بين السري والمعلن ونموذج لبنان.. كيف ستواصل إسرائيل حربها على إيران؟
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

كشف العدوان العسكري الإسرائيلي المعلن على إيران الأخير، الذي استمر 12 يوماً، حجم اختراق المؤسسات الإيرانية ومنظوماتها المختلفة، ما يشير بحسب المنظور الإسرائيلي إلى بعض وجوه نجاعة "حرب الظل" التي اتبعتها تل أبيب في السنوات الماضية. ولكن بعد المواجهة المباشرة الأخيرة هل تعود إسرائيل إلى حربها السرية أم سنرى جولات جديدة من القصف الإسرائيلي على إيران؟

أدى الاختراق الإسرائيلي إلى نجاح الكثير من العمليات السرية والاستخباراتية، التي بدأت تتكشّف ملامحها منذ اليوم الأول للعدوان أكثر من أي وقت مضى، ما مكّن من اغتيال قيادات هيئة الأركان الإيرانية وعدد من العلماء، بالإضافة إلى كشف مصادر إسرائيلية عن وجود عملاء للموساد في إيران وتصنيع طائرات مسيّرة قرب طهران، شاركت في الهجمات. كما كشفت تقارير عبرية في الآونة الأخيرة، عن عمليات ممتدة منذ سنوات، تم خلالها مراقبة علماء ذرة إيرانيين واغتيالهم. وفي حين نفّذت إسرائيل عمليات في السر طوال سنوات مضت، في إيران وخارجها، باتت في الأشهر الأخيرة لا تهاب الإفصاح عن بعضها.

ويمهد كل ذلك لملامح المرحلة المقبلة، التي قد تواصل فيها إسرائيل عملياتها السرية وربما تحافظ على استباحة الأجواء الإيرانية بما أمكن، على غرار ما يحدث في لبنان رغم الاختلاف، ومن المتوقع أن يكون التركيز أكبر على زعزعة النظام الإيراني، وهو هدف بات معلناً على لسان وزراء إسرائيليين بعد ادعائهم نجاح إسرائيل، إلى جانب الولايات المتحدة، في تدمير مشروع التسلح النووي الإيراني والتخلص من تهديد الصواريخ البالستية، ولو إلى حين.

وصرّح وزير المالية وعضو الكابنيت الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، اليوم الأربعاء، في حديث لإذاعة "كان ريشت بيت" العبرية بأنه "يجب استهداف النظام في إيران والعمل على إسقاطه"، مضيفاً "أنهينا الحرب لأننا حققنا أهدافنا هناك ... لكن طالما أن هناك نظاماً يشكل تهديداً، فسيسعى دائماً للعودة، ويجب عدم السماح له بذلك. أعتقد أن هذه المهمة ممكنة، لكنها لا تتم عبر حرب، أو خلال أسبوع أو أسبوعين باستخدام القنابل والصواريخ". وأوضح سموتريتش أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيسافر إلى واشنطن قريباً "ويُنجز خطوات مهمة أخرى من الأفضل ألا تتم عبر الهاتف. يجب التعرّف إلى الرئيس الأميركي والأشخاص من حوله وفهم الديناميكية، ومعرفة كيف تسير الأمور هناك".

نموذج لبنان في إيران؟

ويشير مسؤولون إسرائيليون إلى أن انتهاء معركة لا يعني انتهاء الحرب. كما هدد نتنياهو إيران في خطاب له، بعد سريان وقف إطلاق النار، بأن تل أبيب ستعمل بنفس القوة، في حال حاولت طهران إعادة بناء المشروع النووي. وفيما يردد مسؤولون إسرائيليون كُثر أن الطريق إلى طهران باتت سالكة، بفعل التفوق الجوي الإسرائيلي، أشار نتنياهو قبل أيام إلى نموذج لبنان عندما أعلن أن إسرائيل ملتزمة بتحقيق أهدافها، سواء من خلال تسوية سياسية أو باستخدام القوة. ورغم أنه لم يستبعد إمكانية التوصّل إلى اتفاق يضمن مكاسب الحملة العسكرية، إلا أنه شدد على أن غياب مثل هذا الاتفاق سيتطلب الحفاظ على تلك المكاسب "تماماً كما نفعل في لبنان".

وينسجم كلام نتنياهو مع تصريحات مشابهة لوزير الأمن، يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان إيال زامير، ومسؤولين آخرين. فوفق أقوال كاتس يعمل الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة من أجل صياغة آلية للتعامل مع ما يسميه "الانتهاكات الإيرانية"، كما أصدرت تعليمات للجيش بوضع خطة تنفيذية شبيه بنموذج لبنان، على أن تكون أوسع وأكثر شمولاً، وذلك من أجل التصدي لمحاولات إيران إعادة تطوير مشروعها النووي وصواريخها. وقال زامير إنه "رغم الإنجاز الهائل، علينا أن نبقى ثابتين على الأرض. لا تزال أمامنا العديد من التحدّيات ... نحن ننتقل إلى فصل جديد يستند إلى الإنجازات التي تحققت في هذه الحملة (العسكرية)".

