
تشهد المدارس الأهلية في العراق، نمواً لافتاً في أعداد الطلبة المسجلين، مدفوعة بعدة عوامل، أبرزها تدهور البنية التحتية للمدارس الحكومية، ونقص الكادر التدريسي، إضافة إلى تزايد مشاعر القلق لدى الأهالي من ظواهر العنف والاكتظاظ داخل المدارس العامة.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" عام 2024، فإن نحو 30% من طلاب المرحلة الابتدائية في بعض الدول العربية يتوجهون اليوم إلى المدارس الأهلية، مقارنة بنسبة 18% قبل عشر سنوات فقط، أما في العراق، فوفق إحصاءات وزارة التربية العراقية لعام 2024، بلغ عدد المدارس الأهلية أكثر من 3500 مدرسة، وتستوعب أعداداً كبيرة في مختلف المراحل الدراسية.
وفي ظل تراجع مستوى التعليم في العديد من المدارس الحكومية العراقية، باتت المدارس الأهلية في السنوات الأخيرة الخيار الأول لكثير من الأسر التي تبحث عن بيئة تعليمية أفضل لأبنائها، ويعكس الإقبال المتزايد عليها تحولاً في قناعات الأهالي، الذين باتوا مستعدين لتحمل أعباء مالية إضافية، مقابل ضمان مستوى أكاديمي وتربوي أعلى.
ويرى المدرس عقيل الخالدي، الذي يعمل في إحدى المدارس الأهلية منذ أكثر من خمس سنوات، أن هذا النوع من المدارس يوفّر بيئة تعليمية أكثر مرونة وحداثة مقارنة بالمدارس الحكومية، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "المدارس الأهلية غالباً ما تعتمد مناهج حديثة وأساليب تدريس تركز على تنمية مهارات التفكير النقدي، وليس فقط الحفظ والتلقين، كما أن أعداد الطلبة في الصفوف أقل، مما يمنح المعلمين فرصة أكبر للتركيز على الفروق الفردية بين الطلاب".
ويضيف أن "المدارس الأهلية تستثمر في التكنولوجيا الحديثة وتدريب الكوادر، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على جودة التعليم"، مشيراً إلى أن "البيئة المدرسية تكون غالباً أكثر تحفيزاً، مع اهتمام بالأنشطة اللاصفية واللغات الأجنبية، مما يساعد على صقل شخصية الطالب وإعداده لسوق العمل منذ الصغر".
ويستدرك قائلاً: "رغم الإيجابيات، توجد بعض التحديات مثل ارتفاع الرسوم الدراسية، وصعوبة استفادة بعض الفئات الاجتماعية منها، كما يجب أن تخضع المدارس الأهلية لرقابة تضمن الحفاظ على جودة التعليم، وعدم تحوله إلى تجارة على حساب مصلحة الطالب".
يقول أحمد جبار، والد أحد الطلبة في مدرسة أهلية بمنطقة الكرادة وسط بغداد، إن تجربة ابنه مع التعليم الأهلي كانت "إيجابية بشكل عام"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "لاحظت فرقاً كبيراً في طريقة التدريس مقارنة بالمدارس الحكومية، المدرسة الأهلية التي التحق بها ابني تعتمد أساليب حديثة، مثل التعلّم عبر المشاريع والأنشطة الجماعية، وهذا انعكس على شخصيته وثقته بنفسه".
ويشير أحمد إلى أن "المدرسة تهتم بتعليم اللغات الأجنبية منذ المراحل الأولى، كما تولي أهمية كبيرة للأنشطة الفنية والرياضية، وتمنح الطلبة المتفوقين امتيازات وهدايا، ما يحفزه لخوض روح التنافس مع أقرانه، وهو أمر نفتقده عادة في التعليم الحكومي". لكنه في الوقت نفسه لا يخفي قلقه من مسألة الرسوم الدراسية المرتفعة، قائلاً: "الكلفة تشكل عبئاً على العائلة، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة، لكننا مضطرون لتحمّلها بحثاً عن تعليم أفضل".
وتقول بيداء أحمد، أم لطفلة في المرحلة الابتدائية، إنها ترفض تسجيل ابنتها في المدرسة الأهلية، بسبب ارتفاع الرسوم الدراسية بشكل مبالغ فيه، مقارنة بمستوى التعليم والخدمات المقدمة. مضيفة لـ"العربي الجديد": "أنا مؤمنة بأن التعليم حق لكل طفل، وليس امتيازاً لمن يستطيع الدفع فقط. شعرت بأن المدرسة تركز أكثر على الجانب المادي الربحي، بينما تغفل عن القيم التربوية الحقيقية".
وتتابع: "كما أنني لاحظت نقصاً في الكادر التعليمي المؤهل، وضعفاً في بعض الأنشطة اللاصفية التي تعتبر ضرورية لتنمية شخصية الطفل. لهذا، قررت أن أبحث عن مدرسة توفر بيئة تعليمية أفضل، وتضع مصلحة الطلاب أولاً، سواء كانت أهلية بسعر معقول أو حكومية".
عضو لجنة التربية النيابية، حيدر شمخي، يقول لـ"العربي الجديد" إن "قطاع التعليم الأهلي في العراق شهد نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة، وهذا يعكس رغبة الأهالي في توفير تعليم أفضل لأبنائهم، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه التعليم الحكومي، ومع ذلك، لا بد من التأكيد أن هذا التوسع بحاجة إلى تنظيم ورقابة حقيقية من قبل وزارة التربية، لضمان التزام المدارس الأهلية بالمعايير التربوية والوطنية".
وأضاف: "نحن لا نعارض وجود التعليم الأهلي، بل نرى فيه شريكاً مهماً في تطوير المنظومة التعليمية، ولكن يجب أن تكون هناك ضوابط تمنع تحويل التعليم إلى سلعة تجارية ترهق كاهل المواطن البسيط، وتؤدي إلى التمييز الطبقي في فرص التعلم، كما يجب أيضاً وضع آلية عادلة تضمن توظيف كفاءات تربوية مؤهلة داخل هذه المدارس، وعدم الاكتفاء بالربح باعتباره هدفاً أول. يجب أن يبقى التعليم رسالة قبل أن يكون مشروعاً استثمارياً".
وتتباين مواقف وزارة التربية العراقية تجاه المدارس الأهلية، لكنها بشكل عام تنظر إليها بوصفها رافداً مهماً للنظام التعليمي، خاصة في ظل التحديات التي تواجه المدارس الحكومية من ازدحام ونقص في الموارد. ويقول القانوني في مديرية تربية الكرخ الدكتور، أحمد داوود غازي، لـ"العربي الجديد"، إن "المدارس الأهلية باتت جزءاً أساسياً من المنظومة التعليمية في العراق، فهي تساهم بتخفيف العبء عن المدارس الحكومية، وتوفر بدائل تعليمية متنوعة للطلبة"، مشيراً الى أن الوزارة وضعت معايير وضوابط صارمة لترخيص المدارس الأهلية ومتابعة أدائها، لضمان التزامها بالمعايير الأكاديمية والتربوية".
وأضاف غازي أن "الوزارة تدعم تطوير المدارس الأهلية، لكنها في الوقت نفسه حريصة على ضبط أي تجاوزات تتعلق بجودة التعليم، أو ارتفاع الرسوم، لضمان عدم تحول هذه المدارس إلى مشاريع ربحية بحتة"، مشيراً إلى أن وجود المدارس الأهلية يدفع نحو التنافسية وتحسين جودة التعليم بشكل عام، وأن تظل الرسالة التربوية فوق المصالح التجارية.
