
يتخذ المستويان الشعبي والرسمي في مصر موقفاً موحّداً حيال الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران، فرغم الخصومات السياسية مع طهران، يرفض مصريون الضربات الأميركية والإسرائيلية على منشآت نووية ومدنية إيرانية، معتبرين إياها عدواناً سافراً على سيادة دولة إسلامية، ومقدمة خطيرة لإعادة رسم خريطة المنطقة على نحو يهدّد استقرارها عقوداً مقبلة.
موقف موحد في مصر
وبرأي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي، فإنه "لا فارق يُذكر بين الموقفين الرسمي والشعبي في مصر تجاه العدوان الأميركي الإسرائيلي"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإدانة كانت واضحة وقاطعة من الجانبين، من دون أن تؤثر أي اعتبارات مذهبية على هذا الموقف". ويدرك المصريون شعباً ودولة، وفق هريدي، "الأبعاد الخطيرة التي ينطوي عليها هذا العدوان، خصوصاً ما يتعلق بمساعي واشنطن وتل أبيب لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط"، داعياً "العواصم العربية إلى عدم الرضوخ لما أقدمت عليه واشنطن من عدوان سافر يخالف قواعد القانون الدولي، ويوجه ضربة قاتلة لمبادئه الأساسية". ويقول هريدي إن الصمت العربي أمام هذه الضربات سيكون بمثابة "تفريط استراتيجي في استقلال القرار العربي".
سعيد عكاشة: موقف القاهرة يأتي انطلاقاً من إدراك استراتيجي لخطر اندلاع حرب إقليمية
ويشهد الموقف المصري الشعبي، وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سعيد عكاشة، "تعاطفاً لافتاً مع الشعب الإيراني"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذا الموقف "تجاوز بوعي واضح كل الفروق المذهبية التي طالما شكلت عائقاً أمام وحدة الشعوب الإسلامية في قضايا كبرى". ويشدد عكاشة على أن "الشعب المصري يرفض أي مشاريع هيمنة، سواء كانت صهيونية أو فارسية (إيرانية)، لكنه لا يقف على الحياد حين يكون هناك معتد ومعتدى عليه"، موضحاً أن "المصريين عبّروا بوضوح عن رفضهم للعدوان الأميركي والإسرائيلي، منذ اللحظة الأولى، وتجاوزوا حتى أخطاء إيران السابقة في المنطقة، لما يرونه من خطر بالغ على الأمن الإقليمي واستقرار الشعوب". وبرأيه فإن مصر "استخدمت أدواتها الدبلوماسية منذ اللحظة الأولى للتصعيد، لإقناع القوى الكبرى بضرورة وقف العدوان"، مبيّناً أن ذلك "ليس من باب الدفاع عن إيران بحد ذاتها، وإنما انطلاقاً من إدراك استراتيجي لخطر اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق"، قد تجر خلفها دولاً كبرى وتترك آثاراً مدمرة على أمن الخليج والعالم العربي.
نجاح الريّس: الوعي الشعبي المصري مدرك لخطورة المشروع الصهيوني الأميركي
موقف محسوب
دعم مصر الرسمي والشعبي لإيران في هذا الظرف ليس مجرد رد فعل عاطفي أو رمزي، بحسب عميد كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف، نجاح الريّس، مشدداً في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنه "موقف محسوب يرتكز على عدة محددات جوهرية". أول هذه المحددات أن "إيران هي الطرف المعتدى عليه، ولم تبادر بالعدوان"، والثاني أن طهران تمارس "حقاً مشروعاً" في امتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية السلمية "في حين أن إسرائيل تمتلك ما يزيد على 300 رأس نووي من دون رقابة أو محاسبة دولية (هناك غموض حول برنامج إسرائيل النووي إذ لا تعترف تل أبيب بامتلاك رؤوس حربية نووية لكن العدد يقدر بنحو 90 رأساً حربياً نووياً وفق معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري")". ويقول الريّس إن "الوعي الشعبي المصري بات أكثر إدراكاً لخطورة "المشروع الصهيوني الأميركي"، الذي وصفه بأنه "رأس حربة الفوضى في الإقليم"، ويسعى إلى فرض الهيمنة الكاملة على القرار السياسي والاقتصادي لدول المنطقة. ومن هنا، يضيف الريّس، نشأ "موقف شعبي متماسك لا يعترف بالتباينات الطائفية حين يتعلق الأمر بعدوان خارجي ينذر بعواقب كارثية".
غير أن ما يلفت الاتحاد النادر بين الشارع والدولة، بين النخبة والرأي العام، حول قضية كبرى تتجاوز الهويات الضيقة. كما تعيد رسم الخريطة الوجدانية للشعوب العربية، إذ بين القاهرة وطهران، لم يكن الجسر هذه المرة مذهبياً أو سياسياً، بل إنسانياً، أخلاقياً، واستراتيجياً في آن. أما برأي السياسي المصري والرئيس السابق لحزب الدستور، علاء الخيام، فإن "هناك فارقاً واضحاً بين الموقفين الرسمي والشعبي من الحرب ضد طهران". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشعب انحاز إلى حق إيران في الدفاع عن نفسها، ورفض الانحياز إلى العدوان الأميركي السافر". أما الموقف الرسمي، بحسب الخيام، فقد "ظل باهتاً، محسوباً، ومتردداً"، لافتاً إلى أن "المواطن المصري لا ينظر إلى الصراع من زاوية طائفية، بل من زاوية السيادة والكرامة الوطنية، والكراهية للكيان الصهيوني".
