
في ندوة "الهجرات والإبداعات الثقافية في المستقبل"، التي احتضنها منتدى حقوق الإنسان في دورته الثانية عشرة في مدينة الصويرة المغربية أول أمس السبت، قاربت مداخلات المشاركين تأثير الذكاء الاصطناعي، والميتافيرس، والاتصال المفرط على الرغبة الإنسانية في التنقّل والإبداع، وعلى جوهر التعبير الثقافي ذاته.
الندوة التي تنظّم بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، في إطار مهرجان كناوة وموسيقى العالم، تندرج ضمن سلسلة ندوات حول موضوع "الحركية البشرية والديناميات الثقافية"، وطرحت سؤالاً مركزياً: "هل نحن بصدد ولادة نظام عالمي جديد؟" متشعباً إلى أسئلة مثل: هل باتت الخوارزميات تملي علينا ما يجب أن نكتبه ونقرأه ونُبدعه؟ وهل ينبغي مقاومة هذا "الحكم المطلق" للعقل الرقمي؟ وإن كان الجواب نعم، فكيف السبيل إلى ذلك؟
من "الذاكرة المهاجرة" إلى "المهاجر المُرَقمن"
المؤرخ الفرنسي إيفان غاستو استعرض تاريخ تبلوُر الإبداع في سياق الهجرة، زمن ما قبل التكنولوجيا، حين كانت الثقافة تُنقل عبر الذاكرة، والفن يُصنع في تماسّ مباشر مع التجربة، لا عبر شاشات وسيطة.
أما عالمة الاجتماع دانا ديمينيسكو، فأضاءت صورة المهاجر الجديد: مهاجر رقمي، أو مُرقمن، ترابطي، ومرتبط بالعالم من خلال هاتفه الذكي أكثر من ارتباطه بالجغرافيا، في انتقاد لما وصفته بـ"الطوباوية الرقمية"، التي حوّلت البشرية إلى كائنات مفرطة في الاتصال، تعاني في الوقت نفسه رهابَ العزلة وفراغ الحضور الفعلي في الحياة.
بين التكنولوجيا والأيديولوجيا
من جهه، تحدث الشاعر المغربي طه عدنان عن تجربته مهاجراً منذ 1996، حيث تركت تأثيرها في قصائده في أواخر التسعينيات وبداية الألفية. وبشيء من السخرية، كان يشيد بالعالم الرحب الذي فتحته ثورة الاتصالات ومنها قصيدته "الشاشة عليكم" كاحتفاء بميلاد ثقافة كونية متحررة من الحدود، تمنح الكلمة للمنفي، والصوت للمُغيَّب.
وأضاف "كدنا نقتنع بقدرة القرن الحادي والعشرين على أن يكون قرن التكنولوجيا، عكس سابقه الذي عرف هيمنة الأيديولوجيا ومرارة صراعاتها. لكن، سرعان ما أدركنا أن هذه الأدوات ليست محايدة. فالخوارزميات التي دعمت ربيع العرب قبل عقد، باتت اليوم تحاصر المحتوى الفلسطيني، وتفرض رقابة ’ذكية‘ باسم قوانين غير مرئية".
مقاومة الشعر
كما تحدّث المخرج الفلسطيني إيليا سليمان، عن علاقته "المترددة" مع التكنولوجيا، موضحاً أنه لا علاقة له بالذكاء الاصطناعي، ولا يريد تأطير أدنى علاقة به. فهو يبني صوره السينمائية من الشعر، وأن رفضه للآلة ليس مجرد موقف فني، بل فلسفة وجودية، وأكد أن متعة أن تخلق صورة شيء لا ينبغي التنازل عنه لصالح خوارزميات مبرمجة لإشباع نزعات استعمارية في سرد الديناميات الثقافية.
