
شرعت وزارة السكن والعمران والمدينة الجزائرية في تطبيق نظام جديد يهدف إلى محاصرة الأموال المشبوهة، وسدّ الثغرات المالية المشبوهة في القطاع العقاري، من خلال فرض ضوابط صارمة على الأعوان العقاريين، في إطار الجهود الوطنية لمكافحة تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل. النظام الجديد، الذي نُشر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية ويحمل توقيع الوزير محمد طارق بلعريبي، يأتي تنفيذاً لأحكام المرسوم التنفيذي 23-430، ويُلزم الأعوان العقاريين باتباع جملة من التدابير الوقائية لضمان الشفافية ومتابعة مسارات الأموال بدقة، لا سيّما وأنّ الجزائر وقعت على جملة اتفاقيات دولية ملزمة في إطار مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب.
تقييم المخاطر وتحديد هوية الزبائن
من أبرز ما جاء في النظام الجديد، إلزام الأعوان العقاريين بإجراء تقييم شامل للمخاطر المحتملة، من خلال تحليل علاقة الزبائن بعملياتهم، وطبيعة المنتجات والخدمات التي يقدمونها، إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الجغرافية ومصادر المعلومات الوطنية والدولية ذات الصلة. قبل الشروع في أي عملية عقارية، يُفرض على العون العقاري التحقق من هوية الزبون والمستفيد الحقيقي والوكلاء المحتملين، مع توضيح غرض العملية وطبيعتها، كما يجري رصد سير العلاقة طيلة فترة التعامل للتأكد من مطابقة النشاطات مع المعلومات المعلنة.
وفي حال الاشتباه بأي عملية أو في حال تعذّر التحقق من هوية الزبون، يفرض النظام على العون العقاري الامتناع عن تنفيذ العملية، مع توجيه إخطار فوري بالشبهة إلى الهيئة المختصة، كما يُمنع أي إجراء قد يؤدي إلى تنبيه الزبون عند وجود شكوك تتعلق بتبييض أموال أو تمويل نشاطات مشبوهة، ويشدّد النظام على أن جميع المعلومات المتعلقة بهذه الشبهات تُصنف ضمن السر المهني، ولا يجوز الكشف عنها لأي طرف غير الجهات المختصة، مع التأكيد على التزام العون العقاري بالرد الفوري على أي طلب معلومات إضافية صادر عن الهيئة المعنية.
رقابة مشدّدة على المسؤولين
ومن بين الإجراءات الصارمة كذلك، اشتراط تطبيق تدابير عناية معزّزة عند التعامل مع الأشخاص المعرضين سياسياً، سواء داخل الجزائر أو خارجها، مثل كبار المسؤولين أو من شغلوا مناصب حساسة في الدولة أو لدى منظمات دولية. وتشمل هذه التدابير الحصول على معلومات دقيقة عن مصدر الأموال وتكثيف المراقبة الدورية، ويفرض النظام الجديد على الأعوان العقاريين أيضاً تأجيل تنفيذ أي عملية يُشتبه في ارتباطها بأموال غير شرعية، والإبلاغ الفوري عن كل معاملة غير طبيعية أو لا تتماشى مع أنشطة الزبون المعلنة.
ولا تنتهي مهمة العون عند هذا الحد، بل يتعيّن عليه إرسال المعلومات التكميلية التي تتعلق بالاشتباه في تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب أو تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل، خلال آجال حددتها المادة 17 مكرر من القانون رقم 05-01، كما يجب عليه الرد خلال نفس الآجال على أي طلب معلومات آخر وارد من الهيئة المتخصّصة، حتى ولو لم يرتبط بأي إخطار بالشبهة. أما في حال اشتباه الأعوان العقاريون في أنّ عملية ما تتعلق بتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب أو تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل، واعتقدوا الأسباب منطقية أنهم سيقومون بتنبيه الزبون أثناء مواصلتهم تطبيق واجب العناية، فإنه يجب عليهم الامتناع عن تنفيذ هذا الإجراء وإرسال الإخطار بالشبهة إلى الهيئة المتخصّصة.
بهذا الإطار، تكون وزارة السكن قد اتخذت خطوة حاسمة نحو تنظيم القطاع العقاري، وتحصينه من الاستغلال من شبكات المال الفاسد والأنشطة غير المشروعة، في سياق إصلاحات تشريعية ومؤسّساتية أوسع تقودها الدولة، من منطلق أنّ يعتبر من بين أهم القطاعات التي تستقطب معاملات غسيل الأموال، التي تختبئ وراء المشاريع العقارية ذات الرواج الكبير في الجزائر.

أخبار ذات صلة.
