الفلسطينيون السوريون يواجهون تحدّيَين دفعة واحدة
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

أيّ قدَرٍ هذا الذي يجعل بعض الناس يولدون فلسطينيين سوريين؟ هذا يعني أنّ عليهم أن يحملوا على كتف واحدة، ثقل الأعباء التي تواجه السوريين الآن، مع ثقل الأعباء التي تواجه الفلسطيين دائماً. 
ومنذ عام النكبة 1948 عاش الفلسطينيون في سورية مندمجين مع المجتمع السوري، متشاركين معه في كل شيء، ولذلك حين أتت الثورة السورية كانوا جزءاً منها، ودفعوا ثمن ذلك، مثلما دفع السوريون وزيادة.

مثل جميع السوريين، يواجه الفلسطينيون السوريون تحدّيات رئيسية، أولها إعادة إعمار بيوتهم، والكشف عن مصير آلاف المعتقلين والمختفين 

من بين عيوبه وجرائمه التي لا تحصى، فعل حزب البعث شيئَين طيّبَين: ترك شعوراً عاماً لدى سوريين كثيرين أن العربي ليس أجنبياً، وأن فلسطين قضية شخصية لا سياسية.  ومنذ 1949، بداية اللجوء الفلسطيني إلى سورية، حظي الفلسطينيون في سورية بأفضل وضع قانوني في جميع الدول العربية، وتعامل معهم الشعب السوري أولاً، والسلطات المتعاقبة ثانياً، بوصفهم جزءاً من نسيج المجتمع السوري، وكان لهم جميع حقوق السوريين، وكانوا جزءاً أصيلاً من المجتمع السوري، وكانت كلمة فلسطيني في أي مكان في سورية تطابق تماماً أن تقول: ديري، أو حوراني، أو حموي. 
مع قيام الثورة السورية، انخرط الفلسطينيون السوريون فيها، مثل جميع فئات الشعب السوري، فقامت مظاهرات واسعة في مخيّمات اليرموك في دمشق والرمل في اللاذقية والنيرب في حلب، وردّ عليها النظام بقسوة مفرطة، فحاصر مخيّم اليرموك وقطع عنه الماء والغذاء، في واحدة من أسوأ جرائمه خلال الثورة، وقصف بالطائرات والمدفعية مخيّمات حمص والرمل وحندرات، واعتقل آلاف الفلسطينيين، لم يُعرف بعد مصير معظمهم. 
يحاول الفلسطينيون السوريون، وفي سورية الجديدة، أن يتلمسوا طريقهم، ليكونوا جزءاً منها، في ظل تحدّيات كبيرة تواجههم، فهم يتشاركون مع السوريين الآخرين مئات التحدّيات الصعبة، ويضيفون عليها تحدّياتهم الخاصة، خصوصاً أن التغيير السياسي في سورية جاء في لحظة تخلي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عن جزء من دورها ومهامها، بسبب قرار الولايات المتحدة عدم تمويلها، على وقع الحرب الإسرائيلية على غزة، لزيادة الضغط على الشعب الفلسطيني. 
يتجاوز عدد الفلسطينيين في سورية 650 ألفاً، وبحسب تقديرات "أونروا"، فالعدد تجاوز 670 ألفاً، منهم 581 ألفاً، مسجلون لديها وتقّدم لهم الخدمات التعليمية والصحية وبعض المساعدات. ويتوزع الفلسطينيون في سورية على 13 مخيماً، أبرزها اليرموك، إذ يعيش معظم هؤلاء اللاجئين في ظروف صعبة، ويعاني أكثر من 91% منهم من الفقر، ويعيش أكثر من 40% منهم في حالة نزوح مطول بسبب النزاعات والدمار الذي لحق بمساكنهم. 
كان الفلسطينيون في سورية يتمتعون بحقوق مدنية كاملة باستثناء الجنسية والحقوق السياسية، بفضل المرسوم 260 لسنة 1956. ومع ذلك، أضعفت سنوات الحرب هذا الموقع، وزادت من التهميش القانوني والتضييق الإداري عليهم. وفي 1949، لجأ 80 ألف فلسطيني إلى سورية، وتوزّعوا على مخيّمات اليرموك وخان الشيخ وجرمانا وخان دنون وسبينة والست زينب والوافدين في دمشق، والنيرب وحندرات بحلب، والعائدين بحمص، والرمل باللاذقية، ومخيّم حماة. ومخيّم درعا. 

مع سقوط الأسد انكشف حجم الدمار في المخيّمات، وأهمها مخيّم اليرموك

وقد تراكبت على الفلسطينيين السوريين ظروفٌ معقّدة، جعلت حياتهم أصعب، والتحديات التي تواجههم أشد صعوبة، فمع تراجع تمويل "أونروا" وسقوط نظام بشّار الأسد، والمرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سورية، خرجت إلى السطح تحديات كبيرة تتعلق بإعادة إعمار المخيّمات المدمرة، خاصة مخيّم اليرموك. والكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياً، وعودة النازحين داخلياً وخارجياً، وتوفير بيئة قانونية وإنسانية تضمن حقوق اللاجئين وتحفظ كرامتهم وأمانهم.
ومع سقوط الأسد انكشف حجم الدمار في المخيّمات، وأهمها مخيّم اليرموك، الذي تعرض لدمار كبير، بسبب مشاركة سكانه في المرحلة الأولى من الثورة السورية، إذ تقدّر نسبة الدمار في الممتلكات والأبنية بحوالى 60%، مع وجود 20% من الأبنية غير صالحة للسكن والآيلة للانهيار، بينما بلغت نسبة الدمار في مخيّم حندرات حوالى 80%، ما يجعله من أكثر المخيّمات تضرراً، مثل مخيّم درعا الذي تعرّضت 80% من بيوته للتدمير الممنهج والمقصود، وفي مخيّم خان الشيح، بلغت نسبة الدمار 30%، وتعرّضت بقية المخيّمات لأضرار متفاوتة بحسب موقعه وعدد سكانه. 
ليس الدمار والحاجة إلى إعادة الإعمار التحدّي الوحيد الذي يواجه الفلسطينيين السوريين، إذ يعانون من نقص في الخدمات الأساسية والبنية التحتية، وتراجع التعليم والخدمات الصحية، والانفلات الأمني، وانتشار البطالة والفقر. ... ومع تراجع الدور المركزي لوكالة أونروا، بسبب نقص التمويل، تحاول السفارة الفلسطينية في دمشق سدّ جزء من الفراغ، عبر التعاون مع منظمّات عدّة لتقديم الخدمات اللازمة مثل؛ الهلال الأحمر الفلسطيني الذي يقدّم خدمات طبية وإنسانية في المخيّمات الفلسطينية في سورية، ومنظمّة التحرير الفلسطينية التي تعمل على دعم حقوق الفلسطينيين وتقديم المساعدات المختلفة من خلال السفارة، مع استمرار دور أصغر لوكالة أونروا في تقديم خدمات تعليمية وصحية وإغاثية. 
وتتفاوت أوضاع الفلسطينيين كثيراً بين المخيّمات المختلفة، إذ يشهد بعضها استقراراً نسبياً، بينما تعاني أخرى من مشكلات أمنية واجتماعية كبيرة، ولكنّ جميع المخيّمات تعاني من تردّي البنية التحتية، وتراجع الخدمات الصحية والتعليمية وعدم توفر فرص العمل. 
ومثل جميع السوريين، يواجه الفلسطينيون السوريون تحدّيات رئيسية، أولها إعادة إعمار بيوتهم، والكشف عن مصير آلاف المعتقلين والمختفين، الذين خطفهم النظام خلال سنوات الثورة، ووضعهم في معتقلاته الرهيبة، وهذا كان الفعل الوحيد الذي صدق فيه النظام السابق، حين كان يقول: لا فرق بين الفلسطيني والسوري، فقد ساوى بينهم حقاً في الدمار والموت والاعتقال، 
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الفلسطينيون إلى تحسين الوضع القانوني، إذ يمكن للفلسطينيين في سورية الاستفادة من التغيرات السياسية لتحسين وضعهم، وضمان حقوقهم المدنية والسياسية في الدولة الجديدة. وعودة النازحين، داخلياً أو خارجياً، إذ يحتاج هؤلاء النازحون إلى دعم لإعادة بناء حياتهم واستقرارهم في مناطقهم الأصلية. ويمكن التعويل على التعاون الدولي لتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، وتقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار. 
على الرغم من التحدّيات الكبيرة، هناك آمال معلقة على مستقبل أفضل للفلسطينيين في سورية، في ضوء التغيرات السياسية والاجتماعية الجارية.
 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية