
تسود الأسواق الخليجية حالة من التوجس، بعد توجيه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لثلاثة مواقع نووية إيرانية، خاصة مع توقعات خبراء بأن دخول الجيش الأميركي إلى جانب إسرائيل في المواجهة العسكرية ضد إيران من شأنه أن يؤدي إلى مخاوف نفطية لدول الخيج في حال إغلاق مضيق هرمز، بالإضافة إلى التاثيرات المباشرة على البورصات عبر موجة بيع للأسهم وتوجه نحو الأصول الآمنة بدءاً من تداولات أمس الأحد.
أما على مستوى الاستثمارات الأجنبية والإقليمية، فقد ارتفعت حدة المخاوف وسط ترجيح بأن يغطي الغموض الأسواق ويرفع التقلبات، خاصة في أسعار الطاقة، ما يؤثر سلباً على ثقة المستثمرين وصناديق الثروة السيادية الخليجية، التي قد تؤجل أو تعيد النظر في مشاريعها الاستثمارية في المنطقة، حسب مراقبين.
وفي مواجهة التداعيات الاقتصادية المحتملة للتوترات الإقليمية وتصاعد المخاطر الأمنية بعد الضربات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، اتخذت سلطنة عمان والبحرين إجراءات حكومية تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتقليل تأثيرات الأزمات على الأسواق والمجتمع.
ففي سلطنة عمان، أعلن المكتب الإعلامي للحكومة عن تأمين عودة دفعة جديدة من المواطنين ورعايا دول أخرى ضمن خطة إجلاء شاملة، عبر ميناء بندر عباس إلى ميناء خصب.
وبلغ عدد الدفعة 28 مواطناً، بحسب ما أورد الموقع الرسمي لوزارة الخارجية العمانية، فيما لم يذكر عدد رعايا الدول الأخرى.
وفي البحرين، أفادت وكالة الأنباء الرسمية "بنا" بأن الحكومة بدأت فعلياً في تفعيل نظام العمل عن بُعد بنسبة تصل إلى 70% في الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية، وذلك ضمن إجراءات احترازية لمواجهة التوترات الإقليمية وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية. وأشارت الوكالة إلى أن الإجراء الحكومي يعكس استجابة مباشرة للتحديات الراهنة في المنطقة.
ضرب النفط... ومخاوف بيئية
باتت تجارة دول الخليج وملاحتها البحرية، تحت رحمة التوترات الأمنية أيضاً، بعدما حذّرت وكالات متخصصة من أن مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو ربع النفط البحري العالمي بات يمثل خطراً كبيراً في حال امتدت الاشتباكات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة، بحسب تقرير نشرته وكالة Argus Media البريطانية، مشيرة إلى أن "قطاع الشحن زاد من تسعير المخاطر في حساباته" منذ أن بدأ الحديث الأميركي عن الضربات العسكرية لإيران، ما يعني ارتفاع تكاليف النقل والتأمين البحري.
كما تصاعدت المخاوف البيئية على إثر الضربة الأميركية لإيران، وهو ما أورده التقرير ذاته، مشيراً إلى تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مخاطر نووية محتملة لضرب مفاعلات نووية إيرانية (خاصة محطة بوشهر للطاقة)، والتي قد تؤدي إلى "كارثة بيئية".
وفي سوق النفط، تصاعدت التقلبات حدّة، فقبل الضربة كان خام برنت قد بلغ نحو 79 دولاراً للبرميل بعد موجة الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وما زال يتجه إلى الصعود مع امتداد الأزمة بدخول الجيش الأميركي على خط الضربات العسكرية، وتوقع محللون أن تواصل أسعار النفط الارتفاع، في ظل تصاعد الصراع.
تلوث مبالغ فيه
في هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، لـ "العربي الجديد"، إلى أن التطورات الجيوسياسية تثير قلقاً اقتصادياً متزايداً، خاصة في منطقة الخليج، رغم أن الحديث عن خطر التلوث النووي يبدو مبالغاً فيه.
ويوضح الشوبكي أن المنشآت الإيرانية المستهدفة لا تشمل مفاعلات نووية تنتج انشطاراً ذرياً أو أشعة غاما الضارة، وهي الأكثر خطورة والأوسع انتشاراً، بل هي منشآت خاصة بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي فإن أي تسرب محتمل يكون محصوراً ضمن نطاق ضيق ولا يصل إلى مسافات بعيدة.
ويشير الشوبكي إلى أن منطقة أصفهان، التي تحتوي على عدة منشآت نووية تتعلق بصناعات مثل الكعكة الصفراء أو اليورانيوم المعدني، لا تشكل خطراً إشعاعياً واسعاً، إذ يبقى التلوث المحتمل محلياً، ولا يمتد إلى الدول المجاورة أو إلى دول الخليج العربي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيلفت الشوبكي إلى أن تراجع مؤشرات أسواق المال الخليجية يأتي نتيجة لحالة القلق والترقب التي تسود المستثمرين، وسط استمرار عدم اليقين بشأن الرد الإيراني المنتظر، لافتاً إلى أن هذا الرد قد يستهدف القواعد الأميركية في الخليج، وهي موجودة في معظم دول مجلس التعاون، بالإضافة إلى العراق وسورية والأردن، مما يجعل المنطقة ككل عرضة لردات فعل سلبية فورية.
أسوأ السيناريوهات
يرى الشوبكي أن هذه الانعكاسات ستكون أولية، وأن الأسواق ستبقى رهناً بالتطورات المقبلة، خاصة إذا ما قررت إيران التصعيد عبر استهداف منشآت نفطية في الخليج، أو عبر محاولة تعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز، سواء عبر التلغيم أو الإغلاق الجزئي، وهو سيناريو خطير قد يؤدي إلى اضطرابات حادة في أسعار الطاقة العالمية.
وفي السياق ذاته، يلفت الشوبكي إلى احتمال عودة واشنطن إلى المسار الدبلوماسي، كما أشار إلى ذلك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سابقاً، حيث دعا إيران إلى التوقف عن التصعيد أو مواجهة ضربة أخرى، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الخيارات تبقى مفتوحة والمؤشرات غير واضحة حتى الآن.
وبالنسبة لسوق النفط، يتوقع الشوبكي ارتفاعاً مبدئياً للأسعار بنحو 5%، مع افتتاح الأسواق الآسيوية، لتلامس أسعار برميل "برنت" مستوى 80 دولاراً أو أكثر، لافتاً إلى أن مقدار هذا الارتفاع يرتبط بطبيعة الرد الإيراني ومدى سرعته أو تأخره، إذ أن طبيعة الرد هي التي ستشكل المشهد الاقتصادي في الأيام القادمة، ليس على مستوى أسعار النفط فقط، بل أيضاً على صعيد ثقة المستثمرين واستقرار الأسواق المالية في الخليج.
الذهب وتفاقم المخاطر
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، لـ "العربي الجديد"، إلى أن الضربة العسكرية الأميركية لمواقع إيران النووية تفاقم المخاطر الاقتصادية على دول الخليج العربية، حيث يتوقع أن تشهد أسعار الذهب أيضاً ارتفاعاً كبيراً، ما ينذر بزيادة كبيرة في الضغوط المالية على المنطقة.
ويحذر يوسف من أن الوضع الاقتصادي يزداد قتامة يوماً بعد يوم، خاصة مع استمرار التصعيد العسكري وغياب أي بوادر للتهدئة، مبيناً أن الولايات المتحدة، وعلى رأسها ترامب، لم تعد شريكاً يمكن الاعتماد عليه بموثوقية، نظراً للطريقة العشوائية التي تدير بها إدارتها السياسات الخارجية، والتي تضر بالمصالح الأميركية نفسها قبل أن تؤثر على دول الخليج.
فالمليارات التي قدمتها دول الخليج لدعم الاقتصاد الأميركي خلال السنوات الماضية لم تأتِ بنتائج واضحة، بل ساهمت في تعزيز النفوذ العسكري والمالي للمجمع الصناعي العسكري، الذي يتحكم في صنع القرار عبر ضغوط اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، حسب يوسف، الذي يتوقع أن تتعرض البورصات الخليجية لضربة قوية، وأن تشهد الاستثمارات الأجنبية فيها تراجعاً حاداً، إذ سيتجه المستثمرون نحو الصين وجنوب شرق آسيا باعتبارها مناطق أكثر استقراراً وأماناً.
وقد يضاعف الرد الإيراني من خسائر البورصات الخليجية، حسب تقدير يوسف، الذي يرى أن مدى هذه الخسائر قد يمتد إلى الأسبوع القادم، خاصة إذا جاء الرد الإيراني تصعيدياً، وعندها، سيتحول لون الأسواق إلى الأحمر، ليس في الخليج فقط، بل حتى في الولايات المتحدة نفسها، حيث سيكون لها نصيب من التداعيات السلبية لانعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ويلفت يوسف، في هذا الصدد، إلى خطر آخر محتمل، يتمثل في التلوث الإشعاعي، وحتى وإن كان بنسبة ضئيلة، والذي قد يؤثر مباشرة على المنطقة العربية، خاصة على قطاع السياحة والبنية الاقتصادية الأوسع، حسب تقديره.

أخبار ذات صلة.
