ألمانيا... تقليص المساعدات الإنسانية وإنفاق قياسي على التسلّح
عربي
منذ 10 ساعات
مشاركة

تواكب الحكومة الألمانية التوجه السائد في أوروبا بتقليص الإنفاق على المساعدات الإنسانية والتعاون الإنمائي، مقابل زيادة الإنفاق على إعادة التسلّح في ظل حروب وصراعات متعددة. ويشكل هذا الواقع المستجد تهديداً للعديد من المشاريع التنموية التي دأبت ألمانيا على تمويلها في بلدانٍ تعاني من الأزمات والفقر في أفريقيا وآسيا وغيرهما، كما سيكون له تبعات على اللاجئين.

وخفّضت الحكومة الفيدرالية مخصّصات الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية بنحو مليار يورو لهذا العام، ولن تتخطى نفقاتها 10.3 مليارات يورو، بعد أن كانت في عام 2024 تبلغ 11.2 مليار يورو، وفي عام 2023 تقدر بـ13.7 مليار يورو. في المقابل، شهدت ميزانية وزارة الدفاع زيادات قياسية، وسيكون المبلغ المتاح للإنفاق الدفاعي 62.4 مليار يورو، على أن تزيد الأرقام خلال الأعوام الأربعة المقبلة لتصل إلى حدود 150 ملياراً في عام 2029، مع تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، ما يعني ميزانية تبلغ 225 مليار يورو سنويّاً، ما يضع ألمانيا في المرتبة الثالثة عالميّاً من حيث الإنفاق على التسلح. 

وأفادت منظمة "أوكسفام" للإغاثة الدولية بأن ألمانيا تحذو حذو العديد من الدول الغنية التي تخفّض إنفاقها التنموي، ما يعني جوعاً وفقراً لعدد لا يُحصى من الناس. بدورها، ترى منظمة "خبز من أجل العالم"، أنه في ظلّ الأزمات العالمية، يجب على الحكومة الألمانية أن تضع قيم التضامن الإنساني في صميم اهتماماتها، لكن خفض التمويل للتعاون الإنمائي يتناقض تماماً مع هذا التّوجه، وعليه؛ فالتغيرات الجوهرية للسياسة الإنمائية لا تسترشد بالقيم، وإنما بالمصالح، من دون الالتفات إلى الهجرة والمجاعة وأزمات اللجوء.
وكان لافتاً احتجاج منظمات إغاثية غير حكومية ضد التخفيضات الجذرية، والتنديد بتقليص المبالغ المخصّصة للمساعدات الإنسانية والتعاون الإنمائي تحت شعار "تخفيضات اليوم هي أزمات الغد".

وتؤكد ليزا ديتلمان، من منظمة "وان" الإنسانية، أن "هذه التخفيضات ستؤثر أولاً على مشاريع صحية عالمية، من بينها التطعيم ضدّ الأمراض التي يمكن الوقاية منها، أو علاج فيروس نقص المناعة البشرية (إيدز). أموال التنمية والتعاون الدولي هي استثمارات، وإذا ما استثمرنا اليوم، يمكننا تجنب العديد من النفقات المستقبلية".

وانتقدت المتحدثة باسم حزب الخضر لشؤون التنمية في البرلمان، كلاوديا روث، تبريرات الحكومة، وقالت إن "خفض التمويل المخصص للمساعدات الإنسانية مؤشر مدمّر، ومن مصلحة ألمانيا أن تكون الدول الفقيرة مستفيدة من التنمية، لأنها شرط أساسي للاستقرار العالمي".

وأفاد تقرير لبرنامج الغذاء العالمي بأن 735 مليون شخص حول العالم عانوا من الجوع في عام 2023، وأنه في كل ثانية يموت طفل دون سن الخامسة بسبب الجوع، أي نحو 2.5 مليون طفل سنوياً. وبرزت تعليقات تفيد بأن وزير الخارجية الألماني الجديد، يوهان فاديفول، يعتزم استخدام وسائل دبلوماسية لتقليص حركة اللاجئين من دول فقيرة مثل السودان وجنوب السودان، وباعتقاده أن ألمانيا يجب أن تكون أكثر حرصاً على نفسها عندما يكون هناك حاجة لتحديد الأولويات.

وفي حديثٍ مع شبكة "إيه أر دي" الإخبارية، يرى كل من توبياس هايدلاند وراينر تيله، وهما معدّا دراسة أجراها معهد "كيل" للاقتصاد العالمي، أنه "كثيراً ما يُنظر إلى التعاون الإنمائي على أنه مجرد تكلفة، وليس استثماراً استراتيجياً، لكن علينا أن نغيّر منظورنا، لأن هذا النوع من الاستثمارات غالباً ما يكون مجدياً، لا سيّما على المدى الطويل، إذ للدول المانحة منفعة من مساعدات التنمية والتعاون الإنمائي".

وقال هايدلاند: "هناك تراجع في فهم المساعدات الإنمائية رغم آثارها الإيجابية، فمكافحة الأسباب الجذرية للهجرة دائماً ما تشغل الدول الغنية، كما أن الاستثمارات في البنية التحتية في دول العالم الثالث هي وسيلة للحد من نزعة الهجرة، وتهيئة ظروف أفضل للناس في وطنهم لضمان بقائهم. تكمن المشكلة في التصور العام، لأن هذا النوع من النجاحات يستغرق وقتاً حتى تظهر نتائجه".

وتكشف بيانات معهد "كيل" الفوائد التي تعود على ألمانيا بوصفها دولةً مانحة، إذ إنها تحقق مزايا جيوسياسية، وتضمن سمعة أفضل في الخارج، وتوطد التحالفات، كما أن لها آثار إيجابية على الاقتصاد المحلي، وقد تمنع الأزمات مستقبلاً. وذكر تقرير صادر عن منظمتَي الإغائة "فلتهونغرهيلفه" و"تير دي زوم" أنه يتعين على ألمانيا أن تدعو إلى الاحترام الدائم للقانون الدولي الإنساني، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات، وحماية المدنيين في الحروب والصراعات التي تواجه ملايين البشر، والأهم عدم استخدام الجوع سلاحاً.

ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد وصل الإنفاق العسكري العالمي إلى مستوى قياسي جديد بلغ 2.718 مليار دولار أميركي في عام 2024، ما يمثل زيادة بنسبة تقارب 10% عن العام السابق. وفي حين يعتبر مراقبون أنه في أوقات الأزمات والحروب والكوارث الكبرى يُعد خفض المساعدات الإنمائية والإنسانية كارثياً. يدافع خبير سياسات التنمية في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، توماس راشيل، عن تخفيضات الميزانية، ويرحّب باستخدام أموال التعاون الإنمائي على نحوٍ أكثر فعالية". بينما حذّر مدير برنامج الأغذية العالمي في ألمانيا والنمسا، مارتن فريك، من مخاطر تقليص ألمانيا لتمويل المساعدات الإنسانية والإنمائية، متوقعاً تراجع عمل برنامج الأغذية العالمي بنسبة 40% هذا العام، فضلاً عن العواقب الفورية على المحتاجين في دول مثل أوغندا واليمن وأفغانستان والسودان. 

واعتبر الرئيس التنفيذي لمنظمات التعاون الإنمائي (فنرو)، ميشائيل هربست، أن المزيد من تخفيضات التمويل يُعد تصرفاً غير مسؤول، مشدداً على أن التخفيضات الكبيرة ستؤثر على مائة مليون شخص في حالة هروب أو تشرد، مضيفاً أنّ تخفيض الميزانية مليار يورو سيقلص مساعدات الطوارئ الإنسانية بنسبة 53%، وهذا قُصر نظر من دولة مصنفة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية