دعوة انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني... لإتمام هندسة منظمة التحرير
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

وسط ظروف سياسية وأمنية معقّدة، يطرح قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أصدره أول من أمس السبت، إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني قبل نهاية العام الحالي، تساؤلات حول جدواه وإمكانية تنفيذه عملياً، في ظل استمرار الحرب على غزة والانقسام الداخلي، ما يجعله خطوة مرتبكة قد تكون مناورة وصولاً إلى مربع التأجيل أو ربما التعيين. ويرى سياسيون ومحللون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن قرار عباس يأتي إما تحت سيناريو المناورة التي يتقنها أبو مازن وعبّر عنها في أكثر من قرار لم ير النور، أو تمهيداً لتعيين أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني بسبب تعذر الانتخابات لأسباب سياسية وميدانية وموضوعية، وبالتالي سيكون هذا آخر مخطط لإعادة هندسة جينية كاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ويوضح الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن السيناريو الأول هو أن يكون هذا الإعلان مناورة للداخل والخارج، والنتيجة ستكون بعد عدة أشهر بأن تقول القيادة الفلسطينية: "إن إسرائيل لم تسمح بعقد انتخابات المجلس الوطني". ويضيف: "هناك سيناريو آخر هو أن إجراء الانتخابات عبر الشرط الذي أعلن عنه الرئيس في قراره وهو أن يكون من ضمن شروط العضوية التزام العضو ببرنامج منظمة التحرير وبالتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولية، وكل ذلك يهدف لإقصاء كامل لكل من هو ضد مشروع أوسلو والتزاماته، وإقصاء فصائل مهمة مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي".

ومن المعلوم أن كل من يراقب الوضع الفلسطيني يخلص إلى أن عباس، في العقد الماضي، كان يعلن عن خطوات ولا يقوم بتنفيذها، بشكل يعطي انطباعاً أن القيادة الفلسطينية تعمل على "شيء ما"، بينما هي تراوح مكانها في مربع "الانتظار"، الأمر الذي يعبّر عنه كثيرون بأن ما يعلن عنه عباس هو مناورة ليس أكثر. ويقول المصري: "قبل شهر، أرسل الرئيس (أبو مازن) رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعدهما بعقد انتخابات تشريعية ورئاسية، واليوم يقرر الذهاب إلى انتخابات مجلس وطني، هذه مناورة ليس أكثر".

وفي إعلان سابق لم يتحقق أيضاً، أعلن عباس، في 15 أغسطس/ آب الماضي، أمام البرلمان التركي، أنه قرر التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، الأمر الذي لم يحدث ولم تنشر أي إشارات تدل على جدية الإعلان. وفي مارس/آذار الماضي، أمام القمة العربية الطارئة في القاهرة، أعلن عباس عن استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، و"إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح"، وفي حين تحقق استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير وجرى تعيين الوزير والقيادي الفتحاوي حسين الشيخ في المنصب، إلا أن دولاً غربية وعربية ما زالت تعتقد أن هذا التعيين شكلي وأن عباس لم يعط صلاحيات للشيخ، والدليل أن الأزمة المالية والسياسية التي تمر بها السلطة بعد أشهر من تعيين الشيخ ما زالت تراوح مكانها.

هاني المصري: هناك سيناريو غير مبشر وهو أن يذهب أبو مازن نحو تعيين أعضاء المجلس الوطني، لتعذر الانتخابات بسبب حرب الإبادة وصعوبة إجراء انتخابات

أما بالنسبة لـ"العفو عن المفصولين من حركة فتح"، فإن الأمور زادت سوءاً، إذ أوقع عباس عقوبات وإقصاءات بحق قيادات فتحاوية وازنة قامت بعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة، في فبراير/شباط الماضي، والمشاركة فيه، والذي سعى لإصلاح منظمة التحرير ومؤسساتها وإرساء وحدة وطنية فلسطينية. كل ما ذكر أعلاه يستشهد به أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأعضاء في المجلس الوطني، إضافة لقرار انتخابات المجلس المركزي الأخير في شهر إبريل/ نيسان الماضي لتعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس منظمة التحرير، ليقولوا إن الإعلان الأخير ليس سوى مناورة مثل ما سبق من قرارات للرئيس.

ويرى الكاتب هاني المصري أن "هناك سيناريو آخر غير مبشر وهو أن يذهب الرئيس أبو مازن نحو تعيين أعضاء المجلس الوطني، لتعذر الانتخابات بسبب حرب الإبادة وصعوبة إجراء انتخابات مجلس وطني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والشتات، وهذا الأمر إن تم، فهو يعني القضاء على ما تبقى من منظمة التحرير".

رفض لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني

وبين المناورة وسيناريو إعادة هندسة المنظمة، يرفض أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني هذا الإعلان، إذ يؤكد عضو لجنة المتابعة في المؤتمر الوطني الفلسطيني وعضو المجلس الوطني الفلسطيني القيادي الفتحاوي أحمد غنيم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك نقاطاً كثيرة في قرار الرئيس عباس توحي بوجود "محاولة هروب إلى الأمام" قد تهدف إلى إرباك القوى الشعبية والنضالية التي تطالب منذ سنوات بإعادة بناء المنظمة وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني، لافتاً إلى أن "بعض الشخصيات والقوى التي علّقت على القرار ظهرت وكأنها ترفض الانتخابات أو عقد المجلس الوطني، في حين أن جوهر اعتراضها ليس على مبدأ الانتخابات بل على الصيغة الحالية التي خلت من أي حوار وطني شامل يمهد الطريق لدورة جامعة بمشاركة كل مكونات الطيف الفلسطيني".

أحمد غنيم: نقاط كثيرة في قرار الرئيس عباس توحي بوجود محاولة هروب إلى الأمام

ويقول غنيم: "إن الحاجة إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية باتت ضرورية لمواجهة المرحلة الراهنة، إلا أن الطريقة التي جرى بها الإعلان عن القرار توحي بتكرار سيناريو عقد المجلس المركزي الفلسطيني (من دون مشاورات وطنية حقيقية)". ويوضح أن "صيغة القرار الرئاسي حملت بعض العبارات التي تشير إلى تجاوز مكونات فصائلية رئيسية، رغم أن برنامج منظمة التحرير لا يُقر إلا داخل برلمانها الممثل في المجلس الوطني الفلسطيني"، مشدداً على أن الأصل أن تكون كل دورة من دورات المجلس الوطني سيدة نفسها، تطرح فيها القوى الفلسطينية رؤاها بحرية ومن دون فرض شروط مسبقة على أي طرف للمشاركة فيها". ويؤكد أن المؤتمر الوطني الفلسطيني ملتزم بما أعلنه أمام الشعب الفلسطيني بالسعي إلى إعادة بناء منظمة التحرير طليعةً لحركة التحرر الوطني الفلسطيني ومشروعه الوطني على أسس ديمقراطية. ويقول غنيم: "إن قرار الرئيس عباس بصيغته الحالية لا يستجيب لمتطلبات التغيير الحقيقية، بل يعيد إنتاج الأزمة بمكوناتها نفسها من دون معالجة جذرية أو ضمانات تفتح الباب أمام مشاركة وطنية واسعة تشمل الكل الفلسطيني".

من جهتها، ترى عضو المجلسين الوطني والمركزي الفلسطيني الدكتورة فيحاء عبد الهادي "أن هذا القرار إعلان مفاجئ، لأن القيادة لطالما قالت إن الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات". وتقول عبد الهادي في تصريحات لـ"العربي الجديد": "ما زلنا نذكر كيف جرى تأجيل الانتخابات التشريعية عام 2021، التي جرى التحضير لها عبر قوائم وحراك قوي، الكل كان ينتظرها، لكن القيادة قامت بتأجيلها إلى وقت غير معلوم، بذريعة أنه لا يمكن إجراء انتخابات من دون القدس".

وحول المخاوف من قرار الانتخابات، تقول عبد الهادي: "نحن بحاجة إلى تمتين وضعنا الداخلي حتى نكون قادرين على مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهنا؛ الإبادة الجماعية في غزة، والتطهير العرقي المتواصل في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتهديد بالضمّ والكثير من التحديات، ولذا، هناك تخوف من أن الإعلان عن انتخابات مجلس وطني، بدل أن يساهم في حل أزمتنا الداخلية الفلسطينية، يمكن أن يعمقها، لأن هذا القرار لم يأت بعد حوار ومشاورات بين جميع مكوّنات المجتمع الفلسطيني، هذا الحوار الذي يمكن أن يؤدي إلى توافق على برنامج سياسي يلبي طموح شعبنا ويجعلنا قادرين على مواجهة تحدياتنا". وتتابع عبد الهادي: "الأمر ليس بالقرار في حد ذاته، وإنما هذا شأن المواطنين جميعاً لأن الوطن ملك الجميع، وقرار بمثل هذه الأهمية بحاجة إلى تشاور من الجميع، وهذا لم يحدث".

فيحاء عبد الهادي: تخوف من أن الإعلان عن انتخابات مجلس وطني، بدل أن يساهم في حل أزمتنا الداخلية الفلسطينية، يمكن أن يعمقها

وحول السياق الذي جاء فيه قرار عباس، تقول عبد الهادي: "هناك ملاحظات من العالم كله بأن الوضع الذاتي الفلسطيني يحتاج إصلاحاً، ويحتاج إلى تغيير، وإذا كنا نريد أن نقوم بتغيير حقيقي، فهذه ليست الطريقة عبر قرار أحادي من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية، صحيح أنه يجب أن تكون هناك انتخابات، لكن هذا يجب أن يكون خاضعاً للحوار والتشاور وبشكل كلي وضمن تصور كامل ديمقراطي؛ أي انتخابات مجلس وطني، ومجلس تشريعي وانتخابات رئاسية، وليس انتخابات مجتزأة".

وتؤكد عبد الهادي أنه "يجب الرجوع إلى أنظمتنا وقوانينا الداخلية التي لطالما انتُهكت في اجتماع المجلس الوطني والمركزي في السنوات السابقة، مثل إحالة كل صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني إلى المجلس المركزي". وتلفت عبد الهادي إلى أن "ما حصل في المجلس المركزي قبل أكثر من شهرين من تعيين نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير كان أيضاً مقطوعاً عن سياقه الديمقراطي، فوجود نائب للرئيس مهم، لكن يجب أن يتم ذلك ضمن سياق عملية ديمقراطية شاملة، ما يفقد الخطوة أهميتها".

تساؤلات بلا أجوبة

ويدور العديد من الأسئلة التي لا توجد لها إجابات بين أعضاء المجلس الوطني، والتي لا يجرؤون عن الإفصاح عنها خوفاً من غضب الرئيس، مثل لماذا هذا التوقيت؟ وما هو القانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات؟ وكيف تم التوافق على العدد الذي أعلنه الرئيس بـ350 عضواً للمجلس الوطني الذي كان يتجاوز 750 عضواً، وهل أعضاء المجلس التشريعي، وعددهم 132 عضواً، الذين يعتبرون حسب القانون أعضاء طبيعيين في المجلس الوطني سيبقون كذلك؟ وهل ستعقد الانتخابات أو التعيينات تحت حرب الإبادة في غزة؟ وإن انتهت الحرب، فهل غزة جاهزة لمثل هذه الانتخابات المصيرية وسط الدمار الذي تعيشه؟

ويقول الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "مجرد الإعلان عن انتخابات مجلس وطني خطوة مهمة، لكن القدرة على تنفيذ ذلك في ظل عدم تذليل العقبات التي منعت إجراء الانتخابات التشريعية عام 2021، في ظني، لن تكون لدى المنظمة قدرة على تنفيذ هذا الإعلان". ويتابع حرب: "هذا الإعلان لم يحدد موعداً لإجراء انتخابات المجلس الوطني، وإنما تحدث عن إجرائها قبل 2025، واجراءات انتخابات مثل هذه يحتاج أكثر من الأشهر الخمسة المتبقية من العام، لا سيما أننا نتحدث عن الداخل والشتات الفلسطيني". ويعتقد حرب أن السبب وراء إعلان الرئيس عباس "هو طمأنة دولة خارجية تطالب بعملية الإصلاح بما فيها إجراء الانتخابات".

ويقول حرب: "إجرائياً، يحتاج الأمر إلى وقت، ولا يوجد قانون واضح للانتخابات، والأمر الآخر أن الداخل سيكون ثلثي أعضاء المجلس الوطني وهذا يتنافى مع التمثيل، لأن فلسطينيي الشتات أكبر من الفلسطينيين في الداخل، حيث يوجد نحو خمسة ملايين فلسطيني على أرض فلسطين المحتلة في الضفة وقطاع غزة، لكن هناك أكثر من نصف الفلسطينيين موجودين في الشتات، وسيحصلون على ثلث مقاعد المجلس الوطني، وهذا يخالف مبدأ المساواة في التمثيل الفلسطيني".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية