، ويُعزى هذا إلى انتشار سيارات غير كفوءة.

استيراد البنزين لتغطية العجز

ورغم إعلان إيران تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج البنزين سابقاً، إلا أن ارتفاع الطلب وانخفاض الموارد لتوسعة المصافي دفعها إلى استيراد الوقود. وتجاوزت واردات البنزين ملياري دولار في 2023، ثم تجاوزت ثلاثة مليارات دولار في 2024. وطلب وزير النفط تخصيص أربعة مليارات دولار للاستيراد، بحسب رئيس لجنة الاقتصاد في البرلمان شمس الدين حسيني، مشيراً إلى أن العائدات النفطية المخصصة للوزارة في الموازنة بلغت عشرة مليارات دولار.

وتشير وكالة "إيسنا" إلى أن اختلال سوق البنزين يُعد من أبرز التحديات، بسبب الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج، ما أدى إلى ضغط على الموازنة، وتلوث الهواء، وهدر الطاقة. وبحسب البيانات، نما الاستهلاك السنوي للبنزين بنسبة 5% منذ الثورة الإسلامية عام 1979، لكنه ارتفع بنسبة 10% خلال السنوات الأربع الأخيرة فقط. وتشير التوقعات إلى أن الاستهلاك اليومي سيصل إلى 170 مليون ليتر بحلول عام 2029 إذا استمر الاتجاه الحالي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية