البكالوريا المصرية... ازدواجية تعليمية ومخالفة دستورية هدفها الربح
عربي
منذ 13 ساعة
مشاركة

لم تمنح الحكومة في مصر الشعب فرصة للتعرف إلى النظام الجديد للثانوية العامة المقرر أن يطبق اعتباراً من الشهر المقبل، ليحدد مصير نحو 800 ألف طالب التحقوا بالصف الأول الثانوي، وعليهم ومعهم أسرهم أن يختاروا خلال أيام، بين نظامين تعليميين يطبقان داخل المدارس العامة على مستوى البلاد.
فرض النظام الجديد الغامض قسراً بقوة القانون، وعبّر كثيرون ممن وافقوا عليه، التزاماً بتعليمات الكتلة البرلمانية، عن عدم فهمهم له، لتبقى الأسر والطلاب في حيرة من أمرهم، من دون القدرة على تغيير النظام، أو حتى التحدث عن مخاطره. يتصدى وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، صاحب المشروع الجديد للثانوية العامة، للترويج للقانون بعد صدوره، من دون أن يفلح في توصيل رؤيته. وقد أثار طلبه الموافقة السريعة من مجلس النواب المصري على تعديل قانون التعليم الصادر في سنة 1981، قبل فض الدورة البرلمانية بساعات، وبعد أيام قليلة من إرساله من الحكومة، ردات فعل واسعة بين المختصين، إذ وضع التشريع نظاماً تعليمياً جديداً لشهادة الثانوية العامة، مدته ثلاث سنوات، باسم "شهادة البكالوريا"، من دون مناقشات تفصيلية.

تقول النائبة في البرلمان المصري إيرين سعيد: "حضرت المناقشات في اللجنة المختصة لمدة يومين، ولم أفهم شيئاً عن نظام البكالوريا. وزارة التربية والتعليم لم تقدم لأعضاء البرلمان عرضاً عن النظام الجديد، رغم سريانه على التلاميذ الملتحقين بالصف الأول الثانوي اعتباراً من العام الدراسي الذي سيبدأ عملياً في شهر أغسطس/آب، ورسمياً في نهاية سبتمبر/أيلول المقبل". وتؤكد سعيد أن "مدارس الوزارة غير مجهزة لتطبيق نظام البكالوريا، في ظل ارتفاع الكثافة الطلابية بها، والعجز الشديد في أعداد المعلمين"، وتستنكر فرض الحكومة نظاماً جديداً للثانوية العامة كل خمسة أعوام، من دون تشاور مع أولياء الأمور أو خبراء التربية، بسبب فشل الأنظمة السابقة في التطبيق.
وأعلن مجلس الوزراء المصري، في بيان مقتضب، بعد إقرار القانون، أن "تطبيق نظام البكالوريا المصرية ليس معناه إلغاء نظام الثانوية العامة المعمول به حالياً، حيث سيمثل مشروع البكالوريا مساراً تعليمياً اختيارياً، يطبق جنباً إلى جنب مع نظام الثانوية التقليدي، ولن يكون بديلاً إلزامياً له. نظام البكالوريا يتيح مسارات تعليمية متنوعة تلائم ميول الطلاب وقدراتهم، ويمنحهم اختيار المواد التي يدرسونها، ويستهدف التركيز على تنمية المهارات، بدلاً من الاعتماد على الحفظ والتلقين".
ويمكن اعتبار نظام البكالوريا عودة إلى نظام "التحسين" في مواد الثانوية العامة، والذي اعتمدته وزارة التعليم في العام الدراسي 1994-1995، لكنها سرعان ما ألغته بعد ثلاث سنوات فقط، إثر موجة غضب واسعة وشكاوى متعددة من أولياء الأمور بسبب الارتفاع الكبير في درجات المجموع الكلي للطلاب، والذي تجاوز نسبة 100% بعد إضافة مواد المستوى الرفيع، وما صاحب ذلك من ارتفاع في معدلات الالتحاق بالكليات.
ووفقاً للتفسير الحكومي، فإن الفرق بين نظامي التحسين ونظام البكالوريا أن الأول كان يتيح للطالب أداء الامتحان بين مرتين وأربع مرات في المادة نفسها خلال الدورين الأول والثاني من الفصلين الثاني والثالث الثانوي، ويمنح الطالب حق الحصول على الدرجة الأعلى في المادة المختارة من دون سداد رسوم إضافية. بينما يتيح "البكالوريا" ذلك برسوم مالية بداية من الامتحان الثاني للمادة نفسها، ويقصر المجانية على الامتحان الأول فقط.
تقول وكيلة لجنة التعليم في مجلس النواب، النائبة ماجدة بكري، إن "نظام البكالوريا الجديد يتكون من مرحلتين، الأولى تمهيدية في الصف الأول الثانوي، ويدرس فيها الطلاب اللغة العربية والتربية الدينية واللغة الإنكليزية والتاريخ والرياضيات والعلوم المتكاملة والفلسفة والمنطق، إضافة إلى مواد غير مضافة للمجموع هي اللغة الأجنبية الثانية وعلوم الحاسب الآلي والبرمجة، والمرحلة الثانية تشمل الفصلين الثاني والثالث، ويدرس الطلاب في الصف الثاني الثانوي مواد اللغة العربية واللغة الأجنبية والتاريخ المصري، وأحد المسارات التخصصية التي يختارها من الطب وعلوم الحياة (رياضيات – فيزياء)، والهندسة وعلوم الحساب، وإدارة الأعمال، والآداب والفنون، وفي الصف الثالث يدرس الطلاب مادة التربية الدينية، إلى جانب المواد التخصصية في المسار الذي اختاره كل طالب".
وتضيف بكري لـ"العربي الجديد": "سيعقد الامتحان مرتين سنوياً في الفصلين الثاني والثالث الثانوي، في مايو/ أيار ويوليو/ تموز للصف الثاني، ويونيو/ حزيران وأغسطس/ آب للصف الثالث، مع فرض رسوم على الطلاب الراغبين في تحسين درجاتهم. للطالب ست فرص، بواقع أربع فرص في الصف الثاني، وفرصتين في الصف الثالث، من أجل إعادة الامتحان في أي مادة مع احتساب أعلى درجة ضمن المجموع الكلي، وفرض رسم قيمته 500 جنيه لكل محاولة، بإجمالي ثلاثة آلاف جنيه".

ويزيد عدد الطلاب الذين يؤدون امتحانات شهادة الثانوية العامة المصرية سنوياً عن 750 ألف طالب، ما يدر أموالاً طائلة على خزانة وزارة التعليم، تتجاوز أربعة مليارات ونصف المليار جنيه في العام، في حال استغلال كل طالب فرص التحسين المتاحة له في الفصلين الثاني والثالث. (الدولار= 49.73 جنيهاً).
من جانبه، يقول الخبير التربوي بالمركز القومي للبحوث، كمال مغيث، إن "وزير التعليم محمد عبد اللطيف أدار عدداً من المدارس الدولية التي تعتمد نظام البكالوريا، قبل أن يتولى مهام منصبه الوزاري، والنظام الجديد يتعارض مع مجانية التعليم المنصوص عليها في الدستور، وستكون هناك صعوبات في نجاح النظام الجديد، في ظل العجز الكبير الذي تعاني منه مدارس الوزارة، والذي يصل إلى نحو نصف مليون معلم".
ويضيف مغيث: "وزارة التربية والتعليم فقدت هيبتها عند تولي وزير مشكوك في مؤهلاته، وحديث الوزير عن مجانية نظام البكالوريا في ما يخص الامتحان الأول ليس من المجانية في شيء. البكالوريا نظام دولي معروف ومستقر في العديد من بلدان العالم، لكن نظام التعليم المصري بعيد تماماً عن تطبيقه، ومجلس النواب بات مجرد أداة لتمرير قوانين السلطة الحاكمة بدلاً من الدفاع عن حقوق الناس، ومراقبة ومحاسبة الحكومة".
يتابع الخبير التربوي: "الأمر ليس ابتكاراً، وفي عام 1994، أدخل وزير التعليم الراحل حسين كامل بهاء الدين نظام المواد الاختيارية، إلى جانب المواد الإجبارية في شهادة الثانوية العامة، مع تقسيم المجموع الكلي على عامين، وهو نظام أشبه بالبكالوريا، كونه منح الطلاب حق التقدم إلى امتحان الدور الثاني لتحسين درجاتهم، ما زاد من حصيلة المجاميع التي تجاوزت 100% لأول مرة منذ ظهور الشهادة الثانوية في مصر عام 1887".
ويرى خبراء في التعليم أن إضافة نظام تعليمي لا يناسب الحالة المصرية هدفه المتوقع تفتيت نظام الثانوية العامة، والتي اعتبرت لعقود شهادة مؤهلة لدخول الجامعات، والتي يحق للجميع دخولها من دون دفع مصروفات، وفقاً للتنافسية على المعدلات بما يحقق المساواة، بينما النظام الجديد يسمح لحاملي البكالوريا بالتوقف عن الدراسة، والعمل بتلك الشهادة، أو استكمال التعليم في الجامعات الأهلية والخاصة.
وبينما توقفت الدولة المصرية عن بناء جامعات عامة مجانية، فإنها تتوسع في إقامة جامعات أهلية بمصروفات، إلى جانب عشرات الجامعات الخاصة، المصرية والأجنبية، ومع ارتفاع معدلات الالتحاق بالجامعات الحكومية، يزيد إقبال الطلاب خاصة من ذوي المعدل الضعيف على الالتحاق بالتعليم الأهلي والخاص. 

وقال وزير التعليم المصري أمام مجلس النواب، إن "مجانية التعليم حق يكفله الدستور والقانون، وبالتالي أبقت الوزارة على نظام الثانوية العامة الحالي من دون تغيير لمن يرغب، مع جعل نظام شهادة البكالوريا مجانياً لمحاولة الاختبار الأولى، وفرض رسوم لتحسين درجات الطالب في كل محاولة تالية". وزعم أن "توفير فرصة التحسين للطلاب يقضي على ضغوط الأهالي بشأن الفرصة الواحدة التي تحدد مصير الطالب".
ويحصر فرض مصاريف إضافية لإعادة الامتحانات في ظل تزايد نسب الفقر بين المصريين نظام البكالوريا في فئات معينة قادرة على تحمل التكاليف، ما يزيد فجوة عدم المساواة بين الطلاب. ودفع التزام الحكومة المصرية بسياسات صندوق النقد الدولي، التي تركز على تحرير سعر صرف العملة، ورفع معدلات الفائدة للحد من التضخم، المزيد من المصريين إلى ما دون خط الفقر. ويقدر البنك الدولي عدد السكان الذين يعانون من الفقر في مصر بنحو 60%، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية