
سجّل الدينار الجزائري تراجعًا مفاجئًا، وتاريخيًا أيضًا، أمام اليورو في السوق الموازية بالتزامن مع عطلة الصيف وإعلان السلطات عن تدابير لتقنين "تجارة الشنطة"، أو ما اصطلح عليه محليًا بـ"الاستيراد المصغر"، ودمجها في الاقتصاد الرسمي، ويُتوقّع أن تزيد من الطلب على النقد الأجنبي في الأشهر المقبلة. وكما هو معلوم، فقد أصدرت السلطات الجزائرية يوم الأحد 28 يونيو/تموز مرسومًا تنفيذيًا حدّد شروط وكيفيات ممارسة الاستيراد المصغر عبر الحقائب (تجار الشنطة)، من بينها عدم تجاوز قيمة السلع مليونًا و800 ألف دينار جزائري في كل رحلة، ما يقارب 14 ألف دولار (1 دولار = 129 دينارًا)، وبحد أقصى رحلتين شهريًا.
ويُشترط في ممارسي هذا النشاط أن يكونوا حاملين بطاقةَ "المقاول الذاتي"، وهي الصفة القانونية التي تسمح لهم بالعمل بشكل مستقل في إطار مبسط، مع فرض حقوق جمركية مخفضة بنسبة 5% على السلع والمنتجات المستوردة وفق هذه الصيغة. وأفاد شباب يمتهنون صرف العملات الأجنبية في ساحة بور سعيد في قلب الجزائر العاصمة، المعروفة بـ"السكوار"، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الطلب على النقد الأجنبي، وخصوصًا اليورو، ارتفع بشكل كبير ومفاجئ بداية من يوم الأحد، مشيرين إلى أن جلّ العمليات التي قاموا بها طيلة يومي الأحد والاثنين كانت عبارة عن بيع للعملة الصعبة بالنظر لوجود طلب كبير عليها.
وبلغ سعر اليورو الواحد في السوق الموازية مساء الأحد 264 دينارًا للبيع عند الصرافين، بينما بلغ عند الشراء 261.5 إلى 262 دينارًا، معتبرين أن مستوى الدينار الجزائري هذا مقابل العملة الأوروبية الموحّدة لم يسبق أن بلغه من قبل. وأشار الصرافون إلى أن سعر صرف اليورو الواحد في السوق السوداء كان قبل أيام فقط يتراوح ما بين 258 و260 دينارًا. ويبلغ سعر صرف العملة الجزائرية مقابل اليورو في السوق الرسمية 151 دينارًا لكل يورو، بحسب الأسعار المعتمدة من طرف بنك الجزائر المركزي لهذا الأسبوع.
ورفض الباعة الذين تحدث إليهم "العربي الجديد" تقديم تفسيرات لهذا الارتفاع المفاجئ في الطلب، وأيضًا في تراجع الدينار مقابل اليورو، واكتفوا بالإشارة إلى أن الطلب ارتفع بشكل كبير ومفاجئ، بغض النظر عن سببه، سواء كان راجعًا للعطلة الصيفية ورغبة الآلاف من المواطنين في قضاء العطلة خارج أرض الوطن، أو قرار السلطات تقنين تجارة الحقائب.
مفارقة الدولار وهبوط الدينار الجزائري
المفارقة التي رافقت هبوط عملة الجزائر مقابل اليورو تزامنت مع مكاسب غير متوقعة حققتها مقابل الدولار على الصعيد الرسمي لدى البنوك وأيضًا في السوق الموازية. ويُشير موقع بنك الجزائر المركزي على شبكة الإنترنت إلى أن سعر صرف الدولار الواحد يساوي 129 دينارًا، ما يعني أن العملة الجزائرية قد حققت مكاسب مقابل الورقة الخضراء أفضل من تلك التي رسمها لها قانون الموازنة العامة (نحو 135 دينارًا لكل دولار).
أما في السوق الموازية، فقد بلغ سعر صرف الدولار الواحد يوم الاثنين 30 يونيو/حزيران 223 دينارًا، علمًا أنه قبل بضعة أشهر فقط، كان عند مستوى 244 دينارًا لكل دولار واحد. وحسب صرافي العملة بساحة بور سعيد في العاصمة، فإن الطلب على الدولار الأميركي يشهد تراجعًا كبيرًا منذ عدة أشهر، وتحديدًا منذ إعلان الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم على عدة دول.
ويعتقد الخبير المالي والجبائي أبو بكر سلامي أن ارتفاع العملات الأجنبية في هذه الفترة من السنة، التي تتسم بموسم العطل، مقارنة بالدينار الجزائري، أمر عادي ومتعارف عليه بالنظر إلى زيادة الطلب على النقد الأجنبي. وأوضح الخبير سلامي في حديث لـ"العربي الجديد" أن تأخر تطبيق القيمة الجديدة للمنحة السياحية التي أقرتها السلطات، والمقدّرة بـ750 يورو، دفع الكثير من المواطنين والعائلات إلى اللجوء إلى السوق السوداء وعدم الانتظار أكثر بحثًا عن العملة الصعبة بهدف قضاء العطلة خارج أرض الوطن.
كما عزا المتحدث ارتفاع الطلب أيضًا على اليورو، وبالتالي تراجع الدينار الجزائري في السوق السوداء، إلى استمرار استيراد السيارات المستعملة أقل من ثلاث سنوات من طرف المواطنين، وهي عملية تتطلب توفير مبلغ بالنقد الأجنبي لاقتناء المركبة من الخارج. وبخصوص صدور مرسوم تقنين الاستيراد المصغر، أو ما يُعرف بـ"تجارة الشنطة"، أشار سلامي إلى أن هذا الأمر ساهم أيضًا في ارتفاع الطلب على اليورو، خصوصًا أن الكثيرين اعتقدوا أن تطبيقه سيكون قريبًا في أسبوعين أو ثلاثة، وهذا أمر خاطئ بحسبه. وعلق بالقول: "لا أعتقد أنه سيكون مفعّلًا قبل بداية 2026، خاصة أنه يشتمل على مواد تتعارض مع قانون الضرائب المباشرة، وأخرى تتعارض مع المرسوم المحدد للنشاطات الممارسة من طرف المقاول الذاتي".
