تعيينات الحكومة السودانية بالتقسيط: وزيران من أصل 22
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

أثار تعثر الإعلان عن تشكيل الحكومة السودانية الجديدة جدلاً سياسياً في ظل خلافات مكتومة بين مكونات التحالف الحاكم في البلاد، خصوصاً بعد قرار رئيس الوزراء الجديد، كامل إدريس، بتعيين وزيرين فقط من جملة 22 وزيراً يفترض أن تضمهم حكومته. بالمقابل ينتظر السودانيون بقية التشكيل الحكومي والذي يواجه تحديات سياسية منذ قرار حل الحكومة السابقة، والذي اعترضت عليه الحركات المسلحة المشاركة في السلطة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام مع الحكومة، في أغسطس/آب 2020. وتنص الاتفاقية على منح هذه الحركات مناصب وحقائب وزارية، لكن محاولة رئيس الوزراء تشكيل حكومة تكنوقراط أججت الخلاف مع هذه الحركات المتمسكة بنصيبها في السلطة. 

وتنصّ اتفاقية السلام على منح الجبهة الثورية التي تضم عدداً من الحركات المسلحة 3 مقاعد في مجلس السيادة الانتقالي، و5 وزراء في الحكومة التنفيذية، إلى جانب 75 مقعداً في البرلمان الانتقالي، وذلك دون تحديد الحقائب، إذ يُتفق عليها مع رئيس الوزراء عند تشكيل الحكومة. كذلك تنصّ على منح 40% من السلطة في إقليم دارفور لمكونات مسار دارفور (القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح)، و30% لمكونات السلطة الانتقالية، و10% لحركات دارفور الموقعة على الاتفاق، و20% من السلطة لأهل المصلحة (الاختصاص). وجرى تخصيص 20% من الوظائف في الخدمة المدنية والسلطة القضائية والنيابة العامة والسفراء للجبهة الثورية. وكان من أبرز الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق: حركة العدل والمساواة، التي يقودها جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان، بزعامة مني أركو مناوي، والحركة الشعبية شمال، بقيادة مالك عقار، إلى جانب فصائل أخرى منضوية في تحالف الجبهة الثورية، وقد تفرّقت الحركات المشاركة في تحالف الجبهة الثورية بعد الحرب وبقيت حركات جبريل ومناوي ومالك عقار إلى جانب الجيش.

وأصدر رئيس الوزراء كامل إدريس والذي جرى تعيينه من قبل رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في 19 مايو/أيار الماضي، قراراً في الأول من يونيو/ حزيران الحالي، بحل الحكومة وتكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير العمل إلى حين تشكيل الحكومة السودانية الجديدة. وقال إدريس في خطاب يوم 19 يونيو الحالي، إن حكومته ستتكون من 22 وزارة، وستعمل على تحقيق "الأمن والرفاه والعيش الرغيد لكل مواطن ٍسوداني". وذكر أن شروط الانتماء للحكومة هي أن يكون الشخص "سوداني الجنسية بغض النظر عن عرقه أو دينه، وعدم الانتماء الحزبي، والتحلي بالِقيم الجوهرية"، فضلاً عن التحلي "بالمهارات القيادية، والتحلّي بأعلى درجات المعارف والجدارات والخبرات التقنية اللازمة في المجال المعني".

تعيين وزيريين في الحكومة السودانية

وأمس الثلاثاء، عيّن إدريس الضابط في الجيش السوداني، الفريق حسن داؤود كبرون، وزيراً للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى، وزيراً للداخلية. وقد أثار تعيين وزيرين من العسكريين أحدهما في الخدمة والآخر متقاعد، جدلاً وتكهنات حول عمق الخلافات بخصوص تشكيل الحكومة السودانية الجديدة وأسباب الإعلان عن تعيين وزيرين فقط. تجدر الإشارة إلى أن تعيين وزيري الداخلية والدفاع حسب الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد، من اختصاص قيادة الجيش التي تُعرف بالمكوّن العسكري، بينما يُعيّن رئيس الوزراء الذي يمثل المكوّن المدني في السلطة بقية الوزراء، من بينهم الوزراء التابعون للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة. وتنص الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية تعديل سنة 2025، في المادة 15-1، على أن "يتكون مجلس الوزراء الانتقالي من رئيس الوزراء وعدد من الوزراء من كفاءات وطنية مستقلة لا يزيد عددهم عن 26 وزيراً، يعينهم رئيس الوزراء بعد المصادقة من مجلس السيادة، عدا وزراء أطراف العملية السلمية الذين يتم ترشيحهم بواسطة أطراف العملية السلمية، ووزيري الدفاع والداخلية الذين يتم ترشيحهم بواسطة قيادة القوات النظامية مع مراعاة تمثيل ولايات السودان".

ويُعد كبرون، الدفعة 35 كلية حربية، من قيادات الجيش السوداني المعروفين، وينحدر من ولاية جنوب كردفان، وكان من الضباط المُحاصَرين في القيادة العامة للجيش عند اندلاع الحرب ضد "الدعم السريع"، في 15 إبريل/ نيسان 2023. وتولى سابقاً منصب مدير الشؤون المالية والمحاسبية في القيادة العامة للجيش، وتم ترقيته من رتبة اللواء إلى الفريق بقرار من البرهان، في 15 مايو 2022. أما سمرة مصطفى الذي عُيّن وزيراً للداخلية، فينحدر من شرق السودان، وسبق أن تقلد عدداً من المناصب القيادية في الشرطة أبرزها مدير الإدارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية، ومدير الإدارة العامة للتفتيش، ورئيس هيئة الشؤون الإدارية والتخطيط برئاسة الشرطة. وكان قرار حل الحكومة السابقة، قد أثار اعتراض بعض الحركات المسلحة المشاركة في السلطة والموقعة على اتفاقية جوبا للسلام مع الحكومة في أغسطس 2020، وهي الاتفاقية التي تنص على مشاركة هذه الحركات في الحكومة ومنحها مناصب وحقائب وزارية. وتنضوي هذه الحركات تحت ما يعرف بـ"القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح"، وهي المجموعة العسكرية الرئيسية والكبرى التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني في حربه مع مليشيات الدعم السريع.

وبعد تسربيات حول اجتماع عاصف بسبب الخلافات حول تشكيل الحكومة السودانية بين قادة هذه الحركات ورئيس الوزراء، الأسبوع الماضي، أبدى رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، غضبه من تسريب ما يدور في الاجتماعات مع الحكومة. وكتب على صفحته بموقع فيسبوك، الأحد الماضي، أنه في هذه الأيام تضاعفت "حكاية" تسريب الاجتماعات، بجانب "توجيه الأقلام" وما وصفه بـ"الألسنة المقززة وتزوير المحاضر وإخراجها من المضامين لغرض اغتيال البعض". واعتبر أن "هذه الصفة الجبانة يجب ألا تكون سلوك الحكام. ومن أراد إحراق المراكب ظاناً أنه قد عبر، يخدع نفسه ويضحك على الشعب. هذا الأسلوب يدفعنا إلى أن نتناول في الإعلام ما لا يمكن تناوله". من جهتها أكدت حركة العدل والمساواة، بقيادة جبريل إبراهيم، تمسكها بالمناصب التنفيذية التي حصلت عليها من خلال اتفاقية السلام مع الحكومة السودانية. وقال المتحدث باسم الحركة، محمد زكريا فرج الله، في تصريح صحافي أمس الثلاثاء، إنه "رداً على ما تداولته بعض وسائل الإعلام بشأن موقف أطراف السلام، نؤكد أن تمسكنا باتفاق جوبا لسلام السودان هو تمسك كامل بمبادئه واستحقاقاته، بما في ذلك المواقع التنفيذية التي أُقِرّت بموجبه".

محمد محمود: تعيين وزيري الداخلية والدفاع من اختصاص قيادة الجيش

تأخير التشكيل الحكومي

ورأى الصحافي السوداني، محمد محمود، أن تعيين وزيرين فقط من جملة 22 وزيراً هو دليل على تأخر التشكيل الحكومي بسبب الخلافات حول المناصب واستقلالية الوزراء وانتماءاتهم السياسية، في وقت يفترض أن تكون الحكومة المنتظرة من وزراء مستقلين. وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "تعيين وزيري الداخلية والدفاع من اختصاص قيادة الجيش لذلك من الواضح أنه تم تعيينهما من قبل البرهان وما كان من رئيس الوزراء إلا إصدار الإعلان، فيما لم يظهر الوزراء الذين يفترض به اختيارهم بالتشاور مع الحركات المسلحة بموجب اتفاقية السلام". وتوقع محمود أن تأتي التشكيلة الحكومية على عكس ما يريدها رئيس الوزراء "خصوصاً في ظل أنباء عن تجاوز الكثير من الخلافات مع الحركات المسلحة حول المناصب، ما يعني الاستجابة لمطالبها بالإبقاء على المناصب التي حصلت عليها بموجب اتفاق السلام". واستبعد في الوقت ذاته انسحاب الحركات أو فض شراكتها مع الجيش، فيما اعتبر أنه "من الصعب على رئيس الوزراء تشكيل حكومة كاملة من وزراء ليس لديهم انتماءات سياسية". وعزا ذلك إلى "أن الواقع السياسي في السودان اليوم يحول دون ذلك، خصوصاً في ظل استمرار الحرب مع الدعم السريع وانتظار بعض الأطراف المساندة للجيش مكافأة على مواقفها الداعمة له".

مجدي عبد القيوم: سيتم الوصول لمعالجات، لا سيما أن الظرف السياسي معقد

في هذا الصدد قال المحلل السياسي، مجدي عبد القيوم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن وزيري الدفاع والداخلية "تمت تسميتهما لأنهما من اختصاص الوزارتين المعنيتين، أي هما اللتان تقدمان المرشحين لرئيس الوزراء لطبيعة المجال". وبيّن أن "المعايير هنا معلومة لأنها تخضع للقوانين المنظمة لعمل الوزارتين كأجهزة نظامية، لذلك ليس هناك أي صعوبة في الاختيار". وبرأيه "تُتداول أخبار حول خلاف مع أطراف عملية السلام، مع أن بعض ما يرشح لا يخلو من غرض لبعض الأطراف من خارج دائرة أطراف اتفاق جوبا".

الجدل القانوني، وفق عبد القيوم، حول أجل أو أمد الاتفاقية مع الحركات المسلحة "موضوعي، بالنظر للظروف التي اكتنفت الفترة الانتقالية". ومن ناحية أخرى "حددت الاتفاقية نسباً وليس مواقع بعينها على مستوى الحكومة الاتحادية"، مضيفاً أنه "مع ذلك أعتقد أنه سيتم الوصول لمعالجات، لا سيما أن الظرف السياسي معقد". وفي تقديره فإن "استحقاق السلام يوجبه موقفهم (الأطراف) الداعم للدولة كدولة في معركتها الوجودية أكثر ما توجبه الاتفاقية، ولا شك أن قادة هذه الفصائل يتمتعون بخبرات تمكنهم من تجاوز أي عقبات بشأن تشكيل الحكومة". ووفقاً للقيوم، تتطلب تجربة حكومتي عبد الله حمدوك السابقتين، التي وصفها بـ"الفاشلة" والتي "اتسمت بالمحاصصة"، "إعادة النظر في شأن مشاركة السياسيين"، لافتاً إلى أنه "من الأفضل أن يشكل رئيس الوزراء حكومة من التكنوقراط كاملة الدسم، ويشكل هذا أهم التحديات". وفي تقديره "سينجح في ذلك"، أما على صعيد متطلبات ومهام الحكومة السودانية "فقد لامسها أو أغلبها في خطابه الافتتاحي، وأهمها الأمن بمفهومه الشامل والاقتصاد، لأنهما ركيزتا أي نجاح أو فشل لأي حكومة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية