
في تطور جديد يعكس الارتباط المباشر بين مليشيا الحوثي وطهران، هددت الجماعة مطلع هذا الأسبوع بمهاجمة السفن الأمريكية، إذا ما شنت واشنطن هجوماً على إيران.
التهديد جاء قبيل ساعات من تنفيذ الولايات المتحدة ضربات عسكرية على مواقع داخل إيران.
ويعد هذا الموقف تصعيدًا غير مسبوق، إذ تربط الجماعة للمرة الأولى عملياتها بشكل صريح بالمصالح الإيرانية، في تخل واضح عن روايات سابقة كانت تبرر الهجمات بأنها تضامن مع غزة أو دفاع عن النفس.
هذا التحول يتطلب تقييماً استراتيجيًا أعمق للموقع الوظيفي للحوثيين ضمن مشروع إيران الإقليمي في المنطقة.
بعد ساعات من تهديد الحوثيين، أعلنت الولايات المتحدة بالفعل شن هجمات باستخدام قاذفات بي 2 لتدمير3 مفاعلات نووية، وتستعد إيران ووكلائها للرد على التصعيد الأمريكي. والحوثيون من اليمن في قلب المواجهة.
يشير هذا التقرير إلى أن الاصطفاف الحوثي مع إيران ليست حادثة معزولة، بل هي انعكاس مباشر لاستثمار إيران طويل الأمد في الجماعة، مما يضعهم كأداة ضغط بحرية حاسمة. حيث تعمل أنشطتهم في البحر الأحمر كرادع إيراني، وقد كانت عملياتهم خلال حرب غزة بمثابة اختبار ميداني حاسم لقدراتهم، مدعومة بتقنيات عسكرية متقدمة نقلها الحرس الثوري الإيراني.
الاستثمار طويل الأمد
دائماً ما أنكر الحوثيون علاقتهم كتابعين لإيران، رغم أن طهران منذ أكثر من عقدين -على الأقل- هي الداعم الرئيسي للحوثيين. ساهم التدريب العسكري المكثف، الذي شمل تدريب مئات الخبراء والمقاتلين في منشآت الحرس الثوري وقوة قدس، في تعزيز قدراتهم. وقد أدى نقل التقنيات العسكرية المتقدمة، مثل صواريخ كروز والطائرات بدون طيار، إلى تعزيز قدرة الحوثيين على تنفيذ هجمات تتجاوز حدود اليمن.
إضافة إلى ذلك وعلى الرغم من أن الحوثيين يمتلكون مصادر دخل خاصة بهم من الضرائب وعائدات النفط، فإن الدعم المالي الإيراني، يقدر بعشرات الملايين من الدولارات على شكل نقد أو عبر شحنات من النفط، من أجل إكمال قدراتهم القتالية وطموحاتهم الإقليمية.
ولم يكن هذا الوصول نتيجة فترة زمنية قصيرة بل تطورت علاقتهما بمرور الزمن من مجرد ارتباط ديني ومذهبي في التسعينات، إلى شراكة مصلحة في مطلع الألفية الجديدة، ثم إلى "شراكة أكثر استراتيجية" في استراتيجية "الدفاع الأمامي" الإيرانية التي تقوم على أساس شبكة من الجهات الفاعلة ما دون الوطنية في الوطن العربي يطلق عليه "محور المقاومة" للقتال بديلاً عن إيران في المنطقة الأوسع.
في العامين الماضيين رسخ الحوثيون وجودهم في "محور المقاومة" الإيراني، الذي تعرض لضربات موجعة بما في ذلك حزب الله اللبناني الذي اغتيلت قيادته العام الماضي، وانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، والضربات الأمريكية على الميليشيات الشيعية في العراق. تشترك هذه الجماعات في "ولاء عميق للسياسة الإسلامية الشيعية، والتزام هيكلي بالمقاومة المسلحة خدمة للمصالح الإيرانية".
إن تعهد الحوثيين الأخير بمهاجمة السفن الأمريكية إذا انضمت الولايات المتحدة إلى حرب إسرائيل على إيران مع إعلانهم الصريح القتال إلى جانب إيران، هو تجلٍ مباشر للدور الذي رسمته إيران لهذه الحركة على الرغم من معرفة الحوثيين بالتكاليف الباهظة التي يترتب عليها إنهاء هدنة غامضة مع الولايات المتحدة تمت الشهر الماضي. كما أن هذا يمثل تحولًا ملحوظًا عن تركيزهم السابق على غزة أو الدفاع عن النفس فقط، مما يشير إلى توافق أعمق وأكثر وضوحًا مع الأهداف الإقليمية الأوسع لطهران .
هذا النمط يكشف عن مبدأ أساسي في استراتيجية إيران الإقليمية: الاستفادة من الفاعلين المحليين القائمين والذين يتمتعون بقدرة على الاستدامة الذاتية بتزويدهم بالقدرات العسكرية المتوفقة في حرب المتكافئة. ما يعني أن امتلاك الحوثيين لقاعدة مالية مستقلة -عبر الجبايات والضرائب والجمارك- يعني أن إيران لا تحتاج إلى تمويل وجودهم بالكامل-مثل باقي الجماعات- بل فقط قدراتهم الهجومية الاستراتيجية، مما يجعلهم أداة فعالة للغاية من حيث التكلفة لأهداف طهران الإقليمية، وهو ما برز خلال العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.
حرب غزة: اختبار ميداني
إذ لم تكن عمليات الحوثيين خلال العدوان على قطاع غزة مجرد أعمال تضامن (فقط كما يشار) بل كانت بمثابة اختبار ميداني عملي وتحضير لدورهم الموسع في مواجهة إقليمية أوسع. وأظهرت قدرتها على التكيف وتعلم المرونة تكتيكية.
خلال الحرب شن الحوثيون "ما يقرب من 500 هجوم على السفن وعلى الأراضي المحتلة"، أصابوا أكثر من مائة سفينة. ووفرت هذه الحملة المستمرة تجربة تشغيلية واسعة النطاق في العالم الحقيقي لقدرات إيران الصاروخية والطائرات بدون طيار. وسمحت الهجمات للإيرانيين والحوثيين باختبار قدرتهم على التأثير على الممرات المائية الدولية، مما أظهر قدرتهم على تعطيل سلاسل الإمداد العالمية وإجبار السفن على إعادة توجيه مسارها حول إفريقيا. وقد وفر هذا بيانات قيمة حول فعالية تكتيكاتهم وأسلحتهم ضد الأهداف التجارية والبحرية الدولية.
يشير تعهد الحوثيين الصريح بمهاجمة السفن الأمريكية إلى استعداد مباشر لاشتباك القوات الأمريكية. كما يشير إعلان الجماعة حول التنسيق مع "الجيش الإيراني" وتوقيت الهجمات مع إيران إلى مستوى أعلى من التكامل والتحضير لصراع إقليمي أوسع ومنسق ؛ دون اعتبار لتأثير ذلك على اليمنيين في مناطق سيطرتهم حيث يزداد الفقر والجوع وعدم القدرة على احتمال المزيد الحرب وزيادة الجبايات لتمويل حرب دفاعاً عن إيران وحماية لاستراتيجيتها.
ختاماً، تشير أفعال إلى أنها جزء من خطة عمل استراتيجية ديناميكية وطويلة الأمد بنتها إيران، وليست مجرد استجابات متهورة للحالة الإقليمية المتوترة أو الدفاع عن الفلسطينيين.
عمليات البحر الأحمر: رادع إيراني
ادعى الحوثيون باستمرار أن عملياتهم في البحر الأحمر، بما في ذلك الهجمات على إسرائيل والسفن، هي "دعم للفلسطينيين في غزة". وقد صرحوا بأنهم "سيتوقفون عندما تنتهي تلك الحرب". وعلى الرغم من أن هذه الدوافع المعلنة تلقى صدى إقليميًا ومحليًا، إلا أنها غالبًا ما تحجب التوافق الاستراتيجي الأعمق والطويل الأمد مع إيران. لكن الإعلان عن مشاركتهم في شن الحرب ضد السفن الأمريكية يربط أفعالهم صراحة بالمصالح الإيرانية، معلنين أنهم "ينسقون مع العمليات التي يقوم بها الجيش الإيراني". يؤكد ذلك بأن أنشطتهم في البحر الأحمر تخدم في المقام الأول المصالح الاستراتيجية الإيرانية الأوسع كعامل ردع وورقة ضغط ضد واشنطن وحلفائها.
تعتبر قدرة الحوثيين على تعطيل حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة مكون رئيسي لاستراتيجية "الدفاع الأمامي" الإيرانية. وتعوض هذه الاستراتيجية عن عدم قدرة الحرس الثوري الإيراني على توفير ردع عسكري تقليدي والذي انكشف منذ 13 يونيو/حزيران بالسيطرة الجوية للاحتلال الإسرائيلي على الأجواء الإيرانية.
خطر التقدير الغربي
إن دخول الحوثيين الحرب الإيرانية-الإسرائيلية دعماً لطهران يشير إلى أن أفعالهم لم تعد مجرد أفعال تكتيكية بل مرتبطة مباشرة بالمفاوضات الاستراتيجية لإيران وجهود الردع بعد خسارة ورقة التفاوض على القنبلة النووية.
الخطر أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة يخطئان في تقدير مدى استعداد إيران لاستخدام الحوثيين كرافعة مباشرة، وهو ما يعني صراع إقليمي أوسع وأقل قابلية للتحكم.
لذلك تشير هذه الديناميكية إلى أن أي جهود لخفض التصعيد يجب أن تأخذ في الاعتبار دور الحوثيين كجزء لا يتجزأ من حسابات إيران الاستراتيجية، وليس كفاعل يمني مستقل، وخطره بعد الحرب في استخدام البحر الأحمر كرافعة سياسية لتحقيق مصالح إيران ومصالحه السياسية الداخلية ستكون مصدر قلق دائم لأمن المنطقة.