إناث البابون يعشن حياة أطول عند حضور الأب
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

رغم أن دور الأب في حياة كثير من الثدييات يكاد يكون غائباً، تكشف دراسة جديدة أن وجود الأب، حتى من دون تقديم رعاية مباشرة، قد يكون عاملاً فارقاً في بقاء الإناث على قيد الحياة، على الأقل في مجتمع قرود البابون.

ففي دراسة حديثة نشرت يوم 17 يونيو/حزيران الحالي في مجلة Proceedings of the Royal Society B، وجد باحثون أن الإناث من قرود البابون اللواتي يعشن في مجموعة واحدة مع آبائهنّ خلال السنوات الأولى من حياتهن، يعشن لفترة أطول مقارنة باللواتي فقدن آباءهنّ مبكراً أو لم يعشن معهم. تقول إليزابيث آرتشي، أستاذة البيولوجيا في جامعة نوتردام والمؤلفة الرئيسة للدراسة، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "ما رأيناه كان مفاجئاً، وجود الأب في حياة ابنته البابون يمكن أن يطيل عمرها من سنتين إلى أربع سنوات، وهي فترة زمنية كبيرة في حياة هذه الحيوانات".

راقب الفريق البحثي 216 أنثى بابون نشأت في النظام البيئي لأمبوسيلي في شرق أفريقيا، وقيّموا علاقاتها مع آبائها خلال السنوات الثلاث الأولى من الحياة. أظهرت النتائج أن ثلث هؤلاء الإناث عشن في المجموعة نفسها مع آبائهن لمدة ثلاث سنوات أو أكثر، في حين أن الثلثين الآخرين من إناث البابون فقدن آباءهنّ في وقت مبكّر، إما بسبب الموت أو المغادرة. وبحسب الدراسة، فإن العلاقة بين الأب وابنته لم تكن مبنية على الرعاية المباشرة، إذ إن الأمهات في هذا النوع من الرئيسيات تقدّم كل أشكال العناية والغذاء والحماية، لكن حتى التفاعل الاجتماعي البسيط مثل العيش المشترك أو تنظيف الفرو المتبادل، كان كافياً لترك أثر طويل الأمد.

تفسر آرتشي هذه الظاهرة بأنه ربما لا يحمل الأب طفله أو يطعمه، لكن وجوده القريب يمكن أن يكون بمثابة غطاء اجتماعي، خاصة إذا كان الأب ذكراً قوياً وتحبّه المجموعة. هذا الوجود يحسّن من فرص الابنة في التفاعل مع آخرين، ويقلل تعرضها للمضايقات أو الاعتداءات.

أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في الدراسة كان مراقبة عادة التنظيف المشترك بين الإناث وآبائهن. هذه العادة، التي تؤدي دوراً في النظافة الجسدية، تمثّل كذلك وسيلة للتواصل الاجتماعي وتعزيز الروابط. توضح المؤلفة الرئيسية في الدراسة: "بالنسبة للبابون، التنظيف هو ما يعادل لدينا الجلوس مع شخص ما على فنجان قهوة وتبادل الحديث. حين نرى علاقة تنظيف قوية بين الأب وابنته، فإننا نقرؤها مؤشراً على وجود علاقة اجتماعية متينة، وربما عاطفية أيضاً".

كما أن وجود الأب بجوار ابنته يزيد من تفاعلها مع أفراد آخرين في المجموعة، ما يكسبها شبكة اجتماعية أوسع، ويمنحها نوعاً من الحماية. فالذكور في بعض الأحيان يتدخلون في النزاعات داخل المجموعة لصالح بناتهم أو حتى أمهاتهم، وهو ما يقلل من تعرضهنّ للأذى ويعزز فرصهنّ في البقاء. لكن من اللافت أن الدراسة وجدت أن قوّة العلاقة بين الإناث والذكور الآخرين (غير الآباء) لم يكن لها التأثير الإيجابي نفسه على معدلات البقاء، تقول آرتشي: "يبدو أن الرابط الجيني يلعب دوراً مهماً. الذكور الآخرون قد يتفاعلون مع الفتيات، لكنّهم لا يقدمون نفس مستوى الحماية أو الدعم الاجتماعي الذي يوفره الأب".

وبينما يعرف عن ذكور البابون أنها في ذروة شبابها تنشغل بالتكاثر والبحث عن الإناث، فإنها بعد تلك المرحلة تبدأ في الانسحاب من المنافسة على التزاوج، وتصبح أميل إلى البقاء في المجموعة، وهي فرصة لبناء علاقات أقوى مع أبنائها. تضيف الباحثة أنه بمجرد أن يتراجع الذكر عن دوره بوصفه مهيمناً في التزاوج، يتحول إلى ما يمكن تسميته بوضع الأب، فيتوقف عن التنقل ويقضي وقتاً أطول مع صغاره، هذا ما يمنح إناثه فرصة أكبر لبناء علاقة ذات أثر طويل المدى.

تشير الدراسة إلى أن الأدوار التي نعتبرها صغيرة أو ثانوية في سلوكيات الحيوانات، قد تكون لها آثار بيولوجية هامة؛ فعلاقة الأب بابنته، حتى من دون تقديم رعاية مباشرة، قد تقلّل من الأثر السلبي الذي تتركه مصاعب الحياة المبكّرة على فرص البقاء. وتختم آرتشي حديثها بالقول إنّ "كثيراً من الناس يظنون أن الآباء في معظم الثدييات لا يفعلون شيئاً، لكنّنا نبدأ في فهم أن مجرد وجود الأب، وتفاعله الاجتماعي المحدود، يمكن أن يكون له آثار تطورية مهمة. وربما هذا يفتح الباب لفهم كيف بدأت الرعاية الأبوية في التطور عند البشر أيضاً".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية