
في أعقاب العملية الجوية الأميركية ضد المنشآت النووية الايرانية، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنّ الاتصال مع طهران سيجري الأسبوع المقبل بهدف العودة إلى التفاوض "المباشر" معها هذه المرة. لكن حتى الآن ليس في أجندة البيت الأبيض لهذا الأسبوع ما يشير إلى المفاوضات أو لأي لقاءات في هذا الخصوص، مع أنّ الرئيس متمسّك بهذا الخيار، وقد أعطى أكثر من إشارة في الأيام الأخيرة على جدّيته في ذلك. لكن يبدو أنّ الأجواء ليست مؤاتية بعد.
معاكسات حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل بدأت تتوالى إشاراتها، فضلاً عن الاشتراطات المسبقة التي تضعها طهران لمثل هذه العودة، ما فرض التأجيل حتى إشعار آخر، ولو أنّ هشاشة الوضع لا تحتمل طول الانتظار، فالإدارة تحرص على نضوج الظروف، لأنها تطمح هذه المرة إلى تحقيق "إنجاز" تفاوضي. وهذا احتمال يدور حوله جدل بين متشددين دعوا إلى المضي بالخيار العسكري "لإسقاط النظام"، وبين أكثرية تحذر من الانزلاق إلى "حرب واسعة"، وتدفع مع الرئيس باتجاه الدبلوماسية.
وساهم في انقسام الرأي بشأن التفاوض أنّ الصورة لم تتضح بعد بشأن آثار العملية الجوية ضد المنشآت الثلاث. البيت الأبيض ما زال يصرّ على أنّ الضربة أدت إلى دمارها بشكل "ماحق"، فيما لا تتبنى سائر التقديرات، حتى الآن، الاستخباراتية والعسكرية وحتى وكالة الطاقة الذرية، هذا التقييم. كلها بقيت في حدود الاعتقاد بأنّ المنشآت أُصيبت بأضرار "جسيمة" لا أكثر. وذكرت معلومات إيرانية، الأحد، أنّ "الضربات لم تفضِ إلى حجم الخسائر التي توقعتها الإدارة". تسليط الأضواء في بعض الإعلام الأميركي (واشنطن بوست - رولينغ ستون) على كلام من هذا النوع منسوب لجهات رسمية إيرانية، زاد من الشكوك حول إصرار الادارة على توصيفها، ولو أنّ البيت الأبيض سارع بلسان المتحدثة الرسمية كارولين ليفيت إلى تجاهل التصريح وتحقير وسائل الإعلام التي نشرته.
وهنا، تردد وما زال تساؤل حول مسارعة ترامب بعد ساعات قليلة من العملية إلى الترويج لتخمينه، وقبل أن تصدر أي تقديرات عن الجهات المعنية بتقييم النتائج. ربما دفعه إلى ذلك حرصه على "استرجاع" المبادرة العسكرية من يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو ربما أراد تأمين غطاء مسبق لخفض سقف المطالب في المفاوضات المقبلة، على أساس أنّ المشروع النووي صار خارج دائرة الخطر في المستقبل المنظور، وبالتالي لا خشية من إبداء ليونة لعقد صفقة حوله مع إيران. تعززت هذه الفرضية بعدما سارع نتنياهو إلى التحرك بصورة بدت وكأنها تهدف إلى استباق وفركشة هذا الاحتمال. تصريح وزير أمنه يسرائيل كاتس، السبت، كان واضحاً في هذا الخصوص. تأكيده أنّ إسرائيل "لا تحتاج إلى موافقة واشنطن لضرب إيران في المستقبل، وأنها تزمع منعها من بناء مشروعيها النووي والصاروخي بالرغم من الهدنة"، جرى وضعه في هذا السياق. ومن المتوقع أن يكون الملف الإيراني موضوع مباحثات وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع المسؤولين في واشنطن، اليوم الاثنين، فضلاً عن موضوع غزة والتحضير لزيارة قريبة لنتنياهو إلى العاصمة الأميركية.
وفي امتداد هذا التحرّك، لوحظ أنّ بعض الجهات في الكونغرس المؤيدة لحرب نتنياهو والمقرّبة من الرئيس ترامب (السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام)، بدأت تحثّ البيت الأبيض على اغتنام الفرصة ومطالبة طهران بأن تتخلّى عن خطابها المعادي لإسرائيل شرطاً مسبقاً للتفاوض معها حول النووي. ويبدو أنّ ذلك يدخل في إطار التعجيز لتعقيد الأمور، علّ ذلك يؤدي إلى تخريب استئناف المفاوضات كما يريد نتنياهو، الذي لا يستبعد بعض المراقبين أن يعود التوتر إلى علاقاته مع الرئيس ترامب بسبب العودة إلى التفاوض النووي.
ترامب وضع طبخة المفاوضات على النار. أوحى إلى ذلك بعد العملية العسكرية، بأكثر من إشارة، كان أبرزها قوله إنه هو الذي رفض اغتيال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وبالتالي وقف ضد إسقاط النظام. بديله كما قال، العمل باتجاه الصفقة. التراشق، الجمعة، بينه وبين خامنئي، وتهديده بالعودة إلى قصف إيران إذا خصّبت اليورانيوم بدرجة تثير قلقه، ليس غير أداة من عدة الشغل للعودة إلى الطاولة. ولفت في جوابه إلى أنه لم يأتِ على ذكر شرط "صفر تخصيب"، وكأنه يبدي ليونة ضمنية بشأن التخصيب في المفاوضات المقبلة، وبما يتجاوب ضمناً مع مطلب طهران بأنها ليست في وارد العودة إلى المفاوضات "بدون شروط"، كما قال السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني خلال مقابلة أجرتها معه، الأحد، شبكة "سي بي إس نيوز"، لكن العودة إلى غرفة المفاوضات، إذا تمّت، شيء، والخروج منها باتفاق بعد الذي جرى، شيء آخر، وإذا كانت هناك مراهنة، فهي على "حاجة الجانبين إلى الخروج من المأزق".
