
حذّر رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أيال زامير، من أنّ استمرار الحرب على قطاع غزة من شأنه تعريض حياة المحتجزين الإسرائيليين للخطر، معتبراً أنها الحرب "الأكثر تعقيداً؛ إذ ثمة تناقض بين استمرار المناورة البرية والمحتجزين، الذين نعرّض حياتهم للخطر". أقوال زامير أتت في خضم اجتماعين عقدهما المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، مساء أمس الاثنين، وأوّل أمس الأحد، وقد نقلت بعض وقائعهما صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الثلاثاء، نقلاً عن مشاركين فيهما. وبحسب هؤلاء أقرّ زامير بأنّ المحتجزين "يتعرضون لتعذيب شديد، وضعهم صعب جداً".
أمّا وزير المالية والأمن القومي بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، فقد أبديا غضبهما وفقاً للصحيفة؛ إذ قال بن غفير "بالذّات الضغط العسكري الإضافي سيُسهم في إعادة المختطفين ولن يمسهم"، ليضيف سموتريتش: "نحن أيضاً نرغب بعودة المختطفين، ولكننا لسنا مستعدين للتفريط بدولة كاملة. الجيش يوجه المستوى السياسي ليقرر ما الذي ينبغي عليه فعله". وتابع الوزيران هجومهما على زامير بزعم "وصول المساعدات الإنسانية إلى حماس". واعتبر سموتريتش، وهو الوزير الثاني في وزارة الأمن، أنه "لا يمكن إنكار أنه كان هناك قرار من الكابينت يفرض على الجيش التيقن من عدم وصول المساعدات إلى حماس، والجيش لم ينجح في مهمته"، عادّاً "كل شاحنة تصل لأيدي حماس" بأنه "فشل للجيش".
أمّا بن غفير، فرأى وفقاً لوقائع الجلستين، أنه "نفعل مزيداً من الشيء نفسه- نغرق في الوحل (في غزة). فالخطط التي استعرضت كانت مغايرة تماماً عما يجري في الميدان. دعوا الجيش يندفع بقوة. لم يسبق أن كانت هناك حرب يُمنع فيها القضاء على العدو بسبب أسرى". وأوضح أنّ "الهدف الرئيس هو القضاء على حماس والحؤول دون أسر مختطفين مستقبلاً". وتابع الوزير المتطرف: "الآن يمكن استعادة العدد الأكبر من المختطفين بوقف المساعدات وزيادة الضغط العسكري عبر تقدم الجيش في جميع أنحاء القطاع". غير أن كلام بن غفير "لم يرقَ" لرئيس الأركان، الذي ردّ بنبرة حادّة، بحسب الصحيفة، قائلاً إنه "مع كل الاحترام، هذا بالضبط ما نفعله".
وعندئذن انضم سموتريتش ليدلي بدلوه: "ينبغي إقامة منطقة إنسانية جنوبي نتساريم لينقل السكان المتواجدون في الشمال إليها، ومن ثم الشروع في مناورة برية سريعة تقضي على حماس في المناطق الخالية من السكان. كان على الجيش فعل ذلك قبل شهرين وهو ما لم يقم به". وتوجه إلى زامير بالسؤال: "ما الذي فعلتموه مذّاك؟". ليردّ رئيس الأركان: "من الصعب السيطرة على مليون ونصف المليون إنسان. هم معتادون على التحرك بأعداد كبيرة وقد يُشكّلون خطراً على قواتنا أيضاً"، ليقاطعه سموتريتش بالقول: "كنّا في هذه الغرفة مع رئيس الأركان السابق (هرتسي هليفي)، وتحدثنا عن النموذج الإنساني. سنة ونصف السنة بعد ذلك لم يحدث أي شيء، إذاً لماذا لا شيء يتغيّر؟ ما الذي تبدّل منذ عربات جدعون؟" في إشارة إلى الخطة الإسرائيلية للفصل الجديد من الإبادة.
زامير ردّ من جهته: "نحن نحارب منذ ذلك الحين، ما الذي يحدث هنا؟ أهذه نكته؟"، فتدخل بن غفير: "الجنود في خطر لأنهم لا يتقدّمون". ليعود زامير قائلاً إنه: "نحن نسيطر حالياً على 75% من الأراضي، ويتطلب الأمر قراراً لمواصلة الطريق"، فاعترض سموتريتش: "ولكنكم تسيطرون على 50% فقط، و25% هي نيران مضادة. فهمت ما الأمر الخطأ في خطتنا، في كل ما نقترحه أنت تقول ما المشكلة. أنت رئيس الأركان- فقل اقتراحك". وفي الأثناء، دخل على الخط وزير الأمن، يسرائيل كاتس، قائلاً: "نحن من سيقرر- المستوى السياسي هو من سيقرر. نحن نتحمّل المسؤولية عما سيحصل".
سيناريوهات متكررة بشأن الحرب على غزة
وخلال الجلسة استعرض جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً من السيناريوهات بشأن حرب الإبادة في غزة تراوحت ما بين "التوصل لصفقة تبادل أسرى، واحتلال كامل للقطاع، وفرض حصار حتّى رضوخ حماس وافتتاح مزيد من مراكز المساعدات الإنسانية"، وهو أمرٌ يتطلب، بحسب الصحيفة، كلفة مالية كبيرة، وشهرين للتجهز. من جهته، قال رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إنه "ينبغي السعي بقوة نحو صفقة"، مطالباً بأن يضغط الأميركيون على دولة قطر بما أسماه "المطارق". وشاركه فيما تقدّم، رئيس حزب "شاس"، أرييه درعي، معتبراً أن الأمر الأكثر أهمية حالياً "هو التوصل لصفقة، وعدم تبديد الإنجازات التي حققتها إسرائيل في حربها على إيران"، على حد وصفه.
في غضون ذلك، قال مصدر إسرائيلي للصحيفة "لا نزال بعيدين عن صفقة مختطفين. نأمل في أن ينجح (وزير الشؤون الاستراتيجية، رون) ديرمر (الذي يزور الولايات المتحدة حالياً) في التوصل لشيء ما مع الأميركيين"، معتبراً "احتلال القطاع يُعرّض المختطفين للخطر"، ومؤكداً أنّ "ثمة خلاف بين المستوى السياسي على هذا الموضوع". وطبقاً لما نقلته الصحيفة عن مصادر مطلعة على وقائع جلستي الكابينت المصغر فإنّ "رئيس الحكومة يرغب في التوصل لصفقة تبادل، ولكن حتى الآن لم يتحقق أي اختراق. وبالنسبة للنقاش الدائر حول استمرار الحرب والمساعدات الإنسانية تم التوافق على عدّة مسارات سواء نحو صفقة أو تعميق القتال". وأقرّ بأنّ "على نتنياهو اتخاذ القرار بشأن ذلك".
عائلات المحتجزين أما "لحظات مصيرية"
على ما تقدّم، ردّت هيئة عائلات المحتجزين الإسرائيليين، في بيان، قالت فيه إنّ "رئيس الأركان رفع راية سوداء أمام المستوى السياسي. دماء الأسرى ومعاناتهم تصرخ من الأرض. لا يوجد وزير يمكنه الادعاء بأنه لم يعرف ما معنى الاستمرار في حرب بلا نهاية وعديمة الأهداف في غزة". وتابعت: "الأسرى في حالة حرجة – بعضهم يتهدده خطر الموت الفوري، وبعضهم في مواجهة خطر الفقدان إلى الأبد". واعتبرت أن "من يرفض الاستماع لتحذير رئيس الأركان يزيد الطين بلّة. نحن في لحظات مصيرية، وإسرائيل تقف أمام مفترق طرق حاسم – إما اتفاق شامل يعيد الجميع ويضمن نصراً إسرائيلياً، أو بكاءٌ لأجيال وغرق في مستنقع غزة".
المفاوضات مع حماس وزيارة نتنياهو لواشنطن
في الأثناء، أكدّت إسرائيل زيارة رئيس حكومتها المقررة بعد أسبوع إلى واشنطن؛ حيث سيلتقي هناك مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وذلك في إطار زيارة هي الثالثة من نوعها منذ عودة ترامب للبيت الأبيض، في يناير/ كانون الثاني المنصرم. الزيارة، وفقاً للصحيفة، تأتي على وقع الضغوط الأميركية للتوصل إلى صفقة. أمّا من جهة نتنياهو، فهو يأمل أن تفضي نتائجها إلى صفقة تبادل، واتفاق (أمني) مع سورية، وتفاهمات مع الرئيس الأميركي بخصوص إيران.
في غضون ذلك، نقلت الصحيفة عما زعمت أنها "مصادر" في حركة حماس قولها إنّ "الحركة عادت للبحث في مقترح (مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف) ويتكوف، بشأن اتفاق موقت، سيستمر 60 يوماً". وطبقاً للمصادر ذاتها، فإن "التغييرات ستكون بسيطة.
وستشمل تعديلاً على ثلاث بنود فحسب: تثبيت وقف إطلاق النار خلال المفاوضات حول المراحل المقبلة؛ إدخال كمية هائلة من المساعدات إلى قطاع غزة خلال فترة وقف إطلاق النار؛ وتغيير مواقع انتشار الجيش الإسرائيلي في مناطق معينة من قطاع غزة من أجل تقليل الاحتكاك مع سكانه". إلى ذلك، لفتت المصادر إلى أنه ثمة ضغط كبير من جانب الدول الوسيطة: مصر وقطر والولايات المتحدة على قادة الحركة، وذلك في إطار ما عدّته "محاولة للتوصل إلى اتفاق سريع ومنع تصعيد إضافي".