لكن يبدو أن النشوة التي يعيشها الإسرائيليون تنسيهم الدمار الذي تسببت فيه الصواريخ الإيرانية للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعدد القتلى والمصابين والجرحى والمشردين، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية. وإن رجحت كفة إسرائيل في هذه الحرب على الأقل حسابياً، لدى مقارنة ما حققه كل طرف وما خسره، فإن إيران دولة، وليست منظمة على غرار حزب الله أو المنظمات والحركات الأخرى في المنطقة، ومواردها أكبر وعلاقاتها أوسع، ومرحلة الصمت عن المواجهات المباشرة قد ولّت من قبل الطرفين، وبالتالي قد تواجه القوة بالقوة حتى لو كانت ردوداً لحفظ ماء الوجه أحياناً. وربما تواصل إيران تعزيز حضورها داخل إسرائيل، من خلال السايبر، وكذلك بتجنيد عملاء، مثلما فعلت حتى الآن. وأعلنت إسرائيل في الأشهر الأخيرة اعتقال العديد من الإسرائيليين بتهم التخابر مع إيران، آخرهم قبل أيام. وفي الوقت ذاته تحاول إيران رصد عملاء إسرائيل في أراضيها.

وفي السياق، يرى مدير برنامج إيران والمحور الشيعي في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، راز تسيميت، أنه "في غياب اتفاق، ستضطر إسرائيل إلى الاعتماد الكامل على قدراتها الاستخباراتية لمراقبة البرنامج النووي الإيراني، لكن لا يُعرف إن كان بالإمكان الاعتماد على الاستخبارات لرصد كل انتهاك محتمل في المستقبل. علاوة على ذلك، من غير الواضح ما إذا كان يمكن تطبيق النموذج اللبناني (الرد على كل خرق) على المدى البعيد. وحتى وإن بدا في هذه المرحلة أن الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان تماماً على ضرورة كبح إيران، فلا ضمان أن يستمر هذا التنسيق الوثيق على المدى الطويل، أو أن يظل الموقف الأميركي داعماً لحرية الحركة الإسرائيلية داخل إيران، خاصة في ظل تغيّرات سياسية محتملة في الولايات المتحدة في السنوات المقبلة أو تغييرات في سلم أولوياتها الدولية".

عمليات سرية

وفي إشارته إلى المرحلة المقبلة من المواجهة مع إيران، يرى تسيميت، أن وقف إطلاق النار الهش يشير إلى نهاية المرحلة الحالية، والأخطر حتى الآن، في المواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران. وتستطيع إسرائيل برأيه، اعتبار أنها حققت نجاحاً كبيراً، وحتى وإن بقي بحوزة إيران مخزون من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%، والذي كان لديها قبل العدوان وربما تم نقله إلى أماكن سرية، فإن برنامجها النووي قد تراجع بشكل ملحوظ.

ووفقاً لورقة الباحث الإسرائيلي، فإن الأسابيع القريبة ستبيّن إن كان يمكن لإسرائيل الحفاظ على إنجازاتها من خلال تسوية سياسية أو أنه سيكون عليها تطبيق ذلك بالقوة، لضمان رقابة أكبر على المشروع النووي الإيراني، وإن كان ذلك قد لا يمنع إيران من اللجوء إلى مسار سري لتطوير قدرات عسكرية نووية. وترى الورقة بأنه "في نهاية المطاف، يكمن الحل طويل الأمد للتهديد الإيراني على أمن إسرائيل، في تغيير النظام في طهران، غير أن ذلك يعتمد أولاً وقبل كل شيء على التطورات الداخلية داخل الجمهورية الإسلامية. وحتى يتحقق ذلك، ينبغي على إسرائيل أن تستعد لمواصلة المواجهة مع إيران من خلال وسائل دبلوماسية، واقتصادية، واستخباراتية، سرية، وأحياناً عسكرية أيضاً، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة لضمان تحقيق جميع أهدافها الاستراتيجية في مواجهة إيران، وعلى رأسها منعها من امتلاك سلاح نووي، وتفكيك المحور المؤيد لإيران، والحد من مشروعها الصاروخي".

ويخلص الباحث إلى أنه "في ظل هذه المعطيات، قد يكون من الأفضل الدفع نحو اتفاق نووي بشروط مُحسّنة، يُرسّخ النجاحات العملياتية الملحوظة التي حققتها إسرائيل والولايات المتحدة، ويسمح بمواصلة الرقابة اللصيقة على تطورات البرنامج النووي. أما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق كهذا، فستضطر إسرائيل إلى مواصلة حملة طويلة الأمد، تمزج بين ضربات عسكرية وعمليات إحباط سرّية، بهدف منع أي تحرك إيراني نحو التسلّح النووي".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية