
لم تتأخر الحكومة السورية في اتهام تنظيم داعش بالوقوف وراء تفجير كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة بالعاصمة دمشق، أول من أمس الأحد، وسط ارتفاع عدد الضحايا إلى 25 قتيلاً و63 جريحاً، وتوالي الإدانات الدولية والعربية، فيما توعد الرئيس السوري أحمد الشرع أمس باستنفار الأجهزة الأمنية المختصة، لضبط كل من شارك وخطط لهذه الجريمة، وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل.
وخيّمت الصدمة على السوريين، لا سيما في دمشق جرّاء هذا التفجير. وأعلنت وزارة الداخلية السورية أن التحقيقات الأولية تشير إلى مسؤولية تنظيم داعش عن التفجير الأول من نوعه في دمشق منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وأوضح المتحدّث باسم الوزارة، نور الدين البابا، في مؤتمر صحافي أول من أمس، أن منفّذ الهجوم هو انتحاري دخل الكنيسة وفجّر نفسه بعد إطلاق النار، بيد أنه أشار إلى أن "فلول النظام البائد لديهم مصلحة في إشاعة الفوضى في سورية، إضافة إلى تنظيم داعش الإرهابي"، قبل أن يشير البابا مساء أمس إلى أن "عملية أمنية نوعية، بالتعاون مع جهاز المخابرات العامة، استهدفت عدداً من أوكار تنظيم داعش في دمشق وريفها، من بينها وكر المجموعة المتورطة في الاعتداء الإجرامي على كنيسة مار إلياس". وأعلنت وزارة الصحة، أمس الاثنين، ارتفاع حصيلة ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس إلى 25 قتيلاً، و63 مصاباً. وعززت وزارة الداخلية، أمس الاثنين، من إجراءات الحماية حول الكنائس في العاصمة والأحياء التي يقطنها مسيحيون (القصاع، باب توما، باب شرقي).
استنفار قبل تفجير كنيسة مار إلياس
وكان "العربي الجديد" رصد الأحد الماضي، قبيل ساعات من وقوع تفجير كنيسة مار إلياس حالة استنفار لقوات الأمن العام بمعظم شوارع دمشق وتكثيف عدد الدوريات على نحو يتجاوز الوضع الطبيعي، ما يمكن تفسيره بأنها قد تكون تلقت معلومات من جهات خارجية عن عملية إرهابية وشيكة، كما قد يفسر هذا الاستنفار الذي سبق الاعتداء مسارعة الحكومة إلى توجيه الاتهام لتنظيم داعش.
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا)، أمس الاثنين، أن وزير الداخلية أنس خطاب عقد اجتماعاً مع رئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة "للوقوف على آخر مجريات التحقيقات المتعلقة بالتفجير الإرهابي في كنيسة مار إلياس بدمشق". بدوره، قال الرئيس السوري، في بيان، إن "هذه الجريمة البشعة التي استهدفت الأبرياء الآمنين في دور عبادتهم تذكرنا بأهمية التكاتف والوحدة، حكومة وشعباً، في مواجهة كل ما يهدد أمننا واستقرار وطننا"، مضيفاً: "نقف اليوم جميعاً صفاً واحداً، رافضين الظلم والإجرام بكل أشكاله، ونعاهد المكلومين بأننا سنواصل الليل بالنهار، مستنفرين كامل أجهزتنا الأمنية المختصة، لضبط كل من شارك وخطط لهذه الجريمة النكراء، وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل".
وجاء تفجير كنيسة مار إلياس بعد سلسلة من العمليات التي قامت بها وزارة الداخلية السورية ضد خلايا لتنظيم داعش في عدة مناطق سورية، لعل أبرزها التي أفضت في شهر مايو/أيار الماضي لإلقاء القبض على عدة خلايا في بلدات الكسوة، ودير خبية، والمقيليبة وزاكية، جنوب دمشق. كما تعاملت الوزارة مع خلايا في الأحياء الشرقية لمدينة حلب الشهر الماضي، في عملية أدت الى مقتل عنصر من جهاز الأمن العام بعد تفجير أحد عناصر التنظيم نفسه. وأعلنت الإدارة في ديسمبر 2024 تقويض مخطط للتنظيم لتفجير مقام السيدة زينب جنوب دمشق. وكان "داعش" قد حذّر، الشهر الماضي، الحكومة السورية من مغبة الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده أميركا. وحذّرت واشنطن أكثر من مرة من هجمات محتملة في سورية، تشمل مراكز التسوق والفنادق، ومواقع يرتادها السياح، والمناطق التي تتجمع فيها الحشود الكبيرة. وكانت المرة الأخيرة في بيان لوزارة الخارجية الأميركية في 18 إبريل/نيسان الماضي، أعلنت فيه أنه "لا ينبغي اعتبار أي جزء من سورية بمأمن من العنف".
وبعد يوم على تفجير كنيسة مار إلياس اتضح أن من بين الأشخاص الذين قضوا فيه المدير العام للمؤسسة العامة للمواصلات الطرقية المهندس جرجس بشارة، والمهندس معن كوسا العامل في المؤسسة نفسها. وقالت الصحافية رانيا مصطفى، التي كانت تعمل سابقاً في المؤسسة قبل استقالتها منها في العام 2020، لـ"العربي الجديد"، إن بشارة حاول إخراج المسلح الذي فتح باب الكنيسة، لكنه فجر نفسه، بحزام ناسف، ما أدى إلى مقتله وستة آخرين من عائلته. وفي تسجيل مصور، روت زوجة جرجس بشارة كيف تمت العملية، موضحة أن الإرهابي دخل من باب الكنيسة حيث كان الحضور يشارك في جنازة خالتهم التي توفيت في لبنان، فلاحظه جرجس وشقيقه بطرس اللذين حاولا إخراجه من المكان خشية أن يلحق أي أذى بالحضور، لكنه بادر لإخراج قنبلة كانت معه، فتمكن بطرس من ركلها بعيداً ولم تنفجر، ثم حاولا السيطرة عليه، لكنه فجر حزاماً ناسفاً.
معلومات دفعت لاتهام "داعش"
ورأى الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك معطيات ومعلومات استخباراتية دفعت الحكومة السورية لتوجيه الاتهام إلى تنظيم داعش على الفور، موضحاً أن التحقيق لم يكتمل بشكل كامل، ولكن شكل التفجير واستهداف أماكن دينية ومدنيين يشبه أسلوب التنظيم في تنفيذ الهجمات. وتابع: لم تستطع القوى الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، القضاء على التنظيم بشكل كامل فهو يتحرك بعقلية المجموعات، ما يجعله تهديداً أمنياً في سورية والعراق. وأشار إلى أن التنظيم "مخترق من عدة جهات لذا تستطيع توجيه حركته، وهو ما يزيد من خطورته"، مشيراً إلى أن الإدارة السورية الجديدة أفشلت الكثير من مخططات التنظيم في الآونة الأخيرة.
وأعرب الخبير في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن لدى "داعش" القدرة على تنفيذ التفجير الذي ضرب كنيسة في حي الدويلعة على أطراف دمشق. وأشار إلى أنّ هذا التفجير أسهل ما يكون لدى التنظيم، ولكن أعتقد أن الأولوية لدى التنظيم إعادة الهيكلة وتثبيت نفسه في البادية السورية والأرياف والتمدد في المدن، ومن ثم لديه خطة أكثر بعداً للاستقطاب والتجنيد. وأشار إلى أن التنظيم نفذ أكثر من 600 عملية في سورية قبل إسقاط نظام الأسد، عندما كانت جهود محاربة الإرهاب في أوجها من قبل جميع الأطراف. وشكك أبو هنية في مسؤولية التنظيم عن تفجير كنيسة مار إلياس بالدويلعة، مشيراً إلى أنه لم يعلن حتى الساعة (حتى مساء أمس) عن وقوفه خلفها، ومضيفاً أن "الاحتمالات مفتوحة حول الجهات التي يمكن أن تكون وراء العملية. هذه العمليات سهلة لدى التنظيم، ولكن كما أسلفت لا أعتقد أنها أولوية لديه".
ويُعتقد أن للتنظيم خلايا نشطة وأخرى كامنة، في عدة مناطق سورية، سيما البادية المرتبطة جغرافياً بصحراء الأنبار العراقية، والتي تحولت إلى معقل بارز في سورية له بعد القضاء عليه في المدن والبلدات بشكل كامل مطلع 2019. لكن التنظيم كما يبدو لم يعد يملك الموارد المالية والبشرية للسيطرة على مناطق جغرافية، سواء في سورية أو العراق، لذا يعتمد على عمليات خاطفة بين وقت وآخر مستغلاً ثغرات أمنية، تحدث صدى واسعاً.
جهات إقليمية تدير "داعش"
من جهته، رأى الخبير العسكري والأمني العميد عبد الله الأسعد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك جهات إقليمية "تشغّل وتدير تنظيم داعش، ترسل إرهابيين إلى سورية لضرب الاستقرار". وبين أنه "ما يزال هناك حتى اللحظة خلايا متطرفة تنتمي إلى داعش في سورية، وخاصة في المناطق التي كانت تسيطر عليها المليشيات الإيرانية قبل الثامن من ديسمبر الماضي، وخاصة في البادية". وتابع: مطلوب من الإدارة السورية الجديدة الحرص الأمني، والدقة والحذر وتدريب العناصر في جهاز الأمن العام، تدريباً عالي المستوى، ليصبحوا قادرين على التعامل مع خطر عناصر التنظيم. كما دعا الأسعد إلى فرض حراسة مشددة على أماكن العبادة، وخاصة أثناء تأدية الصلوات، مضيفاً: يجب وضع عناصر ذوي خبرة لحراسة هذه الأماكن، فمعرفة الإرهابيين وتمييزهم يحتاج إلى فراسة ومهارة عالية، وتدريب استخباراتي.
وسارعت العديد من الدول العربية والغربية لإدانة التفجير. وجددت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، موقف الدوحة "الثابت من رفض العنف والإرهاب والأعمال الإجرامية، مهما كانت الدوافع والأسباب"، مؤكدة تضامنها التام مع الحكومة السورية في كل ما تتخذه من إجراءات لحفظ الأمن والاستقرار. بدورها شددت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، على أهمية تكاتف الجهود الإقليمية والدولية للقضاء على الإرهاب، وتجفيف منابعه. كما دان التفجير لبنان والعراق والأردن والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بيان: "لن نسمح باستدراج سورية مجدداً إلى بيئة غير مستقرة بواسطة تنظيمات إرهابية تابعة للغير، وسنستمر بدعم الحكومة السورية في مساعيها لمكافحة الإرهاب".
وفيما حث المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسن، في بيان أول من أمس، على إجراء تحقيق شامل واتخاذ الإجراءات اللازمة، فقد طالب جميع الأطراف بـ"الاتحاد في رفض الإرهاب، والتطرف، والتحريض، واستهداف أي مكون في سورية". وكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم برّاك على منصة إكس أن "هذه الأعمال الجبانة الرهيبة لا مكان لها في مجتمع التسامح والتعدد الجديد الذي ينسجه السوريون"، مضيفاً: "سنواصل دعم الحكومة السورية في نضالها ضد من يسعون إلى زرع عدم الاستقرار والخوف في بلدانهم والمنطقة برمتها". ودانت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، "الاعتداء الإرهابي المشين"، مذكرة "بالتزامها من أجل عملية انتقالية في سورية تتيح للسوريين والسوريات، مهما كانت ديانتهم، العيش بسلام وأمن في سورية حرة وتعددية ومزدهرة ومستقرة وسيدة". كما دانت التفجير اليونان وإسبانيا.

أخبار ذات صلة.
