أزمة مياه غزة... الصيف والنزوح يضاعفان العطش
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

يواجه أهالي قطاع غزة أزمة عطش خانقة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، لكنها تفاقمت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة من جراء مواصلة الاحتلال سياسة التهجير القسري الممنهجة.

يعيش أهالي قطاع غزة واحداً من أشد فصول ندرة المياه، إذ تزايدت فترات انقطاع المياه بشكل غير مسبوق، لتصل في بعض المناطق إلى أكثر من أسبوع، ما يضاعف معاناة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون منذ نحو سنتين في ظل عدوان همجي متواصل، ونزوح متكرر من مناطق متعددة، في محاولة لتجميع الفلسطينيين في مناطق ضيقة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
ويزيد ارتفاع درجات الحرارة من حدة أزمة المياه في القطاع، حيث يواجه الفلسطينيون تحديات كبيرة لتوفير مياه الشرب، أو مياه الاستخدام اليومي، خاصة من تركوا بيوتهم قسراً، واضطروا إلى العيش في مدارس أو مخيمات نزوح غير مؤهلة بالبنية التحتية اللازمة.
وتعود أزمة العطش المتفاقمة في غزة إلى قطع إمدادات المياه الرئيسية، وتضرر الشبكات والبنية التحتية بفعل العدوان المستمر، وانقطاع التيار الكهربائي، ما يصعب تشغيل الآبار ومحطات التحلية التي كانت تشكل المصدر الأساسي للمياه في القطاع، ليتحول الحصول على المياه من احتياج يومي إلى معركة بقاء، خاصة بالنسبة للنازحين الذين يعيشون ظروفاً قاسية داخل مراكز النزوح، أو في العراء، ما يزيد مخاطر انتشار الأمراض الجلدية والمعدية، في ظل ضعف إجراءات النظافة الشخصية، وتدمير شبكات الصرف الصحي.
وفي وقت سابق، قال المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الحصول على مياه شرب مأمونة وخدمات الصرف الصحي بيدرو أروخو أغودو إن "نحو 2.1 مليون شخص يعانون من أزمة حادة في الحصول على المياه في قطاع غزة، وتعرض ما يقارب 70% من البنية التحتية للمياه في القطاع للتدمير من جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية". وأوضح المقرر الأممي أن "إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، دمرت بشكل منهجي البنية التحتية للمياه، ومنعت الوصول إلى مصادر المياه النظيفة في غزة. هذه قنبلة صامتة لكنها مميتة، فالغالبية العظمى من سكان القطاع لا يحصلون على المياه إلا بكميات محدودة للغاية، أو تصلهم مياه ملوثة تشكل خطراً جسيماً على صحتهم".
يقول الفلسطيني النازح من حي الشجاعية محمد مهاني (45 سنة)، والمقيم في مخيم نزوح يقع غربي مدينة غزة، إنه يواجه صعوبة يومية كبيرة في الحصول على المياه، ويضطر إلى تعبئة الغالونات البلاستيكية من منطقة بعيدة بواسطة عربة صغيرة. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه "رغم الإرهاق الشديد الذي يصيبني وأبنائي خلال رحلة جر غالونات المياه الثقيلة، والذي يتضاعف نتيجة الركام والطرق غير المعبدة والكثبان الرملية، إلا أنه لا يوجد بديل، فالمياه مقطوعة في كثير من الأيام، ما يضع أسرتي في حالة عوز دائمة للمياه".
ويضيف مهاني: "نواجه أزمة كبيرة في توفير المياه الخاصة بالشرب والطهي بسبب ندرة وصول الشاحنات التي توزع المياه بالمجان، ما يضطرني إلى شراء المياه بأسعار مرتفعة في ظل واقع معيشي واقتصادي صعب من جراء استنزاف طويل الأمد لأموالي، وعدم توفر مصادر دخل".

ولا تقتصر أزمة انقطاع المياه على تفشي العطش، بل تؤثر على سبل الحياة المختلفة، مثل الطهي، والغسل، والنظافة الشخصية، ما يجعل تفاصيل الحياة اليومية قاسية في كثير من مناطق النزوح مع تواصل العدوان، الأمر الذي حول حياة الفلسطينيين إلى مأساة إنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم.
ينطلق النازح الفلسطيني محمود السيد (44 سنة)، من خيمته قرب ساحة الكتيبة، غربي مدينة غزة، في الساعة السابعة صباحاً كي يتمكن من توفير المياه لأسرته المكونة من خمسة أفراد، وهو يعود في بعض الأحيان ظهراً بلا مياه، ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "ارتفاع درجات الحرارة، والدخان الكثيف الصادر عن إشعال الحطب لإنضاج الطعام، إلى جانب الرياح المحملة بالأتربة تعتبر تحديات إضافية تزيد الحاجة اليومية للمياه التي تنقطع لفترات طويلة".
يضيف السيد: "لا يتمكن أفراد أسرتي من الاستحمام يومياً، ونعاني لغسل الملابس المتسخة، الأمر الذي يزيد خطر الإصابة بالأمراض الجلدية، خاصة في ظل انتشار أكوام القمامة، وسيول المياه العادمة التي تزيد انتشار الحشرات الناقلة للأوبئة".
تواجه الفلسطينية أم خالد صافي الأزمة ذاتها، وتقول بلهجتها العامية بينما تجلس أمام باب فصل دراسي تحول إلى مأوى لعائلتها المكونة من سبعة أفراد: "مش لاقيين نقطة مي (لا نجد نقطة مياه)، حتى للوضوء أو غسل وجوه أولادنا"، وتوضح لـ"العربي الجديد" أنه "يندر وصول المياه إلى المدرسة، وفي حال وصولها تشهد الصنابير البلاستيكية تكدساً شديداً لا يمكّنني من التعبئة أو يتيح تعبئة كميات محدودة لا تكفي للقيام بمختلف المهام اليومية، وتتزايد الأزمة مع ارتفاع درجات الحرارة. أزمة مياه الشرب والاستخدام اليومي تعتبر تفصيلاً من بين تفاصيل المعاناة اليومية المتعلقة بتوفير المتطلبات الأساسية، والتي يتسبب فيها الحصار الإسرائيلي المطبق، ومنع دخول المواد الغذائية، والقيود على مختلف أصناف المساعدات الإنسانية".

ودعت مصلحة مياه بلديات الساحل في غزة، في بيان، جميع الأطراف الدولية الفاعلة وكل من له علاقة أو قدرة على المساعدة بالضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي للسماح بتأمين ودخول إمدادات الوقود اللازمة لتشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بمرافق المياه والصرف الصحي، والتي أصبحت ضرورة حياتية في ظل الانقطاع التام للكهرباء منذ بداية الحرب، وذلك لتفادي المزيد من المآسي والأزمات في حال تفشي حالات العطش الشديد أو انتشار الأمراض المعدية في ظل الانهيار المضرد للوضع الصحي في أنحاء قطاع غزة.
من جانبه، يلفت المدير العام لمصلحة مياه بلديات الساحل منذر شبلاق إلى أن "أزمة المياه في القطاع تتفاقم بشكل غير مسبوق مع دخول فصل الصيف، نتيجة استمرار الحرب المدمرة التي ألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية الحيوية، وأدت إلى انقطاع مصادر مياه رئيسية، وتوقف العديد من الآبار ومحطات الضخ والتحلية عن العمل". 
ويوضح شبلاق لـ"العربي الجديد" أن "الدمار الواسع في البنية التحتية يؤثر على واقع المياه، إذ تضررت عشرات الآبار والخزانات، وخطوط النقل، ومحطات الضخ، أو خرجت عن الخدمة نتيجة الاستهداف المباشر، أو لوقوعها في مناطق تشهد عمليات عسكرية كثيفة، ما أدى إلى توقف كميات كبيرة من المياه عن الوصول، وكذلك نتيجة الدمار الكبير في مرافق الصرف الصحي، وخروج محطات معالجة المياه العادمة عن الخدمة. العدوان الإسرائيلي تسبب في قطع خط ميكروت المغذي للمحافظة الوسطى، ما أدى إلى حرمان مئات آلاف المواطنين من مصدر رئيسي للمياه منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي".

يتابع: "يزيد تكدس وتركز مئات آلاف النازحين في مناطق محدودة في جنوب ووسط القطاع الضغط على خدمات المياه المحدودة أصلاً، وبالتالي تتراجع الكميات المتوفرة، وتزيد أوقات الانقطاع في ظل شح مصادر المياه البديلة من جراء توقف عدد من محطات التحلية الصغيرة بسبب نقص الكهرباء، أو نفاد الوقود، أو تعرضها لأضرار مباشرة. نعاني أيضاً من صعوبات تشغيلية خانقة تعرقل استئناف الضخ والصيانة وتشغيل مرافق المياه بفعل انقطاع التيار الكهربائي، ونقص الوقود، مع صعوبة الوصول إلى المواقع المتضررة من قبل الطواقم الفنية، بينما تعمل طواقم مصلحة مياه بلديات الساحل على مدار الساعة، وفي ظروف ميدانية خطرة للغاية لإصلاح الأعطال، وتشغيل ما يمكن تشغيله من الآبار والخطوط".
وتحذر منظمات الإغاثة الدولية من تحول أزمة المياه إلى كارثة صحية في قطاع غزة، خصوصاً أن الطلب على المياه يتزايد مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، في حين أن القدرة على توفير المياه في أدنى مستوياتها، بينما تضطر الفئات الهشة إلى قطع مسافات طويلة للحصول على كميات محدودة من المياه، غالباً ما تكون غير آمنة أو غير كافية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية