
يتصاعد العبء الاقتصادي على إسرائيل بشكل غير مسبوق، وسط استمرار الحرب مع إيران والتي تتخوف تل أبيب من طول أمدها ما يستنزف مواردها ويشل قطاعات الاقتصاد المختلفة، إذ تفيد تقارير إسرائيلية بتكبد الاحتلال قرابة 5 مليارات دولار، أي نحو 725 مليون دولار يومياً، للإنفاق على العمليات الهجومية على إيران وتكاليف الإجراءات الدفاعية لصدّ صواريخ طهران ومسيّراتها، التي يفلت العديد منها مخلفة دماراً وأضراراً بالغة في المواقع التي تستهدفها، لاسيما في حيفا العاصمة الاقتصادية لإسرائيل.
ويُقدَّر الإنفاق لتغطية احتياجات صندوق تعويضات الأضرار فقط بنحو 5 مليارات شيكل (حوالي 1.44 مليار دولار)، وفق تقرير لصحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، أمس الاثنين، مشيرا إلى أن الأسواق تتوقع عجزا حكوميا يتجاوز 6% العام الجاري، مقارنة بالسقف الذي حددته الحكومة البالغ 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي. وتُصر وزارة المالية على أنه "لا حاجة لتجاوز العجز نظراً لتوقع انخفاض المخاطر الأمنية" في ظل الضربات التي توجهها إسرائيل لإيران منذ الثالث عشر من يونيو/حزيران الجاري، لكن المحللين يشككون في ذلك.
وفي عام 2023، قدر المحاسب العام عجز الموازنة الإسرائيلية بنسبة 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن العجز قفز إلى 5.1%. وفي 2024، قدرت وزارة المالية العجز بنسبة 6.9%، لكنه صعد إلى حوالي 8.3% وفقاً لحسابات المكتب المركزي للإحصاء. وفي جميع الحالات الثلاث، يُعتبر هذا عجزاً كبيراً، حيث كان السقف المحدد للعجز قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يقدر بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقبل أيام، عدّل بنك "جيه بي مورغان" الأميركي توقعات عجز الموازنة الإسرائيلية بشكل حاد من 5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 6.2%، أي ما يزيد عن 25 مليار شيكل (7.2 مليارات دولار) إضافية إلى العجز المقدر حكومياً. وجاء في مراجعة البنك: "نفترض أن زيادة الإنفاق الدفاعي وتراجع الإيرادات (من الضرائب) سيزيدان عجز الموازنة هذا العام بما يزيد قليلاً عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي، ونتوقع الآن أن يبلغ معدل العجز السنوي حوالي 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف: "لا يُتوقع أن يكون لتعويضات الممتلكات المتضررة من صندوق التعويضات تأثير فوري على ميزانية الدولة، ولكن إعادة تمويل الصندوق ستؤثر على إصدار السندات (أدوات دين) على المدى المتوسط". ويعتزم البنك الأميركي إصدار سندات حكومية نيابة عن وزارة المالية الإسرائيلية.
في المقابل، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في تصريحات صحافية أخيرا إنه سيكون هناك بالفعل انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي في عائدات ضرائب الدولة، ولكن ليس بمبالغ لن يتمكن الاقتصاد من مواكبتها. لكن استمرار الحرب يزيد فجوة العجز المالي، إذ قال رام عمينوح، الذي عمل مستشاراً مالياً لرئيس الأركان ورئيس قسم الميزانية في وزارة الحرب الإسرائيلية، إن تكلفة الحرب حتى الآن تقدر بما يتراوح بين 15 و16 مليار شيكل، لكنها تنمو بسرعة، وفق تأكيده لصحيفة "كالكاليست".
يمكن تقسيم التكاليف إلى فئتين: نفقات الهجوم ونفقات الدفاع. وتشمل نفقات الدفاع صواريخ "آرو 3" الاعتراضية، حيث تقدر تكلفة كل صاروخ بحوالي 10 ملايين شيكل (2.88 مليون دولار)، بالإضافة إلى ذلك، تكلفة القوى العاملة والتي تتركز في أنشطة الجبهة الداخلية. ووفقًا لتقديرات عمينوح، تبلغ هذه التكلفة حوالي 100 مليون شيكل يومياً (28.8 مليون دولار).
وعلى جانب الهجوم على إيران، هناك بندان أساسيان: ساعات الطيران والتسليح. وتقدر كل ساعة طيران للقوات الجوية الإسرائيلية بحوالي 25 ألف دولار. أما بالنسبة للتسليح، فهذا نصف مليون دولار لكل وحدة. وحتى الأحد الماضي، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي حوالي 1500 طلعة جوية، وقُدّرت تكلفة العمليات الهجومية بحوالي 10 مليارات شيكل. وتضاف إلى تلك التكاليف الأعباء الناتجة عن تعويضات ستضطر الحكومة إلى دفعها للمتضررين، إذ تشير بيانات سلطة ضريبة الأملاك إلى إجلاء نحو 10 آلاف إسرائيلي من منازلهم خلال الأسبوع الأول من الحرب، وتقديم 36 ألفا و465 مطالبة بالتعويض.
وتقدّر صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن كلفة اعتراض الصواريخ الإيرانية فقط تتراوح بين 10 ملايين دولار و200 مليون دولار يومياً، ما يجعلها أحد البنود الأكثر استنزافا للميزانية. ويضفي استمرار المواجهات العسكرية مزيداً من الضغوط على الاقتصاد الإسرائيلي، وسط مؤشرات على تباطؤ الاستثمارات وتراجع حركة التجارة والسياحة، فضلا عن تذبذب أداء سوق المال وتزايد التكاليف الأمنية. وفي ظل استمرار الحرب دون أفق واضح، قدّر معهد "آرون" الإسرائيلي للسياسة الاقتصادية أن تصل كلفتها، في حال امتدت لشهر واحد، إلى نحو 12 مليار دولار.
وبجانب التكاليف المباشرة للعدوان الإسرائيلي وصدّ الضربات الصاروخية الإيرانية الانتقامية، تستهدف إيران البنية التحتية الحيوية في إسرائيل، وفي مقدمتها مدينة حيفا، رئة الاقتصاد الإسرائيلي. ويزيد ذلك من الضغوط، إذ أسفرت تلك الهجمات عن توقف مصفاة "بازان" لتكرير النفط، وهي أكبر مصفاة نفط إسرائيلية، ما يكبد اقتصاد البلاد 3 ملايين دولار يومياً، حسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية. كما طاولت هجمات طهران مطار بن غوريون قرب تل أبيب (وسط) ما أدى إلى إغلاقه، مما ينذر بمزيد من الخسائر في مطار يستقبل وتقلع منه نحو 300 رحلة طيران، بمعدل 35 ألف مسافر يومياً.
ويتزامن إغلاق المطار مع نقل شركة "العال" للطيران الحكومية الإسرائيلية 48 طائرة إلى قبرص واليونان والولايات المتحدة (خشية من استهدافها)، ما قد يترتب عليه تحمل تكاليف تشغيلية تُقدر بنحو 6 ملايين دولار.
كما أن أسواق المال لم تكن بمنأى عن تداعيات التصعيد العسكري، إذ طاولت الصواريخ الإيرانية بورصة الماس الإسرائيلية، في وقت سجلت صادرات البلاد من الماس تراجعاً بنسبة 35% على أساس سنوي خلال عام 2024. وتشكل هذه الصناعة 8% من إجمالي صادرات إسرائيل، حسب معهد الماس الإسرائيلي، ووسط مخاوف من أن تنال بورصة تل أبيب للأوراق المالية نصيبها من تلك الهجمات.
وتزامنا مع ارتفاع النفقات، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية أنها تستنفد جميع الاحتياطيات والإمكانات المالية المتاحة قبل التوجه نحو إعادة فتح الموازنة العامة، في محاولة لتمويل الحرب. وقدمت الوزارة، في 19 يونيو/ حزيران الجاري، طلباً للجنة المالية في الكنيست لتحويل 3 مليارات شيكل (حوالي 857 مليون دولار) من بند النفقات الدفاعية غير المتوقعة إلى وزارة الأمن. كما قدمت طلبا لزيادة إضافية بقيمة 700 مليون شيكل (200 مليون دولار)، سيتم اقتطاعها من موازنات وزارات مدنية، أبرزها الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
ووفق صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، فإن الجزء الأكبر من هذه التحويلات سيُخصص لتغطية نفقات القوى البشرية في الجيش. وتلك النفقات ارتفعت بشكل كبير، حتى قبل الحرب، خاصة في ظل التعبئة الواسعة التي شملت استدعاء 450 ألف جندي من الاحتياط حداً أقصى، حسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية.
