6 أشهر من ولاية دونالد ترامب: سياسة بهلوانية
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

في 15 يوليو/تموز 2017، كتبت صحيفة نيويورك تايمز، مقالاً بعنوان "ستة أشهر طويلة من ولاية دونالد ترامب"، متسائلة عن المشهد الذي ستكون عليه نهايتها، في عام 2020، "إذا ما كُتب لترامب إكمال ولايته". كان الرئيس الأميركي الـ45، حينها، مهدّداً بتحقيقات التدخل الروسي، ويتعامل معه الديمقراطيون "من فوق"، فيما كان لا يزال مبتدئاً، ومعتمداً على آراء "المستشارين". في ذلك الوقت، كان من غير المستبعد ألا يُكمل الملياردير الجمهوري ولايته، ولو بانقلاب من داخل حزبه لتجنب الانهيار. صمد ترامب، وها هو يُكمل اليوم ستة أشهر من ولايته الثانية (بدأت في 20 يناير/كانون الثاني 2025)، بعدما تخطى كما يقول "سرقة الانتخابات" منه في 2020. وبينما تكثر القراءات للمشهد بعد هذه الأشهر الستة، ومن بينها من لا يزال يُلصق صفة الفوضى بأدائه، وغير المستقر على رأي، تجد قراءات أخرى ترامب بنسخته الثانية متغيّراً، وأكثر تمرساً على حسم الأمور، مع الحفاظ على "عدوانية" الولاية الأولى، بل تطويرها تجاه الخصوم. ويعبّر عنوان كبير عن خطورة الوضع، بالنسبة لبعض المتابعين، إذ تسري "البهلوانية" على أداء فريق ترامب وسياسته الخارجية في آن. وفي الداخل، يجد ترامب نفسه في مواجهته قاعدته التي قد تكون الأخطر عليه، فيما الأخبار الجيّدة له تبقى الضعف التاريخي للديمقراطيين.

إنجازان كبيران

وأكمل دونالد ترامب ستة أشهر من ولايته الثانية، محققاً فيها إنجازين كبيرين: ضربه المنشآت النووية الإيرانية، وتمرير مجلس النواب أخيراً "مشروع القانون الكبير والجميل"، والذي يتضمن تخفيضات ضريبية وزيادة في تمويل وزارة الدفاع (بنتاغون) وأمن الحدود، والمزيد من تخفيضات الإنفاق المثيرة للجدل لتغطية بقية بنود القانون، بما في ذلك أكبر تقليص للإنفاق الحكومي على شبكة الأمان الاجتماعي منذ عقود. ويعدّ المشروع من الأسرع الذي يمرّ لرئيس في العام الأول من ولايته، ويعتقد الديمقراطيون أنه سيكون الرافعة التي قد تعيدهم إلى الهيمنة على الكونغرس بعد الانتخابات النصفية في خريف العام المقبل، نظراً إلى ما ستكون للقانون من تداعيات سلبية على جيوب الأميركيين، خصوصاً أن المشروع لم يحظ بموافقة جمهورية إلا بعد مشاحنات وخلافات داخل حزب ترامب استمرت أسابيع طويلة، وتمكن الرئيس من حسمها لصالحه بسياسة عقد الصفقات، رغم استمرار تخوف الجمهوريين من مفاقمة العجز المالي نتيجة القانون.

مرّر ترامب "مشروع القانون الكبير والجميل" المالي سريعاً

ويُمكن وصف سياسة دونالد ترامب الداخلية، بأنها مالية بامتياز، نظراً إلى الأهمية التي يوليها الأميركيون للمالية والاقتصاد، لكنها سياسة مبنية على التنبؤات، وقد لا تثمر إلا بعد سنوات، مثل ما قد تفرزه حرب الضرائب والرسوم الجمركية والتجارة التي يُسعّرها ترامب حول العالم، ورؤيته للهيمنة الأميركية في مجال الطاقة، بينما يخشى متابعون أن تستفيد الصين من العدوانية التجارية للولايات المتحدة، لتعزيز موقعها الاقتصادي وثقة المستثمرين الدوليين.

دونالد ترامب غارق في وحول الحروب

أما السياسة الخارجية، فتبقى فوضوية، مع فشل دونالد ترامب في إنهاء حرب أوكرانيا في غضون ستة أشهر، واستمرار الشرق الأوسط غارقاً في وحول ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى ضبابية المشهد مع إيران، جراء العدوان الأميركي - الإسرائيلي على هذا البلد، في يونيو/حزيران الماضي. وبينما يرى خصوم إيران في الجرأة الأميركية الإسرائيلية لضربها، انقلاباً على المراوحة التاريخية التي سادت في الملف الإيراني طوال عقود، وإضعافاً لإيران يبنى عليه بشدّة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، ترى قراءات أخرى، أن الهجوم والتصعيد الإسرائيلي، قد يجعلان إيران مصممة على التحدي، ومقاومة إبعادها عن خرائط النفوذ، عبر تعزيز التحالف مع الصين وقدراتها الصاروخية ومقومات الردع. وهنا يمكن العودة إلى تقرير مطول لـ"المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" (ECFR)، صدر في 12 يونيو 2024، حين كان ترامب مرشحاً للرئاسة للمرة الثالثة، ويتحضر لموسم الحملات الانتخابية ومنافسة جو بايدن، حيث عدّد المجلس ستة سيناريوهات "مخيفة" إذا ما عاد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن بينها، للمفارقة، ما تحقّق جزء منه اليوم، وهو "إعادة إسرائيل عظيمة مجدداً"، وإفلات يدها لضرب إيران.

يريد حلفاء الولايات المتحدة من ترامب سياسة يمكن التنبؤ بها

وبحسب تقرير لموقع ذا هيل، في 14 يوليو/تموز الحالي، فإن الأشهر الستة الأولى من ولاية ترامب الثانية، اتسمت بجهوده لإعادة تشكيل وهندسة الحكومة من خلال تخفيض دراماتيكي للقوة الفيدرالية العاملة، وتطبيق نظام تجاري جعل حلفاء الولايات المتحدة بوضعية الدفاع، والأسهم الأميركية بحالة استنفار. وفي رأي الموقع، فإن هذه الأشهر ظلّت معلقة بالنسبة للإدارة والحكومة والكونغرس على كلمة من البيت الأبيض، الذي جعل حرب الضرائب هي التي تملي بشكل كبير السياسة الاقتصادية، فيما اعتبر تقرير آخر لشبكة سي أن أن، أول من أمس السبت، أن ترامب 2.0، هو في الكثير من الأمور، مختلف عن ترامب الأول، وأصبح قادراً على تحدي الدستور والمحاكم، والمطالبة بولاء أكبر من الجمهوريين، وطرد الموظفين الفيدراليين المعيّنين، حتى من قبله، من الذين يعارضون سياساته، مثل رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول، الذي يطالبه ترامب بخفض أسعار الفائدة. وبحسب الموقع، فإن ترامب يفكّك الكثير من السياسات التي اتخذها هو نفسه خلال ولايته الأولى، ومن بينها اتفاق التجارة الذي كان توصل إليه قبل أعوام مع كندا والمكسيك، فيما أصبح أقلّ اعتماداً على نصائح الآخرين في السياسة الخارجية. ونقل الموقع عن جين شيوتو، مؤلف كتاب "نظرية الرجل المجنون" حول ولاية ترامب الأولى، قوله إن ما يريده العالم من ترامب في ولايته الثانية هو "الثبات"، واعتماد سياسة خارجية "يُمكن التنبؤ بها"، وهو ما يفتقدونه حتى الآن، رغم إثباته أنه قادر على اتخاذ قرارات صعبة، تجنبها أسلافه، مثل ضرب إيران.

في المقابل، سلّط تقرير آخر، لمجلة فورين بوليسي، نشر في 11 يوليو الحالي، الضوء على مخاوف خبراء ومسؤولين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، من سياسات ترامب، وفريقه الاستخباري قليل الخبرة و"عديم الكفاءة"، بحسب المسؤول البارز ونائب مدير العمليات بالإنابة في الوكالة، توم سيلفستر، الذي غادر منصبه في مايو/أيار الماضي، الذي حذّر من أن تعيينات من فريق "ماغا" (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً)، داخل الوكالة وعالم الاستخبارات والدفاع في الولايات المتحدة، قد يكون "قاتلاً"، علماً أن "سي آي إيه"، وفق المجلة، هي "صانعة السياسة الخارجية الحقيقية" للبيت الأبيض. لكن وفق سيلفستر، فإنه بينما كان العمل "محترفاً" في عهد جو بايدن، لفضح السياسات الروسية، والتحذير والكشف للعلن عن عزم روسيا غزو أوكرانيا، ما كان قراراً حاسماً لمنع الجيش الروسي من تحقيق انتصار سريع، فإن "الخطر من البيت الأبيض" وفق تعبير التقرير، يهدّد بشكل من الأشكال، بأخذ الولايات المتحدة إلى مرحلة شبيهة ببدايات القرن الحالي، أي إلى الوضع الذي جعلها تتعرض لهجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وفي تقرير آخر لشبكة أن بي آر، نشر في 18 يوليو الحالي، أنّ سياسة دونالد ترامب الخارجية خلال الأشهر الستة الأولى، هي عبارة عن نجاحات محدودة على شكل "نقاط"، مثل إيقاف الحرب الهندية الباكستانية، وعدم تمدد الحرب الإيرانية الإسرائيلية، لكن عندما يتعلق الأمر بتحقيق إنجازات أوسع، أي تحويل النقاط إلى حلول مستديمة، أو محاولة إزالة أصل الصراع، يبدو ذلك مستحيلاً مع هذه الإدارة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية