أسوأ أضرار للزراعة التركية في 30 سنة... وإنقاذ حكومي للمزارعين
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

يتعرض الإنتاج الزراعي والحيواني في تركيا لضربة كبيرة هي الأعنف في عقود بسبب موجات الجفاف التي تعصف بالمحاصيل وإنتاج العلاف بعد صقيع استمر لشهور، ما ينذر بتداعيات كارثية وفق محللين للمزارعين والمستهلكين واقتصاد البلاد على حد سواء.

وشهدت تركيا بين أكتوبر/ تشرين الأول 2024 ومارس/آذار 2025 أدنى معدل هطول أمطار منذ 65 عاماً، ترافق مع موجات صقيع متكررة، آخرها في إبريل/ نيسان الماضي، قبل أن تحل موجة جفاف وحر شديد هذه الأيام، ما ينذر بتراجع إنتاج الصيف، من خضر وفواكه وغلال الحبوب.

ودفعت التطورات الحكومة لزيادة تدخلها الإسعافي، ليعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بدعم مباشر وقروض كبيرة وميسرة، لإبعاد شبح الخسائر عن المزراعين وتحول تركيا من الوفرة والتصدير إلى الندرة والاستيراد. وأكد شمسي بيرقدار، رئيس اتحاد غرف الزراعة في تركيا (TZOB) أنّ الجفاف والكوارث المناخية مثل الصقيع والبرد والفيضانات سببت شللاً شبه تام للإنتاج الزراعي، خاصة في مناطق جنوب شرق ووسط الأناضول، داعياً الحكومة، خلال تصريحات أول من أمس، إلى ضرورة إدراج المزارعين المتضررين بسرعة ضمن نطاق الدعم الحكومي، وتأجيل سداد ديونهم لدى بنك الزراعات والتعاونيات الائتمانية الزراعية لمدة عام على الأقل من دون فوائد.

وأشار بيرقدار إلى أنّ انخفاض الإنتاج أدى إلى تراجع كبير في دخول آلاف المزارعين، ما يهدد مستقبل الزراعة في البلاد، خصوصًا في المناطق التي تعتمد كليًا على الأمطار. وكشف أن البيانات الواردة من غرف الزراعة في الولايات المختلفة تكشف عن نسب خسائر مرتفعة بشكل غير مسبوق في محاصيل القمح والشعير والعدس، ففي ديار بكر (جنوب شرق تركيا)، انخفضت غلة القمح الجاف بنسبة 48%، والقمح المروي بنسبة 10.8%، والشعير الجاف بنسبة 63%. وفي ماردين، تضرر القمح بنسبة 20%، والشعير بنسبة 50%، والعدس بنسبة 55%. أما في قونية، فقد تراوحت غلة الشعير بين 50 و150 كيلوغراماً للفدان بعد أن كانت تتراوح بين 250 و300 كيلوغرام في المتوسط.

وأضاف أن الولايات التي شهدت هطول أمطار بمعدلات جيدة، لم تسلم من الصقيع هذا العام، ففي أكسراي (وسط البلاد)، وعلى الرغم من الأمطار الجيدة، إلا أن الصقيع في إبريل/ نيسان تسبب في توقعات بانخفاض المحاصيل بنسبة 20%. وفي كارامان (جنوب وسط)، تعذر الحصاد في 400 ألف فدان من أصل 670 ألفاً بسبب الجفاف والصقيع الزراعي. ونال الصقيع من إنتاج ولاية قيصري بنحو 50% وطاولت خسائر الصقيع نحو 90% من إنتاج ولاية كيرشهير الزراعي.

لكن ولاية هاتاي الحدودية مع سورية (جنوب تركيا)، نالت النصيب الأكبر من خسائر إنتاج القمح، بحسب بيانات وزارة الزراعية، إذ بلغت خسائر القمح 100% في قضائي بيلين وإسكندرون، و60% في ألتينوزو، و50% في كوملو، و42% في إرزين، و40% في كيريخان وباياس ودفنه وريحانلي، و35% في أنطاكيا، و30% في سامانداغ، وأرسوز، وهاسا. وانخفض الإنتاج بولاية كليس بين 70% و80%.

استجابة حكومية سريعة لتقليص الأضرار

تلقفت الحكومة، نداءات التحذير بموسم زراعي سيئ وخسائر غير مسبوقة، تهدد مستقبل الإنتاج الغذائي في تركيا وتؤثر على منسوب المياه الجوفية التي زاد استخدامها، بسبب قلة الأمطار والجفاف، خاصة لموسم زراعة القمح وبمقدمته الذرة.

وكشف الرئيس رجب طيب أردوغان عن حزمة تسهيلات ائتمانية واسعة للمزارعين، تشمل مشاريع البيوت البلاستيكية وتربية الأبقار الحلوب والماشية الصغيرة، واعداً بحزمة قروض بفترة سداد طويلة الأجل وقرارات تأجيل تسديد للقروض السابقة، تخفف عن المزارعين خسائرهم لهذا العام. وقال أردوغان خلال الاجتماع الرابع للبنك الزراعي حول النظام البيئي الزراعي، إن بنك "زراعات الحكومي" أعد حزمة قروض تتماشى مع احتياجات المزارعين، وتخصيص قروض تصل إلى 10 ملايين ليرة (250 ألف دولار) للراغبين في إنشاء بيوت بلاستيكية لإنتاج الخضراوات والفواكه، بفترة سداد تمتد حتى 10 سنوات، تتضمن إعفاءً من سداد أصل الدين لمدة عام للمشاريع التي تقل مساحتها عن 10 أفدنة، وأنّ نسبة رأس المال المطلوبة للاستثمار ستحدد بـ 20%، في حين تنخفض إلى 10% للشباب والنساء.

دعم الإنتاج الحيواني للحفاظ على استقرار الأسواق

وتأثرت تربية المواشي وإنتاج الحليب واللحوم، بسبب الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف، ما رفع أسعار لحوم الأبقار للمستهلكين، إلى ما بين 700 و750 ليرة للكيلوغرام، الأمر الذي دفع الحكومة لإيلاء الشق الحيواني دعماً إضافياً وتقديم قروض استثمارية تصل إلى نحو 5 ملايين ليرة (125 ألف دولار)، بأجل يصل إلى سبع سنوات، بينها عام كامل من الإعفاء من سداد أصل الدين. وتُمنح هذه القروض دون الحاجة إلى رأسمال أسهم، بهدف دعم المؤسسات التي تسعى لزيادة طاقتها الإنتاجية.

وأعلن الرئيس التركي خلال مؤتمر النظام البيئي الزراعي الذي استضافه مركز "خليج" للمؤتمرات في إسطنبول، السبت الماضي، عن رفع سقف القروض في إطار مشروع توطين السكان بقراهم ودعم المشاريع الزراعية الصغيرة الذي جاء تحت شعار "لديّ أسباب كثيرة للعيش في قريتي" المُنفذ بالتعاون بين وزارة الزراعة وبنك زراعات، من 600 ألف ليرة إلى 1.2 مليون ليرة. وأكد أن هذا التمويل سيُسهم في تطوير تربية الماشية الصغيرة وزيادة الثروة الحيوانية في الأرياف، واعداً أنّ الحكومة ستواصل تقديم فرص ائتمانية مغرية تُمكّن المواطنين من البقاء في قراهم والاستثمار في أراضيهم، بما يعزز الأمن الغذائي ويعطي دفعة قوية للاقتصاد الزراعي في البلاد.

وبعد تشكيل لجنة تحقيق بأضرار الصقيع وآثاره على الزراعة، وتوقعات تراجع إنتاج الفاكهة من 28 مليون طن إلى 20 مليون طن هذا العام واستمرار انخفاض الإنتاج خلال العام المقبل بسبب الأضرار التي لحقت بالأشجار. عقد البرلمان التركي، الأسبوع الماضي، جلسة لمناقشة كارثة الصقيع الزراعي، والاستماع إلى آراء الغرف المهنية والخبراء والمزارعين ضمن لجنة التحقيق في ظاهرة الصقيع الزراعي، والتباحث حول التدابير التي ينبغي اتخاذها.

وقال رمضان أوزجان، رئيس بورصة التجارة في ملاطية، إنّ "إنتاج الفاكهة المتوقع هذا العام كان 28 مليون طن، لكنّ الإنتاج قد يتراجع إلى ما يقارب 21 مليون طن فقط. مضيفاً خلال الجلسة أنّ تركيا تملك احتياطياً سنوياً من إنتاج المشمش الطازج يبلغ 800 ألف طن، وهو ما يمثل 20% من الإنتاج العالمي، لكننا خلال السنوات الخمس الأخيرة نواجه أزمات ناجمة عن التغير المناخي، وانخفاض متوسط إنتاجنا التقديري من 170 ألف طن إلى 70 ألف طن فقط". وأضاف: "تضررت الأشجار بدرجة لا نعلم إن كانت ستعطي إنتاجاً العام المقبل، الأمر متروك للزمن ليكشفه... كما أنّ تكاليف العناية بالأشجار تضاعفت هذا العام نتيجة الأضرار".

بدوره، أوضح صادق أوزقساب، رئيس مجلس إدارة بورصة تجارة مانيسا، أن توقعاتهم كانت تشير إلى موسم وفير في إنتاج العنب، لكنّ موجتي صقيع ضربتا المنطقة، مما تسبب في تراجع التقديرات من أكثر من 300 ألف طن إلى ما بين 125 إلى 150 ألف طن فقط.

وقدم رئيس غرفة المهندسين الزراعيين، باقي رمزي سويجميز مقترحات للحكومة بشأن القروض وتدابير وزارة الزراعة والغابات للتقليل من خسائر الصقيع، مشيراً إلى أن بيانات هيئة التنظيم والرقابة المصرفية (BDDK) تفيد بأن إجمالي القروض النقدية الممنوحة للمزارعين يبلغ 986 ألف ليرة، في حين أن القروض المتعثرة تصل إلى ستة مليارات ليرة.

ولذلك، طالب بضرورة تأجيل أو إعادة جدولة فوائد هذه القروض، بخاصة بالنسبة لصغار ومتوسطي المزارعين المتضررين من الصقيع، واقترح الإعلان عن حزمة اقتصادية زراعية إضافية. كما من الضروري دعم المزارعين لضمان قدرتهم على العودة للإنتاج بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، بحسب حجم الأضرار التي سببها الصقيع. هذا الدعم ضروري لعدم ارتفاع أسعار الغذاء، والحفاظ على عائدات التصدير، ولمنع ابتعاد المنتجين عن أراضيهم.

غلاء وتراجع التصدير

وفي ظل هذا الأضرار، تشهد الأسواق التركية، ارتفاعات بأسعار الفواكه "لم تشهدها على الإطلاق" بحسب التاجر جيزمي تاش، معتبراً أن الصقيع الذي ضرب ولايات إنتاج الأشجار المثمرة خلال شهر مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضيين، السبب الأهم الذي أدى لتراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار اليوم. وقال تاش لـ"العربي الجديد" إن سعر كيلو المشمش لن يهبط عن 130 ليرة والدراق عن 160 ليرة، في حين يصل سعر الكرز إلى 350 ليرة، وهي أسعار تفوق القدرة الشرائية للأتراك وتسبب الخسائر للتجار، بسبب سرعة تلف تلك الأنواع ونقلها من سوق إلى آخر.

وتوقع مختصون أن ينخفض إنتاج الفاكهة في تركيا من 28 مليون طن إلى 21 مليون طن، ما سيؤثر على حجم وقيمة الصادرات الزراعية التي تشكل أكثر من 15% من مجمل الصادرات التركية التي تزيد عن 265 مليار دولار، فضلاً عن تراجع العرض بالسوق المحلي وارتفاع الأسعار.

وبحسب بيانات جمعية المصدرين الأتراك (TIM)، ارتفعت صادرات تركيا الزراعية، العام الماضي إلى 36.2 مليار دولار بزيادة بلغت نسبتها 3.3% عن صادرات عام 2023. لتبلغ أعلى قيمة بتاريخ الجمهورية التركية، بعد أن سجلت صادرات الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية ومنتجاتها نحو 12.37 مليار دولار العام الماضي. فيما بلغت صادرات الخضراوات والفواكه الطازجة حوالي 3.49 مليارات دولار، والفواكه المجففة ومنتجاتها 1.61 مليار دولار، والزيتون وزيت الزيتون 871 مليون دولار، إضافة إلى منتجات أخرى.

وكانت الولايات المتحدة وألمانيا أكبر مستوردين للمنتجات الزراعية من تركيا في عام 2024، وبلغ إجمالي صادرات الفواكه المجففة والمنتجات ذات الصلة إلى ألمانيا 247.3 مليون دولار، بينما بلغت صادرات الفواكه والخضراوات إلى الولايات المتحدة 429.4 مليون دولار.

وقال المحلل الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو، إن "النظر للقطاع الزراعي لا يقتصر على التصدير والإنتاج فقط، بل وعلى حجم تشغيل الأيدي العاملة، حيث يستوعب نحو 20% من إجمالي الأيدي العاملة، وترسيخ ربط المزارعين بالأرض وتقديم احتياجات السكان، من منتجات موثوقة بأسعار مناسبة ومنافسة، لذا، تعد كارثة هذا العام، ضربة لعمق الاقتصاد التركي والتي تحاول الحكومة تلافيها وتحمل جزء كبير من الأضرار ودعم المزارعين ليقفوا على إنتاجهم من جديد، بخاصة صغار ومتوسطي الإنتاج الذين تضرروا من الصقيع واليوم من الجفاف "المشكلة تأذي الأشجار لأكثر من عام".

وأضاف أوغلو في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ الحلول الإسعافية بتقديم قروض كبيرة، من دون فوائد وبفترة سداد طويلة، ستحل جزء كبير من المشكلة، كما أن الدعم للتوجه إلى الطرق الحديثة، بالريّ والزراعات المحمية وأنظمة التغطية المتحركة، تحمي المحاصيل وتتم تطويق المشكلة بالمستقبل، لكن الكارثة وقعت هذا العام وسببت أضراراً بالأشجار وحجم الإنتاج وانعكست ارتفاعاً على أسعار المستهلك.

ولفت المحلل التركي إلى أن تركيا تحتل المرتبة الأولى أوروبياً والثامنة عالمياً بالإنتاج الزراعي والرابعة بإنتاج الخضر والفواكه، بعد أن بلغت قيمة الإنتاج الزراعي للدولة، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) والبنك الدولي، 68.9 مليار دولار في 2023، قبل أن يزيد الإنتاج بأكثر من 3% العام الماضي.

وحول مدى تأثير "الكارثة" على العرض السلعي الزراعي وهل يمكن لتركيا أن تقع بعجز وتتجه للاستيراد هذا العام، أوضح أوغلو أن بلاده تنتج 206 أنواع من المحاصيل الزراعية، وما تضرر هذا العام، كان بالأشجار المثمرة بالدرجة الأولى وبولايات محددة "ربما هي الأكثر إنتاجاً" لكنّ ذلك لن يؤثر على مخزون تركيا، بخاصة من محاصيل الحبوب الاستراتيجية، لكنه سيؤثر على تراجع العرض وارتفاع الأسعار وحجم التصدير، دون أن يصل إلى عدم الاكتفاء الذاتي.

وعن الإنتاج الحيواني، أضاف المحلل الاقتصادي التركي أن تركيا تحتل المرتبة التاسعة عالمياً والثالثة أوروبياً في إنتاج الحليب، كذلك تحتل المرتبة السابعة عالمياً والأولى أوروبيا في إنتاج لحوم الأبقار والمرتبة التاسعة عالمياً والثانية أوروبياً في إنتاج لحوم الدجاج، والمرتبة العاشرة عالمياً والثانية أوروبيا في إنتاج البيض والثانية عالمياً في إنتاج العسل.

ولكن منذ العام الماضي وبسبب بدء تراجع الأيدي العاملة في قطاع الزراعة، وبمقدمتهم السوريين، بدأ إنتاج القطاع الحيواني يتراجع، إذ وبحسب معهد الإحصاء التركي تراجعت أعداد المواشي والأغنام، لتسجل أدنى مستوى لها في 6 سنوات، بينما بلغت أعداد الأغنام أدنى مستوى في أربع سنوات. ووفق البيانات الرسمية فقد تراجع إجمالي عدد المواشي والأغنام في تركيا من حوالي 73.47 مليون رأس في عام 2022 إلى نحو 69.1 مليون رأس في 2023، لانخفاض بلغت نسبته 5.9%.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية