أطباء إيران... مهمات تحت الخطر خلال العدوان الإسرائيلي
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

استنفر القطاع الطبي والصحي في إيران فور بدء العدوان الإسرائيلي، وحُصرت العلاجات بالطوارئ. وتسبب العدوان بسقوط ضحايا من القطاع نفسه، ولم يسجل نقص بالكوادر والمعدات.

لم تكن المستشفيات والمراكز الطبية وفرق الإنقاذ والإسعاف والإغاثة في إيران بمنأى عن الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً. ففي 24 يونيو/حزيران 2025 أفادت وزارة الصحة الإيرانية بتضرر سبعة مستشفيات وتسع سيارات إسعاف. كذلك استهدف أكثر من 90% من هجمات الجيش الإسرائيلي مناطق سكنية في طهران، مخلفةً عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى، وفق ما ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا)، نقلاً عن رئيس منظمة الطوارئ في محافظة طهران، محمد إسماعيل توكلي.

وقد شهد الأطباء والمسعفون وموظفو الطوارئ، بصفتهم الجهة الأولى المعنية بالإغاثة والإنقاذ، أكثر الهجمات إجراماً على المواطنين، خصوصاً على الأمهات والأطفال. معاناة الأطباء والتحديات خلال الحرب الأخيرة، يرويها عدد من الأطباء الإيرانيين والأطباء المقيمين في البلاد، في شهاداتهم لـ"العربي الجديد". يوضح الطبيب الإيراني حسين عزتي، وهو طبيب عام بقسم الطوارئ في مستشفى "شهداء تجريش" (شمالي طهران)، أنه "فور بدء الهجوم الإسرائيلي، استنفرت البلاد، ولم تكن المستشفيات والمراكز الطبية استثناءً، بل كانت مستعدة لعلاج الجرحى. لكن التحدي كان بنقص التدريب الكافي للأطباء للاستجابة والتدخل الفاعل في مثل هذه الحالات الحرجة والطارئة، والحال ذاتها بالنسبة إلى الطلاب والمتطوعين الذين لازموا غرف الطوارئ للمساعدة في الاستجابة. بمعنى آخر، كان من الأفضل تخصيص وحدة دراسية لإدارة آليات التعامل مع الصدمات وجرحى الحروب، من أجل تعزيز الاستجابة الفاعلة. غير أن تضافر الجهود بدا واضحاً، حيث بادر الجميع إلى تقديم المساعدة، وكانت لحظات إزالة جسم غريب من أي جريح أو تهدئة المرضى وعائلاتهم، من أكثر الأمور تأثيراً".
وإذ يؤكد عزتي أن المستشفى الذي يعمل فيه "لم يشهد أي نقص بالكوادر أو بالأدوية والمعدات والأسرّة"، يشير إلى أنه كان ضمن دوامه يوم وقوع الانفجار بالقرب من المستشفى، ويصف تلك اللحظات بـ"المرعبة للغاية، أثارت ذعر المرضى والطاقم الطبي والتمريضي". 

وفي مستشفى "أختر" شمالي طهران، وهو مستشفى متخصص بجراحة العظام، يتحدث الطبيبان المتخصصان بجراحة العظام والمفاصل، رضا حسيني وعلي جهانشاهي عن معاناتهما، ويقولان لـ"العربي الجديد": "في الحروب والكوارث، يكون الأطباء ومقدّمو الرعاية الصحية في طليعة الاستجابة الطارئة، رغم القصف والغارات، إذ يحتّم علينا واجبنا الإنساني البقاء ضمن دائرة الخطر، من أجل تقديم الخدمات الصحية والرعائية". ويضيفان: "واصلت الكوادر الطبية والتمريضية الحضور إلى المستشفيات والمراكز الصحية، غير أن اللحظات المؤثرة تجلّت بهواجس العاملين الذين كانوا يخشون تعرض المستشفى للقصف، وما رافق ذلك من توترات نفسية وضغوط كبيرة، خصوصاً أن تاريخ الكيان الصهيوني حافل بالهمجية وباستهداف المستشفيات. لكن لحسن الحظ، لم يتعرض المستشفى لأي هجوم". ويؤكد كل من حسيني وجهانشاهي أن "المستشفى لم يعانِ أي نقص بالمعدات، ولا بالأسرّة، حيث إن إيران تُعتبر دولة مصنّعة لمعظم المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية".
ويسرد طبيب إيراني يعمل في مستشفى عسكري بطهران أصعب اللحظات خلال الحرب، ويقول لـ"العربي الجديد": "لازمتُ المستشفى طوال 12 يوماً، في مناوباتٍ لساعاتٍ طويلة، كان أقسى ما في الأمر بُعدي عن أفراد عائلتي وخوفي عليهم وعلى شعبي ووطني، إلى جانب حجم الإرهاق والتوتر اليومي. كان الجميع بحالة تأهب، وما من أحد كان يدرك ماذا ينتظرنا". 

الطبيب المتخصص بأمراض العيون، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، يؤكد أن المستشفى العسكري الذي يعمل فيه "لم يشهد أي نقص في الأدوية أو المعدات والمستلزمات الطبية أو الأسرّة، لكن فقط أُرجئت العمليات الجراحية غير الضرورية، فيما انصبّ التركيز على الحالات الطارئة والحرجة". ويضيف: "بدأت الحرب وانتهت بسرعة، وكان معظم الأشخاص بحالة صدمة. لكن اللحظات الأكثر تأثيراً تجلّت بالمشاعر الطيبة والصادقة، وبالدعم والتعاطف الذي قدمه الشعب الإيراني، وهي مشاعر لا تُقدّر بثمن، عبّرت عن وحدتنا وتكاتفنا". ويصف طبيب العيون الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات والفرق الطبية، بأنه "عمل إجرامي يتجاوز حدود الإنسانية، ويمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية، ويلحق الأذى بالمرضى الأبرياء وبجميع العاملين في الرعاية الصحية".
يتحدث محسن، وهو طبيب إيراني في مجمع مستشفيات الإمام الخميني بطهران، عن حالة الاستنفار في القطاعين، الطبي والتمريضي، حيث أُلغيت كل الإجازات، واضطرّت جميع فرق الرعاية الصحية إلى الحضور والبقاء على أتمّ الجهوزية. الطبيب الذي فضّل عدم الكشف عن هويته الكاملة، يضيف لـ"العربي الجديد": "أُلغيَت العمليات الجراحية الاختيارية، ولم يُسمح إلا بالعمليات الطارئة. كذلك اضطرّ الكثير من المرضى الذين حُدّدت مواعيد عملياتهم الجراحية إلى انتظار انتهاء الحرب، ومن بينهم مرضى السرطان الذين يعانون أصلاً أضراراً نفسية كبيرة. أما اللحظات المؤثرة، فتكمن بقافلة الشهداء والجرحى، وكان الأسوأ بينهم المصابون بحروقٍ بالغة". 
وكان رئيس قسم العلاقات العامة بوزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي الإيرانية، حسين كرمانبور، قد أعلن أن "العدوان أوقع 627 شهيداً و4,870 جريحاً من مختلف محافظات البلاد، حتى تاريخ 25 يونيو/حزيران 2025". بدورها، أفادت الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، في 23 يونيو/حزيران 2025، بأن الكيان الصهيوني شنّ هجوماً على مبنى جمعية الهلال الأحمر الإيراني في طهران، بحسب وكالة "إرنا". وأعلنت جمعية الهلال الأحمر الإيراني عبر حسابها على منصة "إكس"، تضرّر مروحية إغاثة تابعة لها في أثناء قيامها بأنشطة إغاثية إثر غارة إسرائيلية. ونشرت في 17 يونيو/حزيران 2025 صورة مجتبى ملكي، أحد عمال الإغاثة الثلاثة التابعين لها والذين استشهدوا في غارة إسرائيلية.

من جهته، يكشف الطبيب اليمني المتخصص بالأمراض الجلدية، الدكتور يحيى الثلايا، أن العدوان الإسرائيلي استهدف عدداً من المستشفيات في طهران، من بينها مستشفى "الشهيد مطهري" للحروق، مستشفى "شهيد لبافي نجاد"، ومستشفى "حكيم" للأطفال في طهران، بالإضافة إلى مستشفى "الفارابى" في مدينة كرمانشاه غربي إيران، وكذلك استهدف مركزاً علاجيّاً تابعاً لجمعية الهلال الأحمر الإيراني، وحديقة للأطفال.
ويؤكد الطبيب المقيم في إيران منذ 30 عاماً لـ"العربي الجديد"، أن "الأطباء لم يواجهوا أي صعوبات، لكون الاستجابة الطبية والرعاية الصحية كانت منسقة بشكل كبير، ولم يشكُ القطاع الصحي من أي نقص بالأدوية أو المعدات والمستلزمات الطبية، بل كانت كل متطلبات العناية الصحية متوفرة". ويكشف أنه "منذ إعلان الحرب أُوعِز إلى المستشفيات بضرورة حصر العلاجات بخدمات الطوارئ والاستجابة العاجلة".

ويوضح الثلايا أن "العملية التنظيمية شملت المستشفيات الخاصة التي كانت على استعداد لاستقبال المرضى بحال امتلاء المستشفيات الحكومية، لكن بفضل التنظيم الفاعل لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، وخصوصاً أن المستشفيات الحكومية ضخمة ومجهّزة بكل الإمكانات. أما أقسام الطوارئ، فكانت بدورها مجهّزة. وبالنسبة إلى الاستجابة الإغاثية والإنسانية، كانت الأعداد كافية، ولم يطرأ أي نقص في الطواقم الطبية والتمريضية والإسعافية. والأهم أن الطرقات كانت سالكة أمام سيارات الإسعاف والأطباء والممرضين، لأن أغلب المواطنين كانوا في منازلهم أو نزحوا نحو مدن أخرى".
ويروي الطبيب المتخصص بالأمراض الجلدية اللحظات المؤثرة التي عاشها الأطباء في إيران، ويقول: "كانت تجربة جديدة لكونهم اضطروا إلى العمل تحت نيران القصف والغارات، لكنهم كانوا مستعدين ومجهزين وتمكنوا من معالجة الجرحى. لكن كما سائر الحروب، سقط عدد من الشهداء، من الذين كانوا تحت الركام ولم تفلح عمليات العثور عليهم إلا بعد مفارقتهم الحياة".

وعن تجربته، يشير الطبيب اليمني إلى أن مستشفى "شهداء تجريش" حيث يعمل، تعرّض لمحاولة استهداف، غير أن الغارة الإسرائيلية جاءت بمحاذاته، ويقول: "استطعنا علاج عدد كبير من الجرحى، أغلبهم ممّن تعرّضوا للكسور أو الحروق أو الإصابات الطفيفة، وهناك من استدعى إجراء عمليات جراحية له"، كاشفاً أن "عدد الجرحى بشكل عام يقارب 4,935 جريحاً، وفق إحصائيات محدّثة، من ضمنهم 4,196 جريحاً عولجوا، بينما لا يزال يخضع للعلاج في المستشفى نحو 397 جريحاً. كذلك إن عدد الذين احتاجوا عمليات جراحية بلغ 966 مصاباً. هذا، وتضرّرت سبعة مستشفيات، وأربعة أقسام مراكز صحية و11 وسيلة نقل تابعة للمستشفيات والمراكز العلاجية".
بحسرة، يتحدث الدكتور يحيى عن "أطباء كانوا يكافحون من أجل إنقاذ أكبر عدد من الأرواح، قبل أن يستهدفهم طيران العدو الإسرائيلي، وهم يؤدّون واجبهم الإنساني في أثناء مناوباتهم اليومية في المستشفيات، الأمر الذي تسبّب بسقوط نحو 6 شهداء و20 جريحاً من الكادر الطبي والعلاجي". ويأسف لحجم الإجرام الإسرائيلي الذي طاول مناطق مأهولة يعيش فيها أطباء، حيث استشهدت الطبيبة المتخصصة بالطب النسائي والتوليد زهرة رسولى مع طفلها الذي لم يتجاوز عمره الشهرين، إضافة إلى استشهاد أستاذة طب الأطفال مرضية عسكري برفقة طفلها البالغ من العمر أربعة أشهر. كذلك سقط العديد من الشهداء في صفوف الأطباء، بينهم أطباء قلب وأطباء أسنان وصحة عامة، مثل مريم حجاري دوابسري، فاطمة ساركل زراست وند، محمد حسين عزيزي، والطبيب المتخصص بالطب العام داوود شيرواني بروجني، الذي كان يشارف على إنهاء تخصصه بالأمراض الجرثومية، وتطوّع لتقديم الخدمات الصحية في سجن إيفين (شمال غربي طهران) الذي استُهدِف".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية