الإقامة في‮ "‬اللاعالم"‬‬‬‬
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

يتضح من قراءات ومواقف ‬وحقائق جزئية عديدة، ‬أن العالم‮‬،‮ ‬بما هو بناء أخلاقي‮ ‬وقانوني‮ ‬شيّدته البشرية بعد الحرب العالمية الثانية،‮ ‬لم‮ ‬يعد سوى أطلالٍ تُنشِّط خرابها ببلاغات ‬‬‬‬‬حسن النيّة، وإعلان المبادئ الدافئة، والحرص على طقوس مناسباتية‮ يقتضيها بقاء هيئة الأمم المتحدة على ‬قيد الحياة‮.‬‬‬‬ ويتّضح أكثر،‮ ‬ومن خلال تيّارات فكرية لها مناصرون كثر‮ ‬في‮ ‬خريطة القرن الواحد والعشرين،‮ ‬أن أوروبا التي‮ ‬كانت ساحة ميلاد عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية،‬‬‬‬‬‬ تعود إلى امتحان نفسها وهُويَّتها في ضوء حربٍ هي‮ ‬الأولى‮ ‬من نوعها، منذ نهاية النازية والفاشية،‮ ‬فوق ترابها‬،‮ ‬حرب روسيا ضدّ أوكرانيا‮‬، وامتداداتها، باعتبارها تصدّعاً‮ ‬بين الغرب القديم‮ ‬والشرق الجديد.‬ ‬‬‬‬‬‬ولعلّنا (‬عرباً ومسلمين، وشعوباً تنتمي‮ ‬إلى كتلة حضارية شبه متجانسة) ‬المنطقة الأكثر تجسيداً لنهاية العالم، كما ابتكرت في ضوء قيم إنسانية مشتركة، ونبذ للعنصرية والعنف وقانون الغاب... إنها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا‮.‬‬‬‬‬‬
إجمالا‮ً، ‬يمكن القول من هذه الزاوية‮ إنّ منطقة الشرق الأوسط، ‬وفي‮ ‬قلبها العالمان العربي‮ ‬والإسلامي،‮ ‬وشمال أفريقيا،‮ ‬جَنتْ‮ ‬من نهاية الإمبراطوريات الاستعمارية وسقوط الأنظمة الفاشية والاستعمار المباشر، ‬‬‬‬‬‬استقلالات ‬أخرجت إلى الوجود‮ ‬دولاً وطنية،‮ ‬بهذا القدر أو ذاك من النجاعة الوجودية والفاعلية التاريخية،‮ ‬كما طوّرت الدول حديثة العهد هُويَّات ذاتية،‮ ‬ضمن انتماء واسع،‮ ‬قومي‮ أو عَقَدي، ‬‬‬‬‬مكّنها من البحث عن أفق تاريخي‮ ‬مشترك،‮ ‬طوال المدّة التي‮ ‬تفصلنا عن نهاية الحرب العالمية الثانية‮ (‬تزامنت مع ميلاد جامعة الدول العربية كما نعرف‮). ‬‬‬‬‬‬وبالرغم من هذا المسار نحو تحقّق هُويَّات وطنية للدولة العربية،‮ ‬كان كلّ منعطف من منعطفات هذا العالم الجديد‮ ‬يشكّل تراجيديا عميقة، ‬تضيع فيها قطعة من الهُويَّة المشتركة،‮ ‬‬‬‬‬حدث ذلك في ‬1948،‮ ‬والحرب تضع أوزارها،‮ ‬عندما أضاعت الأمّة العربية الإسلامية فلسطين،‮ ‬وما زالت تفقد‬، مع كلّ مرحلة تاريخية جديدة، جزءاً من ترابها‮.‬‬‬‬‬‬‬

لم‮ ‬ينتبه العقل الشرق أوسطي‮ ‬إلى أن الثابت هو عدم تأجبل ما لا يؤجل، أي ‬بناء الدولة الوطنية القادرة على تجسيد هُويَّتها على قاعدة جدول أعمال تاريخي‮

في‮ ‬المنعطف الثاني،‮ ‬بعد هذا التحوّل التاريخي،‮ ‬وفي‮ ‬وقت كانت فيه دعوة‮ "‬نهاية التاريخ"، ‬المفهوم الأبرز في‮ ‬تأطير التحوّلات الكُبرى،‮ ‬كانت منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي‮ ‬عموماً في‮ ‬طور فقدان العراق،‮‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬وفتح الأبواب نحو مرحلة ثانية من‮ "‬جغرافية الضياع‮"‬،‮ ‬بحيث كان واضحاً أن العراق سيخرج من دائرة الفعل ‬الوطني،‮ ‬كما ترفعه الشعوب شعارا‮ً ‬لقيام السيادة وتحرير فلسطين وربح معركة التطوّر العلمي،‮ ‬‬‬‬‬‬‬‬ليصبح احتياطاً جغرافياً وبشرياً في‮ ‬معادلة جديدة تقودها الجمهورية الإسلامية بأفق‮ ‬غير مسبوق‮.‬‬‬‬
‮ومع تحوّلات‮ "‬الربيع‮ ‬العربي" ‬اتّضح‮ ‬أن دول المنطقة ‬تعيد الإقامة فوق أراضٍ ‬تميد تحت أقدام أصحابها،‮ من دون أن تشعر شعوبها بذلك في‮ ‬العموم، نظراً لوجود‮ ‬نقاط ارتكاز إقليمية تقودها طهران (سورية،‮ ‬اليمن‮...)‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬. وكما هو حال السبحة المتناثرة،‮ ‬كانت الدول تسقط،‮ ‬بفعل انحياز طائفي‮، ‬أو بفعل جدول أعمال مناهض للغرب ولإسرائيل،‮ ‬الواحدة تلو الأخرى، في‮ ‬سلّة المقتنيات الجيوستراتيجية‮ ‬الإيرانية‮، ‬‬‬‬‬‬‬‬‬ولم‮ ‬يعتد العقل العربي‮ ‬الإسلامي‮ أن‮ ‬يرى في‮ ‬ذلك نقطة ضعف أو مثلبة‬،‮ ‬بقدر ما كان‮ ‬يجد المسوّغات الدينية والسياسية،‮ ‬مهما كانت رومانسيةً وبعيدةً‮ من الواقع ‬لتحيين السؤال ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬حول مناهضة الإمبريالية، وسؤال التحرّر ‬الوطني‮ ‬مجسّداً في‮ ‬فلسطين‮.‬‬‬‬‬ وفي‮ ‬كلّ مرّة،‮ ‬وكما في‮ ‬السابق مع التيّارات القومية والماركسية القومية والتيار الإسلامي‮ ‬السياسي‮ ‬السُّنّي، لم‮ ‬ينتبه العقل الشرق أوسطي‮ ‬إلى أن الثابت هو انهيار ‬المشروع وضعف الحيلة ومراكمة‮ ‬الهزائم، ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬وتأجيل ما لا يؤجّل،‮ ‬أي‮ ‬بناء الدولة الوطنية القادرة على تجسيد هُويَّتها على قاعدة جدول أعمال تاريخي‮ ‬يليق بأفقها الديمقراطي‮ ‬والتحرّري‮ ‬والتنموي‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬ولعلّ جزءاً من قصور الدولة العربية‬،‮ ‬في‮ ‬المنظومة الدولية،‮ ‬يتحدّد على هذا الأساس،‮ ‬ولعلّ العجز عن ‬التأثير في‮ ‬هذه المنظومة،‮ ‬قيماً وقوانين وموازين قوى،‮ ‬يتأتى من هذا العجز في‮ ‬بند الهُويّة الوطنية للدولة،‮ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬على أساس التعاقد التاريخي‮ ‬بين الحكّام والمحكومين،‮ ‬الذي‮ ‬يُعدّ بدوره تراكماً‮ ‬إنسانياً للبشرية جمعاء،‮ ‬يعطي‮ ‬صوتاً مسموعاً لهذه الدول.‬‬‬‬‬‬‬‬

لا يزال الشرط‮ الأخلاقي‮ ‬القانوني‮ ‬في‮ ‬بناء العالم نقطة ترافعنا أمامه

قد‮ ‬يكون الموقف،‮ ‬الراديكالي‮ ‬أخلاقياً‮‬،‮ ‬حتى‮ ‬يبرّر الدعوة إلى الخروج من منظومة الأمم المتحدة وهيئاتها وأجهزتها التنفيذية،‮ ‬بصيغة استنكار‮ ‬تاريخي‮: ‬ما دمنا نتعرّض للظلم نتيجة الكيل بمكيالين،‮‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬ما علينا سوى التحرّر كلّياً من هذه المنظومة، وعدم الاعتراف بها‮. ‬‬وهو موقفٌ لا‮ ‬يقف عند العدمية، بل‮ ‬ينزع من الدولة العربية السلاحَ‮ ‬الوحيد لكي‮ ‬يكون لها صوت في‮ ‬العالم‮.‬‬‬‬‬‬‬
كانت الدول‮ ‬العربية في‮ ‬بداية القرن العشرين‮ ‬غير موجودة ‬عند تأسيس الأمم المتحدة، ولم تكن‮ ‬غالبية الخريطة العربية مرسومةً في‮ ‬مكاتبها،‮ ‬لكنّها استطاعت أن تصل،‮ ‬‬‬‬‬‬‬‬ضمن مدّ تحرّري‮ ‬إنساني،‮ ‬من إسماع صوتها والدفاع عن وجودها،‮ ‬مع توفير مقوّمات النضال الذاتي‮ ‬والمقاومة الأهلية‮.‬‬‬‬‬‬
... ما زال الشرط‮ الأخلاقي‮ ‬القانوني‮ ‬في‮ ‬بناء العالم هو نقطة ترافعنا أمامه‬،‮ ‬كما أنه ما زال نقط‬‬‬‬‬‬ة ‬ارتكاز لكلّ من‮ ‬يساندنا من الشعوب، التي‮ ‬تخرج إلى الشارع دفاعاً عنّا‮، ‬من باب القيم التي‮ ‬شيّدتها البشرية بعد حرب النازية والفاشية الرهيبتَين.‬‬‬‬‬‬‬

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية