
بعد نحو عامَين من تجميد أزمة سكان حيّ ميناء العريش شمالي شبه جزيرة سيناء بناءً على اتفاق مباشر مع وزير النقل المصري كامل الوزير، عادت الأزمة لتشتعل مجدداً مع شروع السلطات المصرية في تنفيذ قرارات إزالة جديدة للمنازل الواقعة ضمن نطاق توسعة الميناء، الأمر الذي ينذر بموجة تهجير قسري جديدة لعائلات تعيش هناك منذ عشرات السنين.
يقول أحد أعضاء لجنة الدفاع عن المتضررين من مشروع التوسعة في ميناء العريش لـ"العربي الجديد" إنّ "السلطات أطلقت بالفعل إجراءات إزالة جديدة طاولت ما تبقى من منازل في نطاق الميناء، وذلك في مخالفة صريحة للاتفاق السابق الذي أُبرم في صيف عام 2023 والذي تعهّدت في خلاله الحكومة بعدم طرد السكان قبل توفير مساكن بديلة لهم بالمستوى نفسه وفي موقع جغرافي مميّز بمدينة العريش يطلّ على البحر".
يضيف العضو في اللجنة، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، أنّ "الأهالي فوجئوا في الأسابيع الأخيرة بعقد اجتماعات متكرّرة في مقرّ محافظة شمال سيناء، حضرها مسؤولون أمنيون وحكوميون، بُحث في خلالها استكمال عمليات الإزالة وتعويض السكان مالياً. لكنّ هذه التعويضات، بحسب المتضررين، لا توازي بأيّ حال من الأحوال قيمة منازلهم ولا الموقع الذي شُيّدت فيه"، لافتاً إلى أنّ "المنطقة السكنية في موقع استراتيجي فريد لا يمكن تعويضه بمال".
ويصف عضو لجنة الدفاع عن المتضررين من مشروع التوسعة في ميناء العريش ما يحدث الآن بأنّه "نكسة حقيقية للاتفاق" مع الوزير، الذي ينصّ على تجميد كلّ أعمال الإزالة إلى حين بناء مجتمع سكني بديل في منطقة موازية لجهة الأهمية وكذلك الموقع، الأمر الذي لم يتحقّق حتى الآن. ويتابع أنّ اللجنة "تبحث تصعيد القضية مجدداً من خلال تنظيم احتجاجات نهارية وليلية، إلى جانب مخاطبة وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان".
من جهته، يفيد مصدر في مجلس مدينة العريش "العربي الجديد" بأنّ "تعليمات جديدة صدرت باستكمال أعمال التوسعة في منطقة ميناء العريش"، مشيراً إلى أنّ الأرض باتت مصنّفة "منطقة عسكرية" تابعة لوزارة الدفاع المصرية. يضيف أنّ "العمل جارٍ على إزالة ما تبقّى من منازل في المرحلتَين الرابعة والخامسة من المشروع"، وفقاً لخطة أشرفت عليها رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع، مشيراً إلى أنّ "تعويض السكان سوف يجري وفقاً لتقييمات اللجنة الفنية التي أنهت عملها قبل عامَين". ويذكر المصدر نفسه أنّ "المشروع يأتي من ضمن خطة أشمل لتطوير الموانئ والمطارات في شمال سيناء"، في إطار "رؤية الدولة لتنمية شبه الجزيرة"، الأمر الذي يستدعي بحسب قوله "تنفيذ قرارات نزع الملكية للمنفعة العامة".
وكانت الدولة المصرية قد بدأت في تنفيذ مشروع تطوير ميناء العريش بتحويله إلى "منطقة ذات نفع عام"، تبعتها قرارات بنزع ملكية آلاف الأمتار من الأراضي السكنية المحيطة ونقل تبعية الميناء بالكامل إلى وزارة الدفاع بقرار رئاسي، مع استبعاد الهيئة الاقتصادية لقناة السويس من إدارته. وتشير التقديرات إلى أنّ أعمال التوسعة تسبّبت في هدم ما لا يقلّ عن 1108 مبان سكنية بالإضافة إلى 32 مبنى تجارياً و23 منشأة حكومية ومرافق عامة، فيما وصفت غالبية الأسر التعويضات التي حصلت عليها بـ"الهزيلة" التي لا تتناسب مع خسائرها.
وعلى الرغم من مناشدات عديدة وجّهها السكان المتضررون إلى الجهات الرسمية، من بينهم أطفال أطلقوا رسائل مصوّرة يطالبون فيها بعدم طردهم من منازلهم، لم تتراجع الدولة عن تنفيذ الإزالات، في ظلّ خطط الدولة لتحويل الميناء إلى بوابة رئيسية لتصدير خامات سيناء التعدينية إلى الأسواق الخارجية. في هذا الإطار، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد علّق في وقت سابق على عمليات الإزالة في ميناء العريش بالقول: "نحن لا نعمل ضدّكم ولكن لأجلكم ولأجل بلدنا"، واعداً بتعويض الأهالي وتوفير فرص عمل لهم في إطار مشروع تطوير ميناء الصيد القديم، إلا أنّ تصريحاته لم تُترجَم إلى التزامات ملموسة على الأرض، بحسب تأكيدات السكان.
تجدر الإشارة إلى أنّ ميناء العريش أُنشئ في عام 1996 بوصفه ميناءً تجارياً على البحر الأبيض المتوسط، يشمل رصيفاً تجارياً بطول 242 متراً وآخر مخصّصاً للعائمات الصغيرة، إلى جانب مساحات للتخزين. وهو يستخدم، في الوقت الراهن، لتصدير المواد الخام من سيناء واستقبال السفن الصغيرة. وفي سياق متصل، يفيد محللون وخبراء بأنّ إمكانيات الميناء ما زالت "متواضعة"، ويفتقر إلى تجهيزات حديثة، مشيرين إلى أنّ اختياره للتوسعة جاء على حساب المنطقة السكنية الوحيدة المتبقية على ساحل شمال سيناء، على الرغم من توفّر بدائل في مناطق أخرى مثل "الكيلو 17"، يمكنها أن تتيح توسعة الميناء من دون إزهاق حقوق مئات العائلات.
