برحيل زوجته.. اليمنيون يستحضرون سيرة الثائر حميد بن حسين الأحمر ضد الحكم الإمامي
حزبي
منذ 22 ساعة
مشاركة

أعاد رحيل زوجة الثائر اليمني الشيخ حميد بن حسين الأحمر، أمس الاثنين 21 يوليو، إلى الواجهة قصة مناضل وثائر وقف مبكرًا في وجه الحكم الإمامي الكهنوتي، وقدم روحه دفاعًا عن كرامة اليمنيين وحقهم في نظام جمهوري عادل.

 

مثَّل الشيخ الأحمر نموذجًا فريدًا للقيادات القبلية التي سخّرت نفوذها وجهدها لخدمة قضية التغيير، ولم تتورط في مساومة أو تواطؤ مع نظام الإمامة رغم القمع والاستبداد، إذ وهب حياته لمواجهة الحكم الإمامي وسعى لبناء وطن يكون اليمني فيه سيد نفسه.

 

ولد الشيخ حميد بن حسين بن ناصر الأحمر في ثلاثينيات القرن الماضي، وتجرع منذ طفولته مرارة السجون الإمامية، إذ قضى سنواته الأولى رهينة في سجن حجة، ضمن سياسة ممنهجة لابتزاز ولاءات المشايخ اليمنيين عبر احتجاز أبنائهم.

 

وعلى الرغم من صغر سنه حينها، فقد بدأ وعي الشيخ حميد بن حسين الأحمر يتبلور وسط واقع منغلق ومغمور بالتجهيل، وتحولت سنوات السجن إلى مرحلة نضج سياسي ساهمت في تشكيل وعيه الوطني وبناء شخصيته الثائرة ضد الاستبداد والطغيان.

 

 

- الإمامة.. حكم عنصري مغلق:

 

وُلد حميد بن حسين الأحمر في ظل نظام إمامي عنصري يستند إلى تأويلات دينية مغلقة، غيّب مفهوم الأمة، واستبدله بفكرة الحق الإلهي في الحكم، ورفض أي مبدأ للشورى أو تداول السلطة، معتمدًا على مفاهيم الوصاية والتمييز الطبقي السلالي.

 

انتهج الأئمة سياسة الإمساك بولاءات القبائل عبر احتجاز أبنائها، فوقع الشيخ حميد في قبضة هذه السياسة وهو في الثامنة من عمره، حيث قضى عشر سنوات في سجن حجة، تلقى خلالها تعليمه الأولي وتعلم القراءة والكتابة خلف القضبان.

 

بعد فشل ثورة 1948، انتقل الإمام أحمد بن يحيى من صنعاء إلى محافظة حجة لتكون منطلق عملياته الجديدة للقضاء لوأد الثورة، ووجد هناك الشيخ حميد الأحمر  فأمر باعتقاله وسجنه، ليمكث مجددًا خمس سنوات في السجن.

 

خلف قضبان الإمامة، استمر الشيخ حميد في التعلم واختلط برموز الفكر داخل السجن، إذ التقى بعدد من رموز ثورة 48، من أبرزهم القاضي عبدالرحمن الإرياني والمفكر أحمد محمد النعمان، ليخرج من السجن برؤية أكثر وضوحًا لمسار التغيير.

 

حين أدرك الإمام أحمد خطورة بقاء الشيخ حميد مع الثوار في سجن واحد، أمر بنقله إلى تعز وفرض عليه الإقامة الجبرية، لكن الشيخ حوّلها إلى مساحة تشاور سياسي، وشكّل فيها شبكة من الاتصالات مع أحرار الداخل، حتى لقّبه النعمان بـ"داعية الجمهورية الأول" نظرًا لدوره البارز في التبشير بالنظام الجمهوري مبكرًا.

 

 

- انتفاضة حاشد ضد الإمامة:

 

في العام 1959، غادر الإمام أحمد البلاد متوجهًا إلى العاصمة الإيطالية روما، وبدأت حينها التحركات الثورية تتسارع، إذ اجتمع الضباط الأحرار مع عدد من المشايخ المؤيدين للتغيير، وعلى رأسهم الشيخ حميد بن حسين الأحمر وسنان أبو لحوم.

 

رأى الثوار أن اللحظة مواتية لتغيير النظام، فأُقرت في الاجتماعات السرية المبادئ الأولى للنظام الجمهوري، وتقرر إطلاق شرارة الثورة من قبيلة حاشد بزعامة الشيخ حميد، الذي عقد مؤتمرًا قبليًا مع والده الشيخ حسين بن ناصر الأحمر.

 

أعلن المؤتمر القَبلي ضرورة جمع الشمل وتوحيد الصف والكلمة، ودعا إلى إنهاء الحكم الإمامي لصالح نظام عادل يحترم إرادة الشعب، وهو ما أثار ذعر الإمام البدر المتواجد في صنعاء حينها، والذي تحرك سريعًا لاحتواء الموقف، طالبًا من القبائل التهدئة.

 

استجابت حاشد لدعوة الإمام كتكتيك مرحلي، فدخلت إلى صنعاء برفقة الشيخ حميد وحشود أخرى من قبيلة بكيل، ليرتسم أول وجود قبلي جمهوري في قلب العاصمة، ويشكل ضغطًا هائلًا على بقايا الحكم الإمامي ومؤسساته المتآكلة.

 

 

- القمع والخذلان القبلي:

 

تناقل جواسيس الإمامة الأخبار حتى وصلت إلى مسامع الإمام أحمد في روما، الذي أدرك أن ما يجري يمثل تهديدًا وجوديًا لسلطته لا ينبغي التساهل معه، فعاد على وجه السرعة إلى الحديدة، ثم أطلق حملة عسكرية وأمنية مضادة لإجهاض الانتفاضة، وأمر بملاحقة قادة التمرد وزجهم في السجون.

 

اعتُقل الشيخ حميد ووالده حسين الأحمر بعد حملة مداهمات، وشنت الإمامة موجة قمع واسعة في أوساط القبائل المناهضة، وجرى تسليم بعض القادة إلى الإمام من قبل مشايخ آخرين في الجوف، تحت ضغط التهديد والترغيب.

 

رفض الإمام كل الوساطات التي سعت لإنقاذ الشيخين، بل لوّح بوثيقة موقعة بخط يدهم تدعو لإسقاط نظامه، ليأمر بعدها بإعدام الشيخ حميد بالسيف في 12 يناير 1960، ثم إعدام والده لاحقًا رغم اتفاق سابق بالعفو عنه.

 

 

- أدوار نضالية وتأثير مبكر:

 

مثّل الشيخ حميد بن حسين الأحمر صوتًا تقدميًا داخل المشيخة القبلية اليمنية، واختار الانحياز الكامل لقضية الجمهورية رغم صغر سنه وتكلفة الخيار وسط بيئة تجرم مجرد التفكير في فكرة التغيير، ونجح في بناء جسور تعاون مع الضباط الأحرار والمثقفين والعلماء.

 

ووفقًا للمؤرخ بلال الطيب، فقد كان للشيخ دور حاسم في تعبئة القبائل للانخراط في المسار الجمهوري، ورفض القبول بأي مساومات أو مراكز سلطة مقابل ولائه، ما جعله أحد أبرز المرشحين لقيادة الدولة لو قُدّر للثورة النجاح.

 

جاء إعدام الشيخ حميد بن حسين الأحمر بمثابة ضربة موجعة للتيار الثوري في الداخل، ورسالة تخويف لكل من يفكر بمواجهة الإمام، لكنها في الوقت ذاته زرعت بذور الإصرار والصمود التي أثمرت لاحقًا في ثورة 26 سبتمبر 1962.

 

وأمام هذه السيرة الحافلة بالتضحية والنضال، سُجل الشيخ حميد ووالده كأول مشايخ قبليين يتم إعدامهم بسبب تأييدهم الصريح للنظام الجمهوري، في وقت كانت فيه أغلب القيادات القبلية ما تزال مترددة في حسم موقفها من الإمامة.

 

 

- إرث متجدد وذاكرة مقاومة:

 

اليوم، وبعد 65 عامًا من إعدامه، تأتي وفاة زوجة الشيخ حميد بن حسين الأحمر كتذكير حيّ بسيرة رجل عاش ومات لأجل حلم وطني كبير، لم يُكتب له أن يتحقق في فترة حياته، لكنه ألهم أجيالًا من بعده لاستكمال المشوار، والتمسك بالجمهورية كطريق للتحرر والعدالة.

 

ولا يزال هذا الحلم الجمهوري الذي ضحّى من أجله الأحرار في خمسينات القرن الماضي حاضرًا في وجدان اليمنيين، الذين يواجهون اليوم مشروعًا مماثلًا في جوهره، يسعى لاستعباد الناس باسم الحق الإلهي، ويقمعهم بالسلاح والسلالية والوصاية.

 

يستعيد اليمنيون سيرة الشيخ حميد بن حسين الأحمر وغيره من رموز النضال الوطني، باعتبارها مصدر إلهام في معركتهم الراهنة ضد النسخة الجديدة من الإمامة الكهنوتية، ممثلة بمليشيا الحوثي الإرهابية التي أعادت إنتاج الاستبداد الطائفي بثوب أكثر عنفًا وتطرفًا.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية