الغرب يستنزف الاقتصاد الروسي عبر سباق تسلح طويل الأمد
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

يبدو أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي يعيدان رسم مشهد الحرب الباردة من جديد، ولكن بأدوات حديثة تهدف إلى استنزاف الاقتصاد الروسي في وقت تواجه فيه موسكو تحديات متراكمة بسبب حربها المستمرة في أوكرانيا. ففي قمة لاهاي الأخيرة، اختارت الدول الغربية تخصيص المزيد من المال لدعم الصناعات الدفاعية وزيادة الإنفاق العسكري، وهو ما يضع روسيا في موقف صعب إذا أرادت مجاراة الغرب في سباق تسلح جديد. بينما توحّد أوروبا وأميركا صفوفها في إطار الحلف الأطلسي، يجد الروس أنفسهم من دون تحالف موازن أو داعم قوي على الطرف الآخر، ما يعمّق عزلتهم الاستراتيجية.

وقد عبّر الكرملين عن استيائه من هذه التطورات. وقال المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف إن قرار الناتو بإنفاق 5% من الناتج المحلي على التسلح "يثبت أن الحلف وُجد للمواجهة، وليس للسلام"، مندّدًا بما وصفه بـ"العسكرة المحمومة" التي ترسم صورة عدائية لروسيا لتبرير تصعيد التسلح.

ركود الاقتصاد الروسي ممكن؟

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، تخصص روسيا نحو 40% من ميزانيتها للإنفاق العسكري والأمني، وهو ما يمثل حوالي 7% من ناتجها المحلي الإجمالي، بحسب وكالة بلومبيرغ. ويعني هذا أن أي محاولة لمجاراة التصعيد الغربي ستضع الاقتصاد الروسي تحت ضغط هائل. وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "موسكو تايمز" (Moscow Times) عن مسؤولين روس تحذيرات صريحة من ضائقة مالية تلوح في الأفق. وقد تحدث وزير الاقتصاد مكسيم ريشيتنيكوف عن خطر "ركود اقتصادي"، في حين حذّرت محافظة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا من قرب نفاد موارد صندوق الثروة الوطني.

ورغم أن الاقتصاد الروسي لم ينهَر كليًا، فإنه يواجه تضخمًا متسارعًا، بلغ 9% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، متجاوزًا الهدف الرسمي البالغ 4%. وتجاوزت زيادات أسعار بعض السلع الأساسية 70%، بينما قفز سعر البطاطس بنحو 173%. وتعتمد موسكو اليوم على ما يُعرف بـ"اقتصاد الحرب"، حيث تعمل المصانع العسكرية بكامل طاقتها، وتُقدم حوافز للالتحاق بالجيش من مناطق فقيرة، في صورة تعيد إلى الأذهان ملامح الاقتصاد السوفييتي المفرط في العسكرة.

هل بدأ الضغط يصيب المواطن الروسي؟

في ظل تراجع الرهانات الروسية على دور أميركي يخفف الضغط، خاصة مع حضور دونالد ترامب قمة لاهاي الأخيرة، تتزايد المخاوف من أن تبدأ آثار الحرب تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطن الروسي. وقد نجح الرئيس فلاديمير بوتين حتى الآن في عزل المواطن عن الكلفة المباشرة للحرب، لكن وزير الاقتصاد الروسي أقر بأن الوضع لم يعد يحتمل. وطالب خلال منتدى اقتصادي في سانت بطرسبرغ البنك المركزي بخفض سعر الفائدة إلى 20%، بعدما جرى رفعها تدريجيًا إلى 21% منذ الغزو.

وبينما تصعّد أوروبا ضغوطها، تعاني روسيا من تراجع قدرتها على المناورة الجيوسياسية، كما تجلّى في موقفها المحدود من الحرب الإسرائيلية-الأميركية على إيران. فعلى الرغم من "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" مع طهران، لم تتحرك موسكو لحماية حليفتها الإقليمية، ما أضعف مصداقيتها بين شركائها.

مراهنة على الإنهاك الطويل

في المقابل، يبدو أن حلف الناتو يراهن على لعبة استنزاف طويلة الأمد. فحتى الدول الصغيرة مثل ليتوانيا وبولندا ترفع ميزانياتها الدفاعية بشكل غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة. وبرغم أن الكثير من الإنفاق العسكري الأوروبي مخصص لفترات ما بعد 2035، فإن دول الحلف تمتلك قدرة أكبر على امتصاص التكاليف، ضمن شبكة اقتصادية متكاملة.

وتُظهر تصريحات ترامب في القمة أنه لا ينوي تخفيف اللهجة تجاه موسكو، بل زاد الضغط عندما قال: "اتصل بي فلاديمير (بوتين). سألني إن كان بإمكانه مساعدتنا بشأن إيران. قلت: لا، لست بحاجة إلى مساعدة بشأن إيران. أنا بحاجة إلى مساعدة بشأنكم"، فيما تُظهر الصحف الروسية تزايد القلق من فقدان روسيا دورها العالمي. فقد كتبت صحيفة كومسومولسكايا برافدا أن "قمة الناتو هي خديعة أميركية كبرى"، في حين ذهب المفكر القومي ألكسندر دوغين إلى القول إن "الحرب العالمية الثالثة قد بدأت فعليًا"، متهمًا ترامب بالخضوع لـ"العولميين".

وبينما تستمر الحرب من دون اتفاق على وقف إطلاق النار، تتصاعد المؤشرات على أن الغرب يستخدم أدوات اقتصادية للضغط على موسكو، بهدف دفعها إلى تقديم تنازلات، تمامًا كما حدث في نهايات الحرب الباردة. حينها ساهم الإنهاك الاقتصادي في تفكك الاتحاد السوفييتي، واليوم، يرى مراقبون أن الغرب يحاول كتابة سيناريو شبيه، ولكن بأسلوب جديد.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية