
في محافظةٍ تعاني من ندرة الموارد، وحصارٍ حوثي مستمر، وانقطاع للخدمات الأساسية، يقف الموظف اليوم عاجزًا أمام احتياجات الحياة اليومية، فالراتب الشهري – إن صُرف – لا يكاد يكفي ثمن وايت ماء، فكيف بالكهرباء، والغذاء، والدواء، ومتطلبات الأسرة؟
تعز، المدينة التي تعيش أزمة مياه حقيقية، يضطر فيها المواطن لشراء الماء بأسعار باهظة، في وقتٍ ينكمش فيه الراتب العام إلى أقل من عشر قيمته الحقيقية نتيجة تدهور سعر العملة وارتفاع الأسعار. الموظف هنا لا يعيش... بل ينجو.
أيُّ راتبٍ هذا؟
راتب لا يفي بثمن الماء، فكيف بباقي الفواتير؟
تأخير متعمَّد في الصرف،
حتى أصبح المواطن ينتظر المنحة كما تُنتظر الصدقات.
صمت حكومي مريب
يقابله عبث ظاهر بالمال العام، وفساد.
الجوع لم يعد مجازًا، بل مشهدًا يوميًا في بيوت الكادحين.
مشهد الأب الذي يعود خالي اليدين بعد يوم عمل طويل، والأم التي تقتطع من لقمتها لأطفالها، أصبح واقعًا لا يُروى بل يُعاش.
في ظل هذا الانهيار، ما تزال الحكومة تضرب بعرض الحائط آلام الناس، وتتعمد إذلالهم بتأخير صرف الرواتب، وكأنها ترى في التجويع وسيلة للتركيع.
في وطنٍ كهذا، يصبح الصمت خيانة، والسكوت عن الظلم شراكة فيه. فتحية لكل من يرفع صوته نيابة عن من لا صوت لهم، ولكل موظف لم يفقد كرامته رغم الجوع، ولم يتنازل عن مبادئه رغم العطش.
هنا وجع جماعي يُردد يوميًا على ألسنة الناس في تعز... وها هي المدينة، ظمأى رغم كل هذه الوعود المرطّبة.
لقد سمعنا كثيرًا عن:
مشروع تحلية مياه البحر
وكأن البحر قد صار بئرًا في متناول الأنابيب.مشروع استخراج المياه من منطقة الضباب
وكأن الضباب قد تكثّف إلى ماء يُروى.
إحياء الآبار القديمة وربطها بالشبكة المتهالكة
وكأن البنية التحتية كُتبت لها حياة جديدة.
لكن النتيجة... صمت في الأنابيب، وجفاف في الصنابير.
نسمع جعجعة ولا نرى طحين
عبارة تختزل المشهد، فكأن كل التصريحات مجرد أوراق مبلّلة تُعرض في المؤتمرات، ثم تُطوى بصمت. المواطن لا يحتاج إلى بيانات صحفية، بل إلى صهريج ماء يُطفئ لهب العطش، وإلى حكومة لا تكتفي ببيع الأحلام في مواسم الأزمات.
ومع ذلك، يبقى السؤال المؤلم:
متى تُروى تعز؟
أخبار ذات صلة.

