رأسمال سورية البشري الخائف
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

شهدت سورية حتى نالت حريتها، أكبر موجة لجوء ونزوح إنساني لشعب في التاريخ المعاصر، بعد الحرب العالمية الثانية، لتخسر أكثر من نصف السكان، نحو 13 مليون إنسان، بين نازح في الداخل ولاجئ في الخارج، ما استلزم دق ناقوس الخطر وتحضير الأحزان وورقة وقلم وأصحاب القرار، لمحاولة اتخاذ كل ما يلزم، لتلافي هذه الكارثة التي لا تحدها أو تماثلها كارثة.

فأي خسارة مادية ومهما بلغت، يمكن تعويضها أو تلافي آثار خسارتها، ولو خلال معاناة مع الزمن والاستثمار، بيد أن خسارة البشر، من قتيل ومعاق ومهاجر لن يعود، هي خسائر أبدية وبأبعاد وآثار عدة، فالدولة لم تخسر رقماً أو نسمة كانت ضمن إحصاءات سكانها، بل خسرت رأس مال لا يعوّض، رأس مال يمنحها القدرة التنافسية لبلوغ التنمية المستدامة وزيادة النمو الاقتصادي، فالعنصر البشري لا يوازيه أي مكوّن من عناصر الإنتاج ومحددات الإنتاجية، لذا رأيناه ولم يزل، في مقدمة مقاييس ثروات الأمم، ورأينا ولم نزل، التركيز على زيادة وتطوير وتراكم رأس المال البشري، فرغم أنه ليس من الملموسات خلال تقييم الشركات والأعمال، إلا أنه ومع المادة "الموجودات" يحدد القيمة الإجمالية للشركة أو التقييم العام لتطوّر الدولة.

ولأن من قتلته عصابة الأسد أو عوّقه حلفاء العصابة وأنصار النظام البائد، بات فاقداً أبدياً لا يمكن تعويضه أو استعادته، تقتضي الضرورة ومصلحة سورية وحلم البناء، البحث، عبر الورقة والقلم وقرار السلطة، في استعادة رأس المال البشري المهاجر والنازح، إلى جانب تطوير الموجودين وتأهيلهم، إذ بذلك، وربما بذلك فقط، يمكن زيادة ثروة المجتمع التي لا تتأثر بحدث عابر أو إفلاس جائحة.

قصارى القول: رأس المال البشري السوري المهاجر، أنواع ومستويات وربما من غير الجائز، قياسه بمسطرة واحدة أو التعاطي معه بطريقة واحدة.

فمن هاجر وأسس عملاً في الخارج واعتاد ميزات وتسهيلات وقدرات شرائية وأسواق، قد يتردد في العودة إن لم ير مناخاً جاذباً وقانوناً واضحاً وأماناً وتشجيعاً، ولو بنسبة أقل بقليل من التي يعيشها بمغتربه، لأن عامليّ الوطنية والحنين قد يحدثان قيمة مضافة لخياراته وتفضيله...ويرجّحان.

وإن لم يجد، فقد يكتفي، إرضاء للوطنية والحنين، بزيارة سورية ويترك عمله يكبر ويتطوّر في الخارج، وما بذلك من جبن رأس المال أو اللاوطنية بشيء.

وكذا بالنسبة لجلّ المهاجرين السوريين، حتى العمال الذين يتقاضون أجوراً عالية ويتنعمون بخدمات ومواطنة في بلدان لجوئهم، إن لم يجدوا ما يحفظ لهم كراماتهم ودخولهم ومستوى معيشة مقبول، فعلى الأرجح، أن يؤسسوا لبقاء دائم، خاصة أن ارتباطهم ببلدان اللجوء، بات فيزيائياً بحكم العمل والأولاد...وللأولاد أو ما يسمى الجيل الثاني من السوريين المهاجرين، قصة أخرى لها وفيها من الاحتمالات والخسران، ما يستأهل مؤتمراً وطنياً وقوانين وإغراءات، علها تقنع من أجاد اللغة ودرس واندمج، أن يعود.

ومن مستويات رأس المال البشري السوري المهاجر، ربما أهمها أو أقدرها على نقل المعرفة والتطور والمساهمة بالنمو وتغيير مفاهيم وعادات، نحو الأفضل، هم الموفدون للدراسة بالخارج، في قطاعات طبية وهندسية وتخصصات تكنولوجية ومعرفية، سورية بأمس الحاجة لها اليوم، لتنطلق أو لتتسارع انطلاقتها.

وهؤلاء الموفدون، بحكم الحرب على الثورة وفقدان الأمان وتفشي القتل والاعتقال، وقعوا بمخالفة التأخير عن العودة بالزمن المحدد للإيفاد، فوقع عليهم، بحكم القانون، حقوق تسديد تكاليف الإيفاد بالعملة الصعبة، أو تم فصلهم من الجامعات إن كانوا أساتذة أوفدوا لتحصيل شهادات عليا، أو طلبوا أمنياً وعُممت أسماؤهم على الحدود، بعد أن رُفعت دعاوى عليهم وحُجز على أموالهم، إن كانوا من التكنوقراط وأوفدتهم مؤسسات عملهم، لدروات تأهيلية أو لدراسات وأبحاث ونقل تجارب.

وربما من يعرف أن عدد الموفدين السوريين، بدول الاتحاد الأوروبي فقط، يقدر بنحو خمسة آلاف، يعي مدى خطورة خسارتهم وقوة استعادتهم، ويقدر مطلبنا بالسعي لكل ما يلزم ويمكن، لاستعادة تلك الكنوز الثمينة والمكتبات المتنقلة التي ترفد بلدانها الجديدة، بالعلم والمعرفة وأسباب التطور.

فالنظام البائد اعتبر الموفدين المتأخرين من أسباب الحرب، حتى أساتذة الجامعات منهم "مجرمون" لأن القانون يعد ترك العمل جرمًا، ويطالب بضعفي المبالغ التي صرفها على الموفدين، وتقدر بـ 200 ألف دولار على الأقل، وتصل لدى البعض إلى 500 ألف دولار.

ولم يكتف نظام الأسد بتجريم الموفدين المتأخرين وتغريمهم، بل وضع أسماءهم على لوائح المطلوبين والممنوعين من السفر، وما زالت الأسماء كذلك منذ أكثر من 14 عاماً، بالإضافة إلى تجميد الأموال والممتلكات في سورية. من دون أن يفكر بطرق استرداد حقوق الدولة من خلال الخدمة عن بعد أو تقديم إنجازات علمية، أو بمدى الخسائر أو الظروف الخاصة لكل موفد، أو حتى بدوره وعصابته بتأخير العودة والخوف على الحياة، من القتل والاعتقال.

نهاية القول: أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع أخيراً، مرسوماً جمهورياً "97 لعام 2025" منح خلاله الموفد مدة سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه، إذا حصل على المؤهل العلمي المطلوب منه في قرار إيفاده بعد تاريخ 15-03-2011.

في حين ترك المرسوم لوزارة التعليم العالي أن تصدر التعليمات التنفيذية للمرسوم، وهو مربط الفرس ومحور الطرح.

والآمال معقودة اليوم على التعليمات التنفيذية لإيجاد آلية لتسوية شاملة لأوضاع الموفدين، بما يسمح لهم بالعودة، بعد إلغاء الديون غير المنطقية أو دفع المستحقات بالليرة السورية وفق سعر اغترابهم، إن لم نطلب الإعفاء والنظر إلى الفائدة بمنظار أوسع، ورفع أسمائهم عن قوائم المجرمين المطلوبين، لتضرب الوزارة سرب عصافير بحجر واحدة.

لذا يقتضي النهج والذهنية الجديدة لسورية، استعادة أهم فاقد ورأس مال سوري مهاجر، تشجع غير الموفدين، من تجار وصناعيين وحتى عمالة، للعودة لوطن يرى مواطنيه حاملاً للتنمية..وكل ما عداهم محمولاً.

فحين نعرف أن في ذروة اللجوء عام 2015 استقبل الاتحاد الأوروبي فقط، نحو مليون لاجئ سوري، 59% منهم في ألمانيا، وحين نعرف، وفق إحصاء ألماني رسمي بنهاية عام 2024، أن نحو 6 آلاف طبيب سوري يعملون في ألمانيا، نعلم حينها ونشعر، بمدى تفاهة قوانين بشار الأسد وضرورة استعادة الكفاءات السورية التي أحدثت فارقاً نوعياً في بلدان اللجوء، فأضافت هناك رغم حاجة سورية الجريحة اليوم، لهذه الرساميل الهائلة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية