ضريبة الدخل على الأفراد في عُمان... تعرف على الإيجابيات والسلبيات
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

سلط إعلان سلطنة عمان عن فرض ضريبة دخل على الأفراد لأول مرة في تاريخها الضوء على الأسباب الدافعة لها وتوقيت الإعلان عنه، وذلك في إطار تحول اقتصادي بالسلطنة يهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، استجابة لتحديات مالية متراكمة وتغيرات في المشهد الاقتصادي العالمي.

وبحسب مرسوم سلطاني، صدر أول من أمس بعد إقرار مجلس الشورى لأول قانون ضريبة على الدخل الشخصي في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الضريبة تمثل نسبة 5% من دخل كل فرد يتجاوز دخله السنوي مبلغ 42 ألف ريال عماني (نحو 109 آلاف دولار)، بعد خصم مصاريف التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الإعفاءات التي نص عليها القانون.

ووفقاً لمنشور حساب مركز التواصل الحكومي العماني، فإن القانون سيحدد كيفية تقديم الإقرار الضريبي وفقاً للنموذج المعد بصورة رقمية، على أن يتم العمل بالضريبة الجديدة اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 2028، وأن يقوم رئيس جهاز الضرائب بإصدار اللائحة التنفيذية خلال عام من تاريخ إعلان فرض الضريبة، إلى جانب القرارات اللازمة لتطبيق أحكامه.

رؤية عُمان 2040

وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية عُمان 2040، التي تضع في صميم أولوياتها إصلاح المالية العامة وتوسيع القاعدة الضريبية، بعد أن كشفت أزمات أسعار النفط المتكررة وجائحة كوفيد-19 هشاشة الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية، وهو ما يتعزز هذه الأيام بتصعيد الحرب في المنطقة بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، وفق إفادة خبير لـ"العربي الجديد".

وجاء الإعلان عن فرض الضريبة بعد سنوات من الإصلاحات المالية في سلطنة عمان، شملت تقليص الدعم وفرض ضريبة القيمة المضافة، ما أسهم في خفض نسبة الدين العام من نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي في ذروة أزمة جائحة كورونا عام 2020 إلى حوالي 35% حالياً، حسب بيانات رسمية.
ومع ذلك، فإن استمرار تقلب أسعار النفط وتباطؤ نمو الإنتاج النفطي دفع الحكومة العمانية إلى البحث عن مصادر دخل مستدامة، خاصة أن مساهمة النفط في الناتج المحلي لا تزال مرتفعة، كما أن الضغوط الاجتماعية الناتجة عن ارتفاع تكاليف المعيشة والحاجة إلى تمويل برامج الرعاية الاجتماعية فرضت ضرورة إيجاد موارد مالية إضافية.
وإزاء ذلك، يشير تقدير نشره صندوق النقد الدولي إلى أن الإيرادات المباشرة من ضريبة الدخل الشخصي ستشكل نحو 0.3% من الناتج المحلي غير النفطي، وسيتمثل أثرها في تعزيز استدامة المالية العامة، وتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية، وتحقيق قدر أكبر من العدالة في توزيع الأعباء المالية، مع تقليل الفوارق الاجتماعية ودعم برامج الحماية للفئات الأقل دخلا، ما يمنح الحكومة مرونة أكبر في مواجهة الصدمات الاقتصادية مستقبلا، ويقلل من اعتمادها على الاقتراض الخارجي.

التحديات الجيوسياسية والاقتصادية

وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير الاقتصادي العماني، خلفان الطوقي، لـ "العربي الجديد"، أن سعي سلطنة عمان إلى فرض ضريبة جديدة على دخل الأفراد يأتي ضمن خطة مدروسة تهدف إلى تعزيز استقرار المالية العامة في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، مشيراً إلى أن هذه الضريبة هي آخر حلقات النظام الضريبي الجديد، الذي شمل سابقاً فرض ضريبة على أرباح الشركات، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة على المنتجات الانتقائية، وأخيراً المنتجات المحلاة. ومن وجهة نظر الحكومة العمانية، فإن هذه الخطوة تمثل تطوراً طبيعياً في بناء نظام مالي متوازن، وهو ما تدعمه أيضاً المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بشرط أن تكون الآثار الاقتصادية والاجتماعية محدودة وغير مؤلمة، حسب الطوقي، مشيراً إلى أن الحكومة العمانية لم تتجاهل حساسية الموضوع، وحددت فترة إعداد تمتد إلى سنتين ونصف السنة، لمنح المجتمع الوقت الكافي للتأقلم مع الفكرة وفهم آلياتها.
كما اختارت الحكومة العمانية توقيتاً للإعلان عن فرض الضريبة يختلف عن دول الخليج الأخرى، ما يراه الطوقي دليلاً عن دراسة لجدوى التطبيق وتأثيراته المستقبلية، لافتاً إلى أن الأهداف الرئيسية لضريبة الدخل الشخصي تتمثل في تحقيق التنوع المالي وتعزيز الشفافية المالية والعدالة الضريبة أكثر من تحقيق إيرادات مالية كبيرة.

إيرادات الضريبة الجديدة

فالإيرادات المتوقعة للضريبة تقدر بحوالي 88 مليون ريال عماني سنوياً (الريال = نحو 2.597 دولار)، لكن الحكومة ترى فيها سبيلاً للتنويع المالي وتقليل حالات التهرب الضريبي، سواء من قطاع الشركات أو من أصحاب الدخل المرتفع غير الخاضع حالياً لأي رقابة ضريبية مباشرة.

وعلى الرغم من هذه الحجة الحكومية، يبدي الطوقي معارضته لهذا النوع من الضرائب، موضحاً أن تطبيقها قد يكون له تأثير نفسي سلبي على المستثمر المحلي والأجنبي، وقد يؤدي إلى زيادة حالات التهرب الضريبي بدلا من تقليلها، لافتاً إلى أن التكلفة التشغيلية لإدارة الضريبة قد تكون أعلى من العائد المالي المتوقع منها، خاصة في دولة صغيرة الحجم السكاني نسبياً مثل عمان.
ويضيف الطوقي أن عدد الأشخاص الذين سيشملهم التطبيق الأولي للضريبة لا يتجاوز 45 ألف شخص، ومع وجود استثناءات محتملة لنصف هذا العدد، فإن العائد الفعلي من تطبيق الضريبة سيكون أقل بكثير مما هو متوقع.

بدائل جيدة... ومخاوف المستثمرين

وحتى هؤلاء الذين سيقع عليهم التطبيق الفعلي، مثل الموظفين الحكوميين الموجودين في السجلات الرسمية، يمكنهم تقديم إقرارات مصروفات تقلل من قيمة الضريبة المستحقة، أو تلغيها كليا، حسب الطوقي، الذي يرى أن هناك بدائل أكثر فعالية وجدوى اقتصادية، مثل التركيز على تحسين آليات تحصيل ضريبة أرباح الشركات، أو تطوير نظام ضريبة القيمة المضافة، حيث أن تحسين هذين الجانبين من شأنه أن يحقق إيرادات تزيد 10 أضعاف ما تتوقعه الحكومة من ضريبة دخل الأفراد، حسب تقديره.

ولذا يتوقع الطوقي أن يتم التراجع عن الإعلان عن فرض ضريبة الدخل الشخصي في عمان لاحقاً، لافتاً إلى صعوبة تطبيقها على أرض الواقع، وعدم تناسبها مع هيكل الاقتصاد الوطني الصغير نسبياً، معتبراً أن تركيز الجهود على تحسين التحصيل الضريبي الحالي يساهم في تقليل التعقيدات الإدارية وتجنب الهدر المالي.

أما الضريبة بوضعها الحالي، فيرى الطوقي أنها لن تحقق سوى عبء إضافي على الطبقة الوسطى، بينما سيبقى معظم أصحاب الدخول المرتفعة خارج نطاق التطبيق الفعلي، إما عبر الاستثناءات أو التهرب أو هجرة رؤوس الأموال، ولذا فإن الحلول البديلة التي تستهدف تحسين إدارة المصادر الضريبية القائمة تبقى أكثر منطقية وفعالية، وتخدم مباشرة عملية التحديث المالي والاقتصادي التي تعمل عليها السلطنة منذ سنوات، حسب تقديره.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية