
في ظلّ عدم استقرار التيار الكهربائي منذ سنوات طويلة في العراق والاعتماد شبه الكلي على المولدات المحلية، يشهد صيف هذا البلد المعروف بارتفاع درجات الحرارة إقبالاً كبيراً على شراء أجهزة التبريد المنزلية، خاصّة تلك التي توفر الطاقة.
وفي العراق ترتفع درجات الحرارة في شهر مايو/ أيار إلى أكثر من 30 درجة مئوية، وتواصل الارتفاع تدريجياً لتستقر في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب عند 40 درجة مئوية، وفي مناطق عدّة لا سيّما في الجنوب تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية في بعض الأيام.
يقول كاظم جواد، الذي يدير متجراً لبيع أجهزة تبريد في حي الكرادة وسط العاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد": "أصبح المواطن العراقي خبيراً بأجهزة التبريد، يعرف ما يريد، ولا يهتم بماركة الجهاز بقدر استهلاكه التيار الكهربائي وقدرته على تحمّل التشغيل فترة طويلة نسبياً"، يضيف: "تنتج بعض الشركات مكيّفات هواء أو أجهزة لتبريد الماء تعمل على تيار كهربائي منخفض بين 1 و5 أمبيرات، ويحرص التجار على توفير أحدث الأنواع بأسعار تناسب كل الشرائح".
وتقول نرمين فاروق (43 عاماً)، وهي موظفة وأم لخمسة أطفال، لـ"العربي الجديد": "لا تصمد أجهزة التبريد التي تعمل على تيار كهربائي منخفض أكثر من ثلاثة أعوام، وهي تناسب الأسر ذات الدخل المحدود"، وتضيف: "ينام جميع أفراد الأسرة في غرفة المعيشة حين ترتفع درجات الحرارة في الصيف. نحن أسرة كبيرة وإنفاقنا مرتفع، ونحاول أن نقتصد قليلاً لذا نشتري 5 أمبيرات كهرباء من المولدة الخاصة التي لا يمكن أن تشغّل كل أجهزة التبريد، ما يضطرنا إلى تخصيص غرفة المعيشة للنوم والتجمع العائلي في أوقات الصيف الشديدة الحرارة".
من جهته، يتحدث سامي محسن (38 عاماً)، وهو موظف في القطاع الخاص، ويقول بنبرة ساخرة تخفي تعبه لـ"العربي الجديد": "أدفع ثلاث فواتير؛ هي كهرباء الحكومة التي تتوفر بين 8 ساعات و14 ساعة يومياً، واشتراك مولد كهرباء خاص، وفاتورة إصلاح جهاز التبريد كل موسم. وإذا لم أحسب المعادلة على نحوٍ صحيح سأكون أسير حرارة الشمس".
ويذكر أنه اشترى حديثاً مكيّف هواء صغيراً صينياً بعدما أبلغه التاجر أنه يشتغل على 3 أمبيرات كهرباء، وأن هذا ما حصل لكن الجهاز لم يبرّد الغرفة كلّها، بل مساحة منها، ويقول: "بالنسبة لي اشتريت الجهاز كي ينام طفلي الصغير الذي يرتفع صراخه ليلاً إذا شعر بالحر".
ويلجأ الكثير من العراقيين إلى حلول جزئية للتبريد، من بينها مراوح الرذاذ وأجهزة التبريد الصحراوية الصغيرة، بسبب عدم القدرة على تحمّل تكاليف تشغيل المكيفات المركزية، التي توجد في منازل فارهة يملكها أثرياء يدفعون فواتير عالية للتزود بتيار كهربائي يشغّل أجهزة تبريد ذات استهلاك عالٍ. أما فهد الجني فيقول لـ"العربي الجديد" إن الأمر "لا يتطلب إلّا توفير القليل من المال وبعض الجهد لعمل مكيف هواء على تيار كهربائي منخفض، وقد صنعت من مروحة صغيرة مكيفاً باستخدام مواد مستعملة وصندوق خشبي أضع فيه الثلج، وحين تدفع المروحة الهواء داخل الصندوق يخرج الهواء بارداً وينعش المكان".
وتخبر هند عبد الستار (61 عاماً)، وهي مدرسة متقاعدة، "العربي الجديد"، أنها تنفق أكثر حتّى من إمكانياتها المادية المحدودة للحصول على تيار كهربائي مستقر وعالٍ يتيح تشغيل مكيفات هواء مرتفعة الكلفة خلال فصل الصيف، وهي تتحدث بمرارة عن اشتداد الصيف عاماً بعد آخر وتراجع الخدمات، وتقول: "رغم إمكانياتي المادية المحدودة اشترت قبل عامين ثلاثة أجهزة تبريد باهظة الثمن من إحدى الماركات العالمية المعروفة بنظام التقسيط، وأدفع نحو 150 دولاراً شهرياً للتزود بتيار كهربائي من أجل الاستمتاع بجو لطيف داخل المنزل في فصل الصيف".
وتصف إنفاقها العالي للتزود بالتيار الكهربائي بأنه "استثمار في البقاء، إذ أعاني من ضيق في التنفس، وهذا مرض عائلي موروث لم يسلم منه أيضاً أحفادي الصغار الذين يسكنون معي في المنزل"، ومع ارتفاع درجات الحرارة تعتبر العواصف الترابية التي تهبّ باستمرار في صيف العراق مشكلة للمصابين بضيق التنفس، لذا تشدّد هند على ضرورة توفير جو بارد ونظيف داخل المنزل في الصيف.
وبحسب الأمم المتحدة، يعدّ العراق من بين أكثر خمس دول تأثراً بالتغيّر المناخي الذي يخفّض معدلات الأمطار وموجات الجفاف والعواصف الترابية، ما يفاقم درجات الحرارة. وتزداد عواصف الغبار في العراق ما يتسبب في حالات اختناق لمن يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي.

أخبار ذات صلة.

