
تحوّل ملعب 5 يوليو 1962، الذي يُعدّ من أعرق معالم الجزائر في عالم الرياضة، من فضاءٍ لصناعة المجد الكروي إلى مكانٍ مُتكرر للفواجع، التي تحوّلت معها فرحة الملاعب إلى مآتم جماعية. وآخر هذه الحوادث كانت مأساة يوم السبت الماضي، خلال مباراة الأسبوع الـ 30 والأخير من الدوري الجزائري لكرة القدم بين مولودية الجزائر نجم مقرة، حين انهار جزء من السياج الحديدي في المُدرج العلوي، ما أدى إلى وفاة ثلاثة مشجعين وإصابة 81 آخرين، وفق ما أعلنته وزارة الصحة الجزائرية، في آخر إحصائية لها.
وتزامنت هذه الواقعة مع احتفالات تتويج نادي مولودية الجزائر بلقبه التاسع في الدوري المحلي، لكن وبعد صافرة الحكم مباشرة انقلبت لحظات الفرح إلى كارثة، بعدما تدافع عدد كبير من المشجعين باتجاه السياج الأمامي مباشرة، ابتهاجاً باللقب، لتظهر بعد ذلك الفيديوهات المتداولة أن من أسباب هذا الحادث اهتراء السياج المعدني، الذي لم يصمد أمام ضغط الحشود، ليسقط ومعه عدد من الضحايا، ويعيد إلى الواجهة مشاهد الصدمة والألم، التي عاشها الجزائريون في مرات سابقة داخل هذا الاستاد.
وقد افتُتح ملعب 5 يوليو 1962 عام 1972، وسُمّي بهذا الاسم تخليداً لتاريخ استقلال الجزائر، ويُعدّ أكبر الملاعب في البلاد من حيث السعة، إذ كان يتسع بداية لأكثر من 90 ألف متفرج قبل أن يتم تقليصها لاحقاً إلى نحو 76 ألفاً بعد تثبيت الكراسي. وقد احتضن هذا الصرح الكروي أبرز المحطات الرياضية في تاريخ الجزائر، على غرار المباراة النهائية لكأس أمم أفريقيا 1990، التي توّج فيها الخُضر باللقب على حساب المنتخب النيجيري، إضافة إلى احتضانه منافسات الألعاب المتوسطية عام 1975 وتوج فيها الجزائريون كذلك بالميدالية الذهبية في نهائي تاريخي أمام المنتخب الفرنسي، إضافة إلى احتضانه الألعاب الأفريقية في نسختي 1978 و2007، والألعاب العربية سنة 2004، فضلاً عن عشرات "اديربيا" الكبيرة، والنهائيات المحلية والإقليمية والقارية، على غرار الثلاثية المتتالية لنادي شبيبة القبائل عند تحقيقه لقب كأس الكاف (الكونفدرالية حالياً) أعوام: 2000 و2002 و2003.
ولكن خلف هذه الصورة الزاهية، حمل الملعب في باطنه أيضاً ذكريات حزينة ومؤلمة للكرة الجزائرية، بعدما تحوّل إلى مسرح لعدة حوادث دموية عبر تاريخه. ففي عام 2013، وخلال "ديربي" العاصمة بين مولودية الجزائر واتحاد العاصمة، انهار جزء من المدرج رقم 13، ما أدى إلى وفاة اثنين من مشجعي اتحاد العاصمة وسقوط ثالث من علو 20 متراً. قبلها بعامين، وتحديداً في مارس/ آذار 2011، توفيّ مشجع خلال شجار عنيف في المدرج رقم 4 بين شوطي لقاء مولودية الجزائر واتحاد العاصمة، بعد تعرضه لطعنة قاتلة. وفي العام نفسه كذلك، وخلال مباراة ربع نهائي كأس الجزائر بين مولودية الجزائر وشباب قسنطينة، توفيّ مشجع آخر إثر سقوطه من عمود إنارة كان قد تسلقه.
وأعاد حادث السبت إلى الذاكرة أيضاً كارثة حدثت قبل سنوات في الكرة الجزائرية، لكن هذه المرة شهدها ملعب 20 أغسطس بالعاصمة عام 1982، حين انهار سقف أحد المدرجات خلال لقاء جمع بين نصر حسين داي ومولودية الجزائر، وأدى إلى وفاة عشرة مشجعين على الأقل وإصابة عشرات آخرين، في وقتٍ لم يمنع ذلك الحادث من استمرار فتح الملعب رغم بنائه خلال الحقبة الاستعمارية، حتى أنه مازال يحتضن المباريات المحلية حتى اليوم.
والجدير بالذكر أن ملعب 5 يوليو 1962 خضع في أكثر من مناسبة لأشغال ترميم شاملة، شملت المدرجات وأرضية الميدان، أبرزها خلال أعوام: 2008 و2015 و2022. ورغم ذلك، تكررت الحوادث بشكل يطرح علامات استفهام حول فاعلية هذه الصيانة، ومدى جهوزية البنية التحتية لاستيعاب الحشود، خاصة في المناسبات الكبرى، التي تتطلب أعلى معايير السلامة، كما حدث في اللقاء الأخير بين مولودية الجزائر ونجم مقرة.
