إسرائيل وإعادة إنتاج النازية بالصهيونية
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

منذ منتصف القرن العشرين، رسّخت السردية الغربية، لا سيما الأميركية، صورة النازية الألمانية بوصفها ذروة الشر السياسي، وجعلت منها حجر الزاوية في تبرير كثير من السياسات الغربية اللاحقة، وعلى رأسها دعم قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي. لكن المفارقة الكبرى أن النموذج النازي الذي أُدين عالمياً لم يُقبر تماماً، بل أُعيد إنتاجه بشكل أكثر فتكاً وشراسة، وهذه المرة تحت لافتة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" و"حق الدفاع عن النفس". إنها صهيونية نتنياهو.

يُشكل بنيامين نتنياهو التجسيد السياسي لعقيدة صهيونية استعلائية، ترى في الآخر العربي والمسلم تهديداً وجودياً دائماً، وتُبرر "الإبادة الوقائية" كحق مشروع. بهذا المعنى، لا يختلف منطق نتنياهو عن منطق هتلر كما فُسِّر لاحقاً: الآخر خطر دائم، والحل الوحيد هو الإلغاء الكلّي له.

وكما قدّمت النازية مبرراتها من خلال أسطورة "التفوّق الآري"، فإن الصهيونية المعاصرة تقدّم طروحاتها عبر خطاب "شعب الله المختار"، و"حق إسرائيل في الوجود"، و"محاربة الإرهاب"، و"الخطر الإيراني"، و"مكافحة معاداة السامية"، وهي شعارات تُستخدم كأدوات سياسية لتبرير العنف، أكثر مما تعبّر عن معانٍ أخلاقية.

يبدو أن مشروع نتنياهو الصهيوني، المدعوم أميركياً، يدفع الشرق الأوسط والعالم إلى صراع لا يمكن احتواؤه

شهدنا في السنوات الأخيرة - وخاصة بعد حرب الإبادة في غزة - تصعيداً غير مسبوق من قبل حكومة الاحتلال، تُوّج بتوسيع رقعة العنف إلى لبنان وسورية، والآن نحو إيران. وكل ذلك يجري تحت ذريعة الدفاع عن النفس، حتى لو كان "التهديد" على بُعد آلاف الكيلومترات. هكذا نكون أمام نموذج دولة مارقة بكل المقاييس، لكنها تحظى بشرعية دولية زائفة، وغطاء أميركي وغربي غير مشروط.

لكن التشابه مع النازية لا يقتصر على منطق الإبادة والعدوان، بل يمتد إلى أثره العالمي المدمّر. وكما جرّت ألمانيا الهتلرية أوروبا والعالم إلى أتون حرب عالمية شاملة، يبدو أن مشروع نتنياهو الصهيوني، المدعوم أميركياً، يدفع الشرق الأوسط والعالم إلى صراع لا يمكن احتواؤه ضمن الحدود الجغرافية التقليدية. من غزة إلى جنوب لبنان، إلى سورية، ثم إلى الداخل الإيراني، تتسع دائرة النار، بينما يصفّق الغرب للضحية حين تُذبح، ويتغافل عن الجلاد حين يقتل بدم بارد.

الرهان على استمرار "الردع الصهيوني" دون كلفة استراتيجية بات وهماً. فإيران، رغم إنهاكها، لم تُكسر، وروسيا، رغم انشغالها بالحرب في أوكرانيا، لا تزال حاضرة سياسياً واستخباراتياً في الإقليم. أما الصين، فترى في تفجّر الشرق الأوسط تهديداً مباشراً لمبادراتها الكبرى مثل "الحزام والطريق".

وإذا ما اشتدت الأزمة، فإن دولاً مثل تركيا وباكستان - بحكم الموقع والدور والديناميات الإقليمية - قد تجد نفسها أمام لحظة اضطرار لاتخاذ موقف، خاصة إذا وقع تدخل مباشر (أميركي-أوروبي-إسرائيلي) ضد إيران في الشهور المقبلة.

هل بات مصير العالم مرهوناً بهوس نتنياهو بالحروب المفتوحة، لتثبيت بقائه في الحكم من خلال صناعة الخطر وافتعال المعارك؟

وهنا تتجلى الإشكالية الأعمق: هل سيبقى العالم رهينة ابتزاز "الضحايا المزمنين"، الذين يواصلون القتل المنهجي باسم الذاكرة الجمعية؟ وهل يمكن لنظام عالمي يزعم الدفاع عن القانون والسلم، أن يتغاضى عن مشروع إجرامي تتطابق بنيته مع النازية التي حاربها بالأمس؟ وهل بات مصير العالم مرهوناً بهوس نتنياهو بالحروب المفتوحة لتثبيت بقائه في الحكم من خلال صناعة الخطر وافتعال المعارك؟

الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في احتمال اندلاع حرب كبرى مع إيران، بل في الكيفية التي يُعاد بها تشكيل مفهوم الشرعية الدولية، حيث تصبح القوة فوق القانون، والمجزرة فعلاً دفاعياً مشروعاً. هذا الانقلاب الفلسفي في المعايير يهدّد ليس فقط الشرق الأوسط، بل فكرة السلم العالمي نفسها.

صحيح أن التاريخ لا يعيد نفسه حرفياً، لكنه يعيد إنتاج ذاته في هيئة كاريكاتورية أشد عنفاً. وبين نازية هتلر وصهيونية نتنياهو، نقف أمام وجهين لنظام واحد: نظام يؤمن بأن العالم يجب أن يُعاد تشكيله على صورته.. ولو بالدم!

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية