الأظفار الطويلة... دلالات على سلالات حاكمة في الصين
عربي
منذ 13 ساعة
مشاركة

رغم أن المجتمع الصيني اليوم لا يهتم بالأظفار الطويلة، لا تزال ذات قيمة عالية في مجالي الجمع والبحث، وخلف هذه العادة البسيطة قصص تاريخية وثقافية لا حصر لها

رغم أنه ليس واضحاً متى اكتسب الصينيون عادة إطالة أظفارهم، تروي قصص كثيرة أهمية أظفار اليدين منذ فترة الممالك المتحاربة (475 - 221 قبل الميلاد) حين كان الرجال والنساء من الطبقات العليا، خاصة المثقفين، يُطيلون أظفارهم رمزاً للثراء، باعتبار أن الأظفار الطويلة تُشير إلى أنّ أصحابها لا يضطرون إلى تنفيذ أعمال يدوية. أيضاً هناك قصص وخرافات حول تقليم الأظفار، مثلاً كانت تُقلّم أظفار شخص متوفى وتُدفن معه.
بحسب كتاب الطقوس، وهو مجموعة نصوص تتناول أهم العادات في عهد تشو (1046-256 قبل الميلاد)، كانت الأظفار وقصاصاتها تُوضع في نعش المتوفى أو تُدفن منفصلة في جانبه، وكانت تُمثّل رمزاً للمودة. وفي رواية "حلم الغرفة الحمراء" التي تتناول عهد أسرة تشينغ (1616-1911)، اختارت خادمة تحتضر أن تقضم أظفارها الطويلة وتُهدي القصاصات لسيدها تعبيراً عن حبها له.
أيضاً اعتبرت الأظفار حينها ثمينة للغاية، خصوصاً أنّها تستغرق وقتاً طويلاً لتنمو، لذا كانت حمايتها ذات أهمية بالغة. وفي عهد أسرتي مينغ (1368-1644) وتشينغ، أصبحت واقيات الأظفار (خو تشي) التي تعني حرفياً "غطاء الأصابع"، والتي استخدمتها نساء الطبقة العليا كحماية وإكسسوارات، من الزينة الشائعة. وكانت هذه القطع المنحنية الشبيهة بالمخالب تُصنع من معادن وأصداف وتُزين بتصاميم وزخارف متنوعة والزهور النادرة رموزاً للحظ السعيد والثروة. وكانت نساء البلاط الإمبراطوري يرتدين واقيات الأظفار غالباً في البنصر أو الخنصر للدلالة على مكانتهن الرفيعة، ويميّزن أنفسهن عن باقي نساء القصر.
واللافت أنّ عادة إطالة الأظفار لم تقتصر على النساء إذ تظهر سجلات قديمة منذ عهد أسرة مينغ أن الرجال كانوا أيضاً مولعين بإطالة الأظفار التي تعني الراحة والتحرر من العمل، وتمييز أنفسهم عن العامة، كما تبنى أبناء عرقية المانشو هذه العادة بعد عهد أسرة تشينغ. وتُظهر رسومات قديمة أن الرجال والنساء كانوا يطيلون أظفارهم، بينما كانت النساء النبيلات يفعلن ذلك، خاصة في اليد اليسرى والبنصر والخنصر. ولأن الأظفار الطويلة تحتاج إلى حماية وتزيين اخترعت أغطية الأظفار التي تُباع عادة في أزواج، ويُلبس زوج منها في خنصر  نفس اليد وبنصرها. ويمكن أن توضع في اليد اليسرى أو في كلتا اليدين.

أسلوب حياة النبلاء

يقول أستاذ الدراسات التاريخية في جامعة صن يات سن، ياو لينغ، لـ"العربي الجديد": "باعتبارها منتجاً ثقافياً من العصر الإمبراطوري، تحمل الأظفار الطويلة دلالات تاريخية وثقافية غنية. في تلك الحقبة كانت ترمز إلى هوية النبلاء ومكانتهم، وتظهر الجمال والأناقة الأنثوية. وللحصول على أظفار أكثر روعة، استخدمت العديد من السيدات النبيلات مواد ومجوهرات باهظة الثمن لتزيينها والحفاظ عليها. ومع تقدم المجتمع وتغيّره، اندثرت ثقافة إطالة الأظفار تدريجياً وتوارت عن أنظار الناس. ورغم ذلك يسمح التعّمق بهذه الثقافة بفهم أسلوب حياة النبلاء القدماء ومفاهيمهم الجمالية. وفي الوقت نفسه، أصبحت هذه العادة إرثاً ثقافياً ذا بصمات تاريخية وثقافية قيّمة. يتابع: "توجد اليوم كثير من أغطية الأظفار الطويلة في المتاحف، وكلّ غطاء يشهد على حقبة تاريخية. والحفاظ على هذه الآثار الثقافية والبحث فيها، يسمح بفهم ثقافتنا التاريخية وتوارثها بشكل أفضل، لتستمر في التألق في المستقبل".

علاقة برّ الوالدين

من جهتها، تقول الباحثة في الدراسات الاجتماعية والتاريخية، لان جو يان، لـ"العربي الجديد": "إطالة الأظفار في حقبة السلالات الصينية الحاكمة كانت أمراً مقدساً، وكانت لا تُقص بسهولة، والسبب الرئيسي هو بر الوالدين. ووفقاً للمعتقدات الكونفوشيوسية التي كانت سائدة حينها، يُورث الجسم والشعر من الآباء، فلا نجرؤ على إتلافهما، لذا اعتبر القدماء الأظفار جزءاً من الجسم يُمنح من الآباء ولا يجوز إتلافها. كان هذا نوعاً من بر الوالدين فاحتفظ القدماء بأظفار طويلة".

تتابع: "فضلاً عن ذلك، كانت الاحتياجات الجمالية سبباً آخر لإطالة الأظفار. أيد ناعمة كالبرابرة، وأصابع كالبصل الأخضر، هو وصف القدماء للأيدي الجميلة، لذا  سعت النساء اللواتي قضين فترة طويلة في بلاط الإمبراطور إلى امتلاك يدين جميلتين إلى جانب محاولتهن أن تكون بشرتهن بيضاء وناعمة مثل الدهون. من هنا عملن بجدية على أظفارهن ومحاولة الحفاظ عليها طويلة كي تظهر أيديهن أكثر نحافة وأرفع. وهكذا أرادت النساء النبيلات الحفاظ على أظفار بطول بوصة أو عدة بوصات". 
ورداً على سؤال حول قص القدماء أظفارهم في ظل المعتقدات التي كانت سائدة حينها، تقول لان جو: "بالطبع يقصّونها، لكن استناداً إلى قواعد لأن القدماء اعتقدوا بأن الأظفار هبة من الآباء وتحتوي على جوهر الحياة. بمجرد قصها بسهولة لن يتلف ذلك الجسم فقط، بل سيُضر أيضاً بالوالدين. ورغم أن هذه خرافة إلى حد ما لكنها تظهر احترام القدماء لآبائهم، لذا عندما كان القدماء يقصون أظفارهم لم يكن عليهم فقط الانتباه إلى وقت القص الذي لا يُفضل أن يكون في بداية العام الجديد، بل أيضاً تجنب العديد من المحرمات، مثل إلقاء قصاصات الأظفار في سلة المهملات، أو حتى جعلها تلامس الأرض، إذ يجب أن تحفظ في مكان مرتفع، نظراً لقداستها".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية