
سبتمبر نت/ مقال – عبدالعزيز العرشاني
لم يكن الكهنوت الإمامي يحبذ العلم ولا التعليم ولا الناس المتعلمين وأصحاب الوعي والعقلاء، ولذا حاربهم بأقوى ما لديه حتى لا تنتقل عدواهم للشعب اليمني، إذ كان يعتبر العلم والفكر والمنطق مرض خطير مُعدي يجب القضاء عليه وعلى من يعتنقه.
وفي ظل حكم طغمة ترى العلم والوعي خطيئة عظمى وأي قبس من نور خطر وجودي يهددها ويجب القضاء عليها عانى الثائر الشهيد علي ناصر القردعي من وعيه أشد المعاناة، وغيره الكثير من الثوار عانوا على نفس شاكلته، وخوفا من توعيته لقبائل مأرب ورجالها أُهدر دمه وأستُبيح ماله، ففر من بين أهله وناسه شريدا طريدا متنقلا بين صحاري مأرب وجبالها لأشهر عديدة مفضلا الوحدة والوحشة ورفقة الحيوانات الوحشية على القرب من الظالم الكهنوتي يحي حميد الدين وأسرته الحاكمة وجلاوزته.
خلال فراره في الصحاري والشعاب ورؤوس الجبال كان يجد يوما وجبة طعام وأياما أخرى يظل طاوي البطن، وفي إحدى لياليه بعد أن استلقى على الأرض وتوسد تحت رأسه حجر مستطيل محتضنا إلى صدره رفيقة دربه بندقيته التي لا تفارقه متأملا القمر المشع والنجوم اللامعة كنقاط بيضاء على ثوب أسود سمع صوت عواء ذئب فحرك شجونه وأثار مواجعه فتذكر أهله وإخوانه وأفراد أسرته ومنزله وجيرانه وذكرياته بِحلوها ومُرِّها المحفورة في كل جهة وزاوية من ديرته، فسجل حالته في لفتة تاريخية إنسانية محملة بالعاطفة الجياشة رغم صلابته وشدته وقوة بأسه محاكيا في قصيدته شعور ملايين المُهجرين والمشردين والنازحين عن أهلهم ومساكنهم ومراتع صباهم وشبابهم كجائحة ثانية نكبت اليمنيين على أيدي مليشيا الإرهاب الحوثية لا تشابهها إلا خراب سد مأرب وتشرد اليمنيين إثر ذلك في الجزيرة العربية فأنشد بالقول:
الذيب من راس البلق يعوي، وريته ماعوى
يعوي من الفرقاء، وأنا مثله عويت
ياذيب لا تعوي وأنا وإياك في الحالة سوى
لنته عيونك دمعت فأنا بكيت
من ديرتي محروم قلبي من هواها ما أرتوى
يوم أنت ياذيب الخلاء منها أرتويت
بالله خبرني عن الديره، عن الماء والهواء
عن المطر والسيل حيث أنته سريت
سلم على أصحابي من أصغرهم إلى أعلى مستوى
وأنشد عن أفراد القبيلة بيت بيت
وأن حد نشد عني: زماني راح والعمر أنطوى
الوقت يتقارب وأنا ياريت ريت
رحنا وجينا وأنتهى المشوار والحامي ضوى
واليوم يا بو زيد كنك ما غزيت
ظهرت المقالة الكهنوت القديم الجديد أولاً على سبتمبر نت.