
يثير التقاعد المبكر في الأردن، جدلاً واسعاً في الأوساط العمالية، لا سيما في ظل الارتفاع المسجل في الحالات خلال الثلاث سنوات الماضية، لدرجة أن بات بمثابة أداة للاستبعاد الوظيفي كون القانون أصبح يعطي الحق لصاحب العمل إحالة أي موظف إلى التقاعد، ما يحرمه من حقوق مالية ووظيفية مهمة.
والخطورة تكمن في أن أعداداً كبيرة من الموظفين يحالون إلى التقاعد المبكر، ولا يُسمح لهم بالانخراط في مجالات عمل أخرى، وتنفذ عقوبات مالية مغلظة بحق من يضبط يعمل بعد تلك المرحلة في الوقت الذي يفقد الشخص كثيراً من دخله الذي كان يتقاضاه أثناء العمل.
ونبهت منظمات عمالية وحقوقية إلى المخاطر التي تنطوي عليها الإحالات على التقاعد المبكر سواء على الأوضاع المعيشية وزيادة الضغوط المالية على المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، التي تدفع الرواتب والحقوق المالية اللاحقة للعاملين المحالين على التقاعد المبكر بالإضافة إلى تقاعد الشيخوخة.
المرصد العمالي الأردني (مؤسسة مجتمع مدني) ذكر في تقرير له أن المتقاعدين مبكراً في الأردن يشكلون ما نسبته 63% من إجمالي المتقاعدين، مسجلين 160 ألف متقاعد ومتقاعدة من إجمالي المتقاعدين والبالغ عددهم 259 ألفاً، مشيرا إلى أن الأمر بات "ظاهرة توسّعت لتتحوّل أحياناً إلى أداة استبعاد وظيفي".
وأضاف المرصد في التقرير الصادر يوم الاثنين الماضي، والذي اطلعت عليه "العربي الجديد" أنه رغم أن نظام التقاعد المبكر وُضع في الأصل ليشمل أصحاب المهن الخطرة تحديداً، فإن تطبيقه في الأردن توسّع ليطاول شرائح واسعة من العاملين، ولا سيما في القطاعين الصحي والتعليمي بالقطاع العام، حيث سُجِّل تزايد ملحوظ في أعداد المتقاعدين مبكراً، بعيداً عن حصره في المهن التي تقتضي طبيعتها هذا النوع من التقاعد.
وأشار إلى أنه حصر في الفترة الأخيرة تزايد حالات الإحالة القسرية للتقاعد المبكر، خصوصاً في قطاعي التعليم والصحة، حيث أُجبر موظفون وغالبيتهم يعملون في القطاع العام على إنهاء خدماتهم دون رغبتهم أو تقدمهم بطلب رسمي.
وتظهر شهادات المتقاعدين مبكراً حسب المرصد معاناتهم نتيجة إحالتهم المفاجئة إلى التقاعد، رغم اقترابهم من سن التقاعد القانوني وتمتعهم بسجل مهني متميز، ما أثر بشكل مباشر على استقرارهم المعيشي والأسري، خصوصاً وأن التشريعات تمنعهم من العمل لمدة عامين بعد التقاعد.
وقال متقاعدون إن قرارات الإحالة صدرت دون توضيحات كافية، ما أربك خططهم الحياتية والمالية وأدى إلى خسائر كبيرة في رواتبهم التقاعدية، بيد أنهم يعانون صعوبة في تأمين التزاماتهم الأسرية والمعيشية. وانتقدوا ما وصفوه بـ"سياسة الإحلال والتدوير" التي تغلّب الأرقام على الكفاءة، ويشيرون إلى أن القرار حرمهم من حقهم في استكمال سنوات خدمتهم ومساهمتهم في تطوير مؤسساتهم.
بدوره، قال الناطق الإعلامي لمؤسسة الضمان الاجتماعي محمود المعايطة، إن المادة 64 من قانون الضمان الاجتماعي والتي تتعلق بتنظيم أحكام وشروط الحصول على راتب التقاعد المبكر تحتاج إلى تعديل. وأوضح المعايطة أن معظم حالات التقاعد المبكر في القطاع العام لا تكون طوعية، بل نتيجة ضغوط وسياسات إحلال، وبخاصة في قطاعي الصحة والتعليم، ما يجعل الموظفين يغادرون عملهم قسرا رغم أن كثيرا منهم كانوا قد قاربوا سن التقاعد الوجوبي.
ووفق خبير التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي، فإن التوسع في التقاعد المبكر القسري له تبعات سلبية على المتقاعدين والمتعطلين من العمل والاقتصاد الوطني والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ذاتها. وأضاف الصبيحي أن ضعف الأجور الأساسية يؤدي إلى ضعف الرواتب التقاعدية، ما يُسهم في رفع معدلات الفقر والبطالة، لأن المتقاعدين مبكراً ينافسون المتعطلين من العمل على فرص العمل.
وأشار إلى أن الأفراد بعد التقاعد يرغبون في البحث عن عمل ثان وربما يكون في قطاعات العمل غير المنظمة أو بعمل منظم دون إبلاغ مؤسسة الضمان الاجتماعي بذلك، حتى يوفوا باحتياجات أسرهم والتزاماتها، ولديهم خبرة ويقبلون برواتب أقل ويزاحمون الباحثين والمتعطلين من العمل في الحصول على فرص العمل.
وأوضح أن المشكلة تكمن في الفقرة "ب" من المادة 173 من نظام الخدمة المدنية، التي تجيز للمرجع المختص بالتعيين إنهاء خدمة الموظف إذا استكمل شروط التقاعد المبكر، سواء بناءً على طلبه أو بدون طلبه، مشددا على ضرورة تعديل هذه الفقرة.
وأكد أن الاستمرار في هذه السياسة سيؤدي إلى تآكل الفائض التأميني لدى مؤسسة الضمان وتراجع استثماراتها، وسيتأثر المركز المالي للضمان سلباً بصورة ملموسة خلال السنوات القادمة، وستتقلص الإيرادات التأمينية للمؤسسة ويتناقص الفائض التأميني السنوي تدريجياً إلى أن يتلاشى، ما ينعكس سلباً على استثمارات الضمان.
وأشار إلى أنه بعد مرور 45 عاماً على بدء مؤسسة الضمان بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي، باتت المؤسسة تواجه تحديات صعبة، تحتاج رؤية ثاقبة وميكانيزمات جديدة وقدرة وإمكانات أكبر على المواجهة. وقال إن أعداد متقاعدي الضمان تنمو بوتيرة عالية، والتقاعدات المبكرة من جهاز الدولة العام ضخمة، ونشاط الاستثمار لأموال الضمان لا يعطي العائد المطلوب اكتوارياً، واقتراضات الحكومة من أموال الضمان ناهزت ثُلثيْ أموال المؤسسة، وأعداد المشتركين الفعّالين لا تنمو بشكل كافٍ، والتهرب التأميني بات ظاهرة كبيرة مستفحلة ضارية وضاربة، والعاملين في قطاع العمل غير المنظّم يتنامون بكثرة، ومعدلات البطالة لا تزال مرتفعة جداً في أوساط الشباب.
