
في مئويته، تختلف أو تتفق حول الدور السياسي لمهاتير محمد وإدارته لملف الصراع على السلطة في بلاده خلال فترة حكمه، لكن يجب ألا تغمض عن حقيقة وهي أنّه مؤسس ماليزيا الحديثة وعراب نهضتها، وواضعها في مصاف الدول الأسرع في معدل النمو لسنوات طويلة، حيث نما اقتصادها بنسبة تزيد على 9% سنوياً حتى عام 1997، وأنّه تمكن خلال فترة حكمه التي امتدت لنحو 24 سنة من تحقيق إنجازات اقتصادية مذهلة وضعت ماليزيا ضمن أحد أبرز نمور آسيا الاقتصادية.
ودعنا نعترف أنّ مهاتير محمد أنقذ بلاده من الوقوع في شراك الدائنين الدوليين ومصيدة قروض صندوق النقد الدولي وروشتاته السامة التي وقعت بها كثير من دول العالم الثالث، وأنّه خلال توليه منصب رئيس وزراء ماليزيا في الفترة الأولى "1981 حتى 2003" نجح في تحويل ماليزيا من دولة زراعية بائسة فقيرة تعتمد كلية على الخارج وتصدير المواد الخام إلى إحدى أهم الدول الصناعية الصاعدة، وأنه خلال سنوات قليلة من حكمه ارتفع دخل الفرد من ألف إلى 16 ألف دولار في السنة، وتراجعت نسبة الفقر إلى أقل من 4%، وانهارت نسب البطالة إلى أقل 3%، وارتفع حجم الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي من 3 مليارات إلى 98 ملياراً، وقفز حجم الصادرات من 15 ملياراً إلى 200 مليار دولار.
مهاتير محمد أنقذ بلاده من الوقوع في شراك الدائنين الدوليين ومصيدة قروض صندوق النقد الدولي وروشتاته السامة التي وقعت بها كثير من دول العالم الثالث
كما أنّ مهاتير "كبير المنطقة" حسب تسمية أبناء بلده، قاد نهضة إنتاجية لعبت دوراً كبيراً في نفاذ السلع الماليزية إلى معظم أسواق العالم، وإحداث طفرة في موارد الدولة من النقد الأجنبي، وتلبية احتياجات السوق المحلية، وأن سياساته الاقتصادية بما فيها التوسع في سياسة الخصخصة ساهمت في توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل من العمل ولم تلقِ بهم في الشارع كما حدث في تجارب دول أخرى، وأنه خلال سنوات قليلة أسس أكثر من 15 ألف مشروع صناعي برأسمال 220 مليار دولار، وفّرت مليوني فرصة عمل.
ولا يختلف أحد على أن مهاتير محمد، الذي يحتفل الماليزيون بعيد ميلاده المائة هذا الأسبوع، هو باني نهضة الدولة الآسيوية الحديثة حيث أحدث طفرة في مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا المتطورة خلال فترة رئاسته الأولى للحكومة والتي شهدت نموًا اقتصاديًا صاحبتها خصخصة واسعة النطاق للصناعات والشركات، وأنّ دولاً نامية كثيرة حاولت محاكاة تجربة الرجل.
ورغم أن سياسات مهاتير الاقتصادية كانت أقرب إلى الرأسمالية إلا أنها لعب دوراً كبيراً في الحد من الأزمات المعيشية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وخفف الأعباء عن المواطن، وأهتم بشكل خاص بالتعليم والصحة البحث العلمي والتدريب المهني؛ وأعطاهم أولوية قصوى، وافتتح مئات الجامعات وأوفد البعثات التعليمية للجامعات الغربية، ووطد العلاقة بين المراكز البحثية والقطاع الخاص.
كما ساهمت سياساته في تحويل ماليزيا إلى إحدى أبرز وجهات استقطاب الاستثمارات حول العالم عبر خفض الضرائب على الشركات وإقرار تشريعات جاذبة للاستثمارات الأجنبية وتطوير القطاع المصرفي والمالي ومكافحة الفساد والاحتكارات وسيطرة المال على المشهد السياسي والبيروقراطية.
لولا اندلاع الأزمة المالية العالمية في 1991 وبعدها الأزمة المالية الآسيوية وقضايا الفساد الضخمة التي حدثت في حكومات ما بعد مهاتير لأصبحت ماليزيا الآن في مصاف الدول المتقدمة
ولولا اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 1991 وبعدها الأزمة المالية الآسيوية التي بدأت في تايلاند في منتصف عام 1997 وقضايا الفساد الضخمة التي حدثت في حكومات ما بعد مهاتير محمد لأصبحت ماليزيا الآن في مصاف الدول المتقدمة ذات الدخل المرتفع والنهوض الاقتصادي والصناعي مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وألمانيا واليابان.
نعم كانت هناك أخطاء جوهرية ارتكبها مهاتير محمد، من أبرزها إقالة أنور إبراهيم من منصب وزير المالية ونائب رئيس الوزراء، والإساءة إليه في خضم أزمة 1998 الاقتصادية رغم الدور الكبير الذي لعبه أنور في تعافي الاقتصاد الماليزي بسرعة من أزمة النمور والإفلات من مصيدة صندوق النقد والبنك الدوليين، لكن يحسب لمهاتير محمد أنه وضع بلاده على خريطة الاقتصاد العالمي.

أخبار ذات صلة.
