فيلم "رجال فوق الشمس"
عربي
منذ 13 ساعة
مشاركة

عندما نتابع فيلماً فإننا نناصر البطل، وتلك فطرة بشرية، ونؤازر المظلوم بالدعاء وأحرِّ الأشواق، ونعادي المجرم ونبغضه ونرجو له الثبور وعظائم الأمور، ونصفّق للبطل عندما ينتصر في النهاية فننتصر به، فقد اتفقت القصص والحكايات السينمائية على انتصار الحقّ واندحار الباطل في الخاتمة. وكنا نهتف في أثناء المتابعة، فاضحين المجرم، ونستحثّ البطل إن تأخّر في الظهور والغلبة كأنّنا جيشه السرّي. ونكاد نصعد إلى الشاشة لإيقاظه من غفوته أو لمساعدته في فكِّ قيوده. وقد اختير الضحيّة هذه المرّة في فيلمنا الذي طال وسيماً، قسيماً، خبيثاً، أمّا البطل فطريداً، نحيفاً، فتزدريه، وسُنَّت قوانين لمقاضاة من يوالي مع الضحية بقانون "معاداة الساميّة"، حتى لو كان الموالي ساميّاً.

أصبحت غزّة فيلماً يُبثُّ يومياً في نشرات الأخبار. ومنذ ما يقارب السنتَين، باتت قصّة الفيلم مملّةً، لا تتطوّر كثيراً مثل أفلام "الحكومة الجادّة" التي كانت تسوق التلاميذ إليها سوقاً، لإثبات غيرتها على أختها. من هذه الأفلام، فيلم "المخدوعون"، المأخوذ من رواية غسّان كنفاني "رجال في الشمس". شاهده الناس بأجرٍ أقلَّ من أفلام المتعة والمغامرات الملوّنة، وفتحت أبواب السينما الغالية للسابلة لرخص ثمن الفيلم وملل أحداثه.

فيلمٌ من أفلام "الأسود والأسود"، فلا عقدةٌ مألوفة ولا متعة ولا تشويق، ولا بياض في آخر النفق ولا في أوله، لقد ضجر أكثرنا من فيلم "مخدوعي غزّة"، وعدالة المحكمة الدولية "الشامخة" الخرساء، الكتعاء، التي باتت متّهمةً بمعاداة السامية، ومن المنظّمات العالمية التي تشجب وتندّد بإسرائيل، فتذهب صيحاتها مع الريح، أو تمضي من غير ريح.

للأفلام مواقيت ومُدد. المدّة المثالية للفيلم ساعتان على الأكثر، أمّا فيلمنا، فمفتوح بلا نهاية، لكنّ ثمّة صابرين، يعضّون على أصابعهم في عواصم بعيدة مثل مدريد، وباريس، ودبلن، وستوكهولم. منتظرين النهاية السعيدة، محتجّين على هذا الفيلم اليومي الدموي. أمّا العرب، فإمّا هم أسرى في سجون مفتوحة، أو مشغولون بالرغيف عند أبواب الأفران، أو عند أبواب السجون أملاً في زيارة معتقليهم، أو هم يعانون من آلام طغاة دمشق الراحلين، أو ألم طغاة تونس ومصر المستجدّين.

فيلم "غزّة" يحكي قصّةً تقليديةً شائعةً في أفلام الرعب الأميركية، وهي قصّة محارب نجا من الحرب العالمية الثانية، أو خرج من مختبرات العلم مثل فرانكشتاين، فمُنح جائزة عن آلامه، كانت الجائزة "أرض من غير شعب، لشعب من غير أرض"، فعُومل ضحيّةً وبطلاً، ونال التكريم على نجاته، وقد تلوّث جسده بنيران الحرب وأشعة الأسلحة المحرّمة فاكتسب "مناعةً خارقةً، جسدية، قانونية، وحصانة أخلاقية تحرّم نقده، بموجب قوانين دولية صارمة. أمّا الضحيّة، فهي أصغر كيان سياسي في العالم اسمه غزّة.

انفرد الوحش الناجي من الحرب العالمية بغزّة المخطوفة كما في أفلام الرهينة والوحش، وأمعن فيه طعناً. لكن غزّة تأبى الموت، وقد أثبتت أنها مخلوق عصيّ على الفناء، خارق بصبره، وباسل بشجاعته. فكلاهما خارق: القاتل والضحيّة، والمشاهدون بين ثلاثة أصناف: العرب والمسلمون، وهم أضعف المتابعين، ومكبّلون بالقهر والخوف. ومناصرو المعتدي الذين يبررون جرائمه، وإن دينَ، فيدان بعض الوزراء والمتطرّفين. الصنف الأخير، هم الأحرار، الذين طبّعوا على نصرة المظلوم، ولا تخدعهم حيل الأنظمة. وقد فقدت المنظّمات الدولية وزنها، وظهرت عاريةً وعاجزةً. أو كأنَّ غزّة هي التي عرّتها وكشفت عجزها. قُتل أعضاء من "المطبخ العالمي"، وأُطلق النار على نواب من أوروبا ودول عربية "صديقة"، والجرائم تُبثُّ على الهواء مباشرةً: مجازر جماعية، تجويع، تعطيش، قنابل محرمة دولياً.

فيلم "رجال فوق الشمس" أو "رجال لا يرون الشمس"، يصدق عليه كلّ أنواع التصنيف السينمائي، فيلم رعب، وفيلم تشويق، وفيلم كوارث وأكشن، وفيلم صراع من أجل البقاء، وفيلم خيال علمي، وفيلم دراما وملحمة، ولا يخلو من لمسات كوميدية حين يظهر "لمبي فلسطين" وهو يشتم "حماس"، أو يبتسم في صورة تذكارية، أو يخرج رئيس عربي (لمبي أيضاً) في الاستراحة لبيع "بوشار" السياسي والجغرافي: جزيرتان مع المايونيز، نهر طويل جدّاً، مستقبل أمّة، إنها مجرّد "بوشار" لدى رؤسائنا "اللمابي" يا أحبابي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية