قيل الكثير عن ان دونالد ترامب هو رئيس غير تقليدي ان بأسلوبه او مضمون سياساته الداخلية والخارجية. يدير ترامب سياسته الخارجية انطلاقا من مبدأ "اميركا أولا"، وهذا ما يفسر قراراته واجراءاته الاحادية الجانب، وتجاهله للمنظمات او حتى الاتفاقات الدولية، وميله الى التفرد باتخاذ قراراته وشخصنتها.
القرارات التاريخية التي اتخذها الرئيس ترامب في الايام الماضية، مثل قصف المنشآت النووية الايرانية، والضغوط العلنية التي مارسها على اسرائيل وايران لقبول اقتراح لوقف اطلاق النار، مع ما صاحب ذلك من تصريحات غاضبة تجاه الطرفين وخاصة اسرائيل، عكست شخصية رئيس اميركي لا يبالي بالديبلوماسية التقليدية، ولا يتحلى بالصبر. ولكي يوصل غضبه بشكل مباشر وفظ لإسرائيل وايران، استخدم ترامب لهجة نابية طعّمها بكلمة بذيئة، وهو المعروف باستخدام مثل هذه الكلمات في مجالسه الخاصة.
عندما بدأت اسرائيل قصف المنشآت النووية الايرانية، سارعت ادارة الرئيس ترامب الى ابعاد نفسها عن القتال وقالت انها غير معنية مباشرة بقرار اسرائيل. ولكن مع الانتصارات التكتيكية التي حققتها اسرائيل، وخاصة تفوقها على الدفاعات الجوية الايرانية والاضرار التي الحقتها بالمفاعلات،، عدّل ترامب عن رأيه وقرر انهاء المهمة التي بدأتها اسرائيل وان يأخذ الفضل في ذلك، وان يزهو شخصيا بالنصر. رأى ترامب ان غارة جوية واحدة كافية لتحقيق هدفه، لأنه لا يريد ان يتحول الى رئيس اميركي آخر يورط بلده في حرب لا نهاية لها في الشرق الاوسط، ولا يعمل على اسقاط النظام في طهران ، وان كان قد لوّح بهذا الامر في سياق ترهيب ايران، ومنعها من الرد القوي ضد الغارة الاميركية.
بعد ساعات من الغارة، أكد ترامب ان الطائرات الاميركية قد محت كليا البرنامج النووي. ولكنه وجد نفسه في موقع دفاعي في مواجهة تقرير أولي لوكالة استخبارات وزارة الدفاع جاء فيه ان الغارة ربما اخرت البرنامج النووي الايراني لبضعة اشهر فقط، وهو موقف عكسه العديد من المشرعين الديموقراطيين في الكونغرس. ووجه ترامب انتقادات شنيعة ضد كبريات وسائل الاعلام الاميركي مثل شبكة التلفزيون سي أن أن وصحيفة نيويورك تايمز وغيرها ، ولّف نفسه بغطاء الوطنية من خلال الادعاء ان الاعلاميين خذلوا الطيارين ولم يعترفوا بقدراتهم، واعتبر ذلك تشكيكا بقيادته . وسائل الاعلام التي تم تسريب تقرير وزارة الدفاع اليها غطت التقرير بمهنية، ولكن ترامب ومستشاريه البارزين واصلوا مهاجمة المراسلين بالاسم، وكأنهم يحرضون الرأي العام ضدهم.
وعندما تأخرت اسرائيل، والى حد ما ايران، في قبول دعوته لوقف اطلاق النار، تصرف ترامب وكأن الطرفين المتقاتلين وخاصة اسرائيل، استهترت بطلبه، وهذا ما يفسر غضبه وانتقاداته العلنية، حيث تبين لاحقا انه اجرى مكالمة هاتفية ساخنة مع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وطلب منه أمر الطائرات الاسرائيلية التي كان متوجهة الى الاجواء الايرانية، بالعودة الى قواعدها، وهو طلب لباه نتنياهو.
خلال اقل من اسبوع، تحول ترامب من متفرج، الى اللاعب الاساسي المنتصر في عملية التخلص من القدرات النووية الايرانية، قائلا انه أنقذ اسرائيل، وأنقذ نتنياهو شخصيا. وخاطب ترامب المرشد الاعلى علي خامنئي، وطلب منه الاعتراف بان ايران منيت بهزيمة عسكرية، قائلا انه أنقذ حياة خامنئي من خلال منع الاسرائيليين من اغتياله، وقراره بعدم التعرض له من قبل القوات الاميركية.
ومع ان الغارات الإسرائيلية والاميركية عززت التعاون العسكري بين البلدين، وزادت، في المستقبل المنظور على الاقل، من الهيمنة الاسرائيلية في المنطقة. الا ان ذلك لا يخفي حقيقة ان ترامب هو أول رئيس اميركي يخاطب رئيس وزراء لإسرائيل بلهجة فظة وعلنية، ويذكره بان قراراته في المنطقة، من استئناف المفاوضات النووية مع ايران، الى قصف مفاعلاتها، الى رفع العقوبات وبداية التطبيع مع سوريا وغيرها من القرارات التي تمس مباشرة بإسرائيل، ستكون مبنية خلال ولايته على ما يخدم المصالح الاميركية في الدرجة الاولى.
أخبار ذات صلة.
